خاص العهد
هكذا تكون محاربة الفساد
فاطمة سلامة
في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018، حمل حزب الله شعار مكافحة الفساد بالاسم والفعل. حينها، أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله نيّة حزب الله شنّ حرب على الفساد عبر تشكيل إطار تنظيمي يشرف عليه شخصيًا. منذ ذلك الحين، سخّر حزب الله كل إمكاناته في خدمة هذا الهدف مع علمه مسبقًا أنّ هذه المهمة أصعب من مواجهة "إسرائيل" التي حقّق فيها الانتصارات.
ثمّة فروق جوهرية بين مكافحة الاحتلال ومكافحة الفساد. في المعركة الأولى العدو محدّد والأسلحة متوافرة بيد الحزب وبكثرة ما يجعل الانتصار حتميًّا. أما في المعركة الثانية، فتتعدّد الأسلحة وتتنوّع ولا تصب جميعها بيد الحزب. صحيح أنّ حزب الله يتعامل مع الملفات وفق سياسة النفس الطويل فلا يمل ولا يكل، لكن الوصول الى نهايات سعيدة في ملف مكافحة الفساد لا يتوقّف عند حزب الله وحده. ثمّة "بلوكات" لا يمكن القفز عنها. تمامًا كما أنّ البت بهذا الملف يعود للمؤسسات الدستورية ومنها القضائية التي تملك الكلمة الفصل.
وعليه، خاض حزب الله غمار هذه المعركة. تسلّح بالواقع والأرقام بعيدًا عن سياسة التجنّي. كلّف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله بمتابعة ملف مكافحة الفساد، فتحوّل مكتبه الى خلية نحل بكل ما للكلمة من معنى. وعليه، أوجد حزب الله ذهنية مختلفة ومقاربة جديدة في التعاطي مع مؤسسات الدولة. لم يكن أحد ليجرؤ من قبل على تسمية الأمور بأسمائها. لم يكن أحد ليجرؤ على خوض هذه المعركة بهذه الشفافية، فالفساد متجذّر في لبنان ومتأصل في بيئة المؤسسات، ولا يكاد يخلو مرفق عام من صفقات بالتراضي، هدر للمال العام، إنفاق في غير محله، هبات وقروض تذهب الى جيوب المسؤولين، وقس على ذلك الكثير.
وعلى مدى 4 سنوات، قدّم حزب الله قوانين إصلاحية لمكافحة الفساد ومنظومته. تمامًا كما قدّم في سياق محاربة الفساد 14 ملفًا من الملفات الكبرى أبرزها تمحور حول الحسابات المالية للدولة، الهبات، القروض، سلفات الخزينة، التلاعب بمستندات وزارة المالية، التلاعب بالعملة الوطنية، الصرف الصحي، الاتصالات، الإنترنت غير الشرعي، الهدر في شركتي الخلوي، وسد بريصا. البت بتلك الملفات لا يتوقّف بطبيعة الحال عند حزب الله. الحزب لا يملك الحق باعتقال الفاسدين وسوقهم الى العدالة ومنها الى السجون. الحزب لا يتمكّن بمفرده من تغيير القوانين التي سهّلت الفساد. الحزب يتوقّف دوره عند تبيان الحقيقة وتجهيز المستندات والدعاوى القانونية وتقديم الاقتراحات والمشاريع. أما مهمّة البت في تعديل القوانين والبت بملفات الفساد فتُسند الى المؤسسات الدستورية ومنها القضاء اللبناني الذي أودعت لديه كل هذه الملفات للبت بها. لكن للأسف تقف السياسة والتباطؤ القضائي حائلًا أمام وصول معركة مكافحة الفساد الى خواتيمها السعيدة.
لأول مرة تطرح مسألة مكافحة الفساد كملف متكامل
بموازاة التقاعس السياسي والقضائي، يُسجّل لحزب الله أنّه تمكّن من رفع الصوت في وجه أحد أكبر "التابوهات" في المجتمع اللبناني. يكفي أنّه بادر لتعميم ذهنية جديدة. رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله يتحدّث لموقع العهد الإخباري عن أهمية طرح مكافحة الفساد الذي أوجده حزب الله في البيئة اللبنانية. يشدّد على أنّه لأول مرة تطرح مسألة مكافحة الفساد كملف متكامل وليس موسميًا، فهو ليس جزءًا من شعار سياسي بل ملف متكامل ودائم ومستمر، وهذا ما يميزه عن كل طروحات مكافحة الفساد. وفق فضل الله، مع تغيُّر المقاربات السياسية فإن هذا الملف بقي حاضرًا.
ويلفت المتحدّث الى أنّ أهم ما يميز هذا الملف أنه يضم عدة جوانب:
أولًا، جانب تقني، اذ يستند على المعلومات وليس فقط على التوجهات العامة أو المقاربات العامة. وفق فضل الله فإنّ البيانات هي التي تحرك هذا الملف.
ثانيًا، جانب قضائي بحيث يستند الى عمل المؤسسات ويكتسب شرعية راسخة، حيث يسلط الضوء على نقاط الضعف الموجودة داخل هذه المؤسسات، فكلما كان لدينا قضية فساد محالة الى القضاء وهناك تباطؤ في مقاربتها والبت بها يزيد هذا الأمر من تسليط الضوء على جوانب القصور وقضايا الإصلاح المطلوبة في القضاء، أو في المؤسسات الأخرى، فهذه المسألة لا تقتصر على القضاء فقط بل تطال المؤسسات الأخرى من الحكومة ومجلس النواب وغيرهما.
ثالثًا، جانب سياسي، بمعنى أنه يتكوّن من داخل النظام وليس من خارجه لذلك فهو واقعي. وهنا يشدّد فضل الله على أنّ هذا الملف يحتوي على جانب سياسي، لكنه غير مسيّس اذ يأخذ بعين الاعتبار المعطيات السياسية ويبني عليها فهو من داخل المنظومة السياسية للبلد وليس من خارجها. وبحسب فضل الله، ما دام هذا النظام السياسي قائمًا وموجودًا لن ينتظر حزب الله ليتغير كل شيء ليحارب الفساد بل سيكافح رغم مشاكل النظام والمنطومة والنخبة السياسية.
ويؤكّد فضل الله أنّ ملف مكافحة الفساد غير مسيّس لأنّ المعطيات هي التي تحكم، فلا يهدف هذا الملف الى استهداف أي طرف سياسي، وهذا الأمر بدا جليًا من خلال القضايا والعناوين التي عرضت في كتاب "الفساد والقضاء الملفات الكاملة". يشدّد فضل الله على أنّ حزب الله على مستوى مكافحة الفساد يضع الاصبع على الجرح ويتعامل مع القضايا الرئيسية التي يطال جذعها كل الملفات والقوى السياسية والأطراف والفئات، اذ لا يوجد ملف يمكن تحييد طرف عنه بدءًا من الحسابات المالية العامة التي لا يمكن لطرف أن يقول إنه محيّد عنها.
ولا يُنكر فضل الله أننا أمام مسار طويل الأمد وربما نتائجه أقل من المرغوب على المدى القصير، لكن لأول مرّة في البلد يكون لدينا مسار دائم ومتكامل وبطبيعة الحال لدينا صعوبات وعقبات، وسماحة السيد نصر الله قال إنّ معركة مكافحة الفساد صعبة ومعقّدة من الناحية السياسية تحديدًا، ففي الوقت الذي لا يُسيّس فيه حزب الله هذا الملف هناك من يسيّس مواجهة حزب الله لقضايا مكافحة الفساد.
ويُشدّد فضل الله على أنّ حزب الله -وخلال مكافحته الفساد- استكشف العقبات والصعوبات، فهناك عقبات كان يطمح حزب الله لتجاوزها بسهولة ولكن تبين أنها غير سهلة، أما العقبة الأساسية فتمثلت في التدهور السياسي الحاصل في البلد والذي أدى الى انقسامات من نوع مختلف عن الانقسامات السابقة، والتدهور على المستوى الاقتصادي، وعلى الرغم من أن مكافحة الفساد تصب في نهاية المطاف في إنقاذ الوضع الاقتصادي إنما فرضت أولويات ثانية نفسها على الساحة أهمها الانقاذ ما زاد الأمور تعقيدًا بمواجهة ملف من هذا النوع.
وفي معرض حديثه، يضيف فضل الله: "صحيح أنّ مكافحة الفساد أمر شامل يشمل كل القضايا دون استثناء لكن يفترض أن يعطى أولوية للقصايا التي تصب في آن معا في مكافحة الفساد والانقاذ الاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي لناحية استرداد الأموال المنهوبة، وموضوع التدقيق الجنائي، والقوانين التي يؤدي إقراراها الى الحد من قوننة الفساد".
وفي الختام، يقول فضل الله: "لم نلمس النتائج على المدى القريب لكن يمكن أن نلمسها على المدى الأبعد".