معركة أولي البأس

خاص العهد

البحرين: النظام يُعاند والمعارضة على عزيمتها
11/04/2022

البحرين: النظام يُعاند والمعارضة على عزيمتها

لطيفة الحسيني

قد يظنّ من واكب ثورة 11 شباط/فبراير في البحرين أن الحراك خفَتَ، أو ربّما أُخمد. صحيح أن رموزه يقبعون في السجون ظلمًا وتعسّفًا، لكنّ المطالب لا تزال على حالها. أيّ منها لم يتحقّق، بل زيد في مُصادرتها. الحقوق السياسية والعدالة الاجتماعية والشفافية الاقتصادية كلّها حاجات ضرورية علا صوت البحرينيين لينالوها، غير أن "الأذن الصمّاء" لدى النظام لم تتعافَ بعد، وجولات النضال من أجل الحصول على المراد مستمرّة.

11 عامًا من المواظبة على المناشدات الحقَّة داخليًا وبين العواصم تُثبت أن مرور الوقت لا يقلب صفحة "الصراع". يُبرهن نظام آل خليفة أنه عصيّ على التغيير والتطوّر. على الرغم من كلّ التبدّلات في العالم، تُحافظ السلطة على عتوّها وتجبّرها. لا تفكّر في التطوّر والمبادرة الى حلّ الأزمة الشديدة. الشعب فاقدٌ للثقة بها، وانسدادُ الأفق واضح. الحديث اليوم عن خطوة إيجابية لحلّ سياسي شامل ضربٌ من الجنون، فالتفاهم مع أبناء البلد حتى الآن غائبٌ تمامًا. هؤلاء لم يحصلوا الى هذه اللحظة على ضمانات تُطمئنهم إلى أن الغد فعلًا أفضل.

النائب السابق عن جمعية "الوفاق" الوطني الإسلامي البحريني والقيادي البارز في المعارضة علي الأسود يُقارب في حوار شامل مع موقع "العهد الإخباري" تفاصيل الأزمة المُستفحلة. يُحيل السبب الرئيسي فيها الى عدم وعي السلطة بشكل حقيقي لمطالب الشعب، التي لم تُدرك الى اليوم أن الأخير يُريد أن يكون شريكًا في القرار السياسي والاقتصادي.

بحسب الأسود، الأرقام المُعلنة من جانب النظام للعجز وعدم تحقيق تنمية مستدامة للبلاد يؤكد أن آل خليفة يفتقدون للخطط الاقتصادية، ويعتمدون حصرًا على الأموال النفطية والمساعدات.

أمّا استمرار سجن الأمين العام لـ"الوفاق" الشيخ علي سلمان فيبقى هاجسًا لـ"الوفاق". الأسود يُشير الى وجود خياراتٍ مفتوحة لدى الجمعية قد تُساعد في إغلاق هذا الملفّ.

تطبيع النظام مع العدو يجزم الأسود بأنه لن يخرق أيّ منزل بحريني، فالشعب رافض تمامًا لفكرة وجود الاحتلال.

 

البحرين: النظام يُعاند والمعارضة على عزيمتها

 

 

"العهد" أجرى حديثًا شاملًا مع القيادي علي الأسود وهنا نصّه:

 

 * هل تستطيع المعارضة في الخارج أن تعكس هموم المواطنين في الداخل؟

المعارضة في الخارج أصبحت أمرًا واقعًا. بعد إغلاق "الوفاق" في الداخل، كان لا بدّ من أن تعمل في الخارج. بدأنا العمل في لندن في العام 2011 واستمرّ ذلك في العديد من العواصم العربية وأوروبا وأمريكا. كلّ الجهود التي تقوم بها المعارضة سواء كانت سياسية أو حقوقية تصبّ في صالح أهلنا في الداخل ونحن صوتهم بعد خنق اصواتهم في الداخل .

* في ظلّ الكمّ الهائل من الاستبداد: قمع الأصوات المُعارِضة وسجن رموزها، إسقاط الجنسيات، تصاعد البطالة وتوظيف الأجانب، وصولًا الى التطبيع، كيف يتحقّق الإصلاح؟ وكيف يتجاوب النظام مع مطالب الشعب؟

لا أعتقد أن السلطة في البحرين تعي حقيقة هذه المطالب. هي تظنّ أن المطالب موجّهة ضدّ بقاء العائلة الحاكمة، وشعب البحرين يرى أنها تصبّ في مصلحة ومستقبل البلد. هناك خلل في الفهم بين الطرفيْن. هناك قلق من قبل الأُسرة الحاكمة من أنه في حال تحقّقت تلك المطالب سيضعف وجودها أو يتلاشى. الفكرة الأساسية في المطالب هي أن نكون شركاء في الوطن.

* المعارضة اليوم مُغيّبة تمامًا عن القرار السياسي والاقتصادي، هل وجودها ضروري على الأقلّ في السلطة التشريعية أم يجب أن تظلّ خارج هذه المنظومة؟

وجود المعارضة في السلطة التشريعة من دون أيّ مشروع سياسي أو أيّ حوار أو تسويات لا يخدم العملية السياسية، بل سيكون صوريًا أو بصّامًا كما حال البرلمان الحالي أو مجلس الشورى.


* العجز في ميزانية البحرين كبير وهناك حديث دائم عن ثروات منهوبة وإيرادات دولة غير مُقنعة، الى أيّ مدى يمكن القول إن النظام فاسد؟ وما مدى نسبة هذا الفساد؟

الدين العام يبلغ 15 مليار دينار (40 مليار دولار) وهذا رقم ضخم جدًا بالنسبة للواردات أو العائدات النفطية. بلد يعتمد بشكل أساسي على أكثر من 80% على النفط لا يستطيع أن يُحقّق تنمية مستدامة أو اقتصادا حرّا ونزاهة من دون وجود شفافية. السرقات مستمرّة أو مُغلّفة بشكل أو بآخر، تذهب لصالح المتنفّذين في الدولة. الأراضي المسروقة التي تحدّثت عنها المعارضة في برلمان 2006 لا تزال مُعلّقة ولم تعد الى أبنائها. كلّ أملاك الدولة التي جاء على ذكرها التقرير الشهير في البرلمان نفسه لم تُستردّ لصالح أبناء الوطن، بل إن هناك مزيدًا من الأراضي التي يتمّ الاستيلاء عليها من قبل المتنفّذين في السلطة وأخذ مقدّرات البلد وتدمير البيئة البحرينية أيضًا من دون وجود أيّ رادع لهذه الأفعال. وجود برلمان قويّ ومعارضة فاعلة على الأرض قد يفتح هكذا ملفّات لا يُراد لها ذلك.


* مقابل العجز، نسمع كثيرًا عن نسبٍ مئوية لعائدات غير نفطية، فعلى سبيل المثال بلغت نسبة نمو الاقتصاد غير النفطي 2.8%، هل هذه الأرقام فعلًا صحيحة؟

النمو غير النفطي لا يعتمد على الضرائب التي تفرضها الدولة على المواطن، لكن النظام البحريني يحتسب هذا النمو من العائدات الضريبية على المواطنين. لا توجد خطّة اقتصادية واضحة في البحرين تدفع عجلة التنمية الى الأمام وتزيد من معدّل النمو الذي لا يتحقّق إلّا باقتصاد نزيه وحرّ، بموازاة الشفافية والمُحاسبة والاستقرار السياسي وحقوق الإنسان، والقضايا الحرّة التي تجعل من هذا البلد ملاذًا للمستثمر. هذا ما يزيد من معدلات النمو الداخلي. لا يوجد أموال خارجية تُضّخ الآن في البلد. البحرين تعتمد على الأموال النفطية والمساعدات. لم نسمع بأيّ مستثمرين كبار جاؤوا بالمليارات الى البحرين لعدد من الأسباب، أهمّها عدم الاستقرار السياسي، وتعرّض البلاد للكثير من الهزّات. هناك مصالح للسلطة في عدم تحقّق ذلك لناحية الحصول على مساعدات خليجية دون أيّ عناء، مساعدات للتسلّح، وأخرى خاصة بالديوان الملكي، وكلّ شيء بحجة أننا مُعرّضون لأخطار من قبل دول الجوار.

* هل "الوفاق" تؤثّر بشكل ما على القرارات المتخذة من قبل السلطة؟

لا نشكّ في هذا الأمر. هناك تأثير واضح جدًا لـ"الوفاق". السلطة حتى إن غُيّبت الجمعية المسجّلة والمرخّصة من قبل وزارة العدل، إلّا أنها تعرف أن غالبية الشعب البحريني ممّن صوّت في انتخابات 2006 و2011، هو من "الوفاق".

حتى في المرحلة الراهنة، إن لم تكن "الوفاق" ممثّلة في البرلمان، فلديها شارع عريض له تأثير على الأرض، سواء كان رافضًا لسياسات الدولة الداخلية أو الخارجية.

* بعد كلام وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم على صعيد قضية الأمين العام لـ"الوفاق" الشيخ علي سلمان، هل لمستُم أيّة نيّة لتحريك هذا الملفّ ويخرج سماحته الى الحرية؟

نحن نسعى لأن يكون الشيخ علي خارج السجن. القضية كيدية وكلّ يوم يثبت ذلك عبر بروز أدلّة جديدة، آخرها تصريح وزير الخارجية القطري السابق، فهو أكد أن ما دار بينه وبين الأمين العام لـ"الوفاق" من حديث على الهاتف كان بوجود ملك البلاد، وهذه أهمّ نقطة استندت إليها السلطة للقول بأن الشيخ سلمان والنائبين الشيخ حسن سلطان وعلي الأسود كانوا يتآمرون ضدّ السلطة. التهمة سقطت، منذ البداية لم تكن حقيقة، فهي كانت فكرة ضمن مبادرة خليجية تمّ الإعلان عنها من قبل "الوفاق" وأطراف دولية وخليجية اهتمّوا بهذا الشأن بناء على طلب السعودية.

الجهد الدولي أو المحلي هو خيار مفتوح لدى "الوفاق"، وهي تعمل منذ إعلان المقابلة الأخيرة من أجل إيجاد طرق قانونية صحيحة وسياسية تساعد في الحلّ وإنهاء هذا الملفّ وإغلاقه.


* الخطوة الأخيرة المُعلنة من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن على صعيد طلبه من وزارة الخارجية تقريرًا حول المُعتقلين السياسيين في البحرين، هل لها تأثير جدّي برأيكم؟

التأثير الإعلامي أقوى ربما. هناك طلب من الإدارة الأمريكية. نحن نريد أفعالًا أكثر ممّا تقوله الإدارة الأمريكية التي تبيع الأسلحة في الوقت نفسه للبحرين. هي توقّفت عن مُعاقبة السلطات البحرينية جراء انتهاكاتها لحقوق الإنسان بالسماح بصفقة تسلّح مؤخرًا! البحرين ليست بحاجة لذلك. ربما تقوم السلطة بهذا الأمر كثمنٍ لشراء سكوت أمريكا عن الواقع السياسي والحقوقي المأزوم.

*هنا نسأل عن غاية التسلّح الدائم للمنامة، تارةً عبر منظومات عسكرية اسرائيلية وتارةً عبر راجمات أمريكية؟

لا توجد منافع عسكرية للبحرين. الولايات المتحدة تنظر الى دول الخليج على أنها سوق لبيع السلاح، وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في حديثه عن أموال البحرين الكثيرة.

* ماذا عن مواقف المرجع الوطني الكبير آية الله الشيخ عيسى قاسم الأخيرة وتشديده على أهمية وحدة المعارضة وصولًا الى رفض العقلية الاسلامية للتطبيع الجاري، بحسب تقديركم هل هناك خطة لخرق صفوف المعارضة؟

المعارضة بحاجة فعلياً الى تنظيم علاقاتها واعتقد انها قادرة على ذلك، والانقسام ليس في صالحها وهي الآن في وضع افضل بكثير من السابق . المطلب الذي تنادي به "الوفاق" و"وعد" هو مطلب الملكية الدستورية، فيما تُطالب التنظيمات السياسية غير المسجّلة بمطالب أخرى. هناك من يتحدّث عن إسقاط النظام وعن الجمهورية وخيارات أخرى أيضًا، البعض يرى أنها مطالب غير واقعية لا يمكن لها أن تنضج أو أن تكون صحيحة. من حقّ كلّ أبناء الشعب أن يفكروا في شكل النظام، لكن نحن نتحدّث عن أمور واقعية. البحرين كملكية دستورية من منظور "الوفاق" تصلح لأن تكون نموذجًا ناجحًا.

تطبيق الملكية الدستورية بالنسبة لنا أمرٌ ممكن، لكن بالنسبة للسلطة يأخذ من صلاحيّاتها. النماذج التي رُوّج لها بعد ميثاق العمل الوطني كانت أوروبية وبعيدة عن المنطق، وربما السلطة أرادت أن تقول لدينا ملكية دستورية لكن لدينا نظام سلطوي فوق الملكي وهذا الإشكال الذي اعترضنا عليه، ونادينا مرارًا وتكرًارًا بأن يكون هناك تعديلٌ يسمح لأبناء البحرين أن يُطبّقوا مواد الدستور الحقيقية، وبأن الشعب هو مصدر السلطات وهذا ما يتحدّث عنه آية الله الشيخ عيسى قاسم، أما فكرة شقّ الصفّ فمن دون شكّ أن السلطة تُحاول ذلك. أبناء البحرين الحقيقيون لديهم هاجس على مرّ التاريخ أن السلطة تشتري الوقت وتُضيّعه من دون أيّة نتائج، لهذا نجد سقوفًا مختلفة وعالية. وعليه، نقول إن الفرصة أمام السلطة اليوم أفضل من الغد لتحقيق مطلب الملكية الدستورية.

* آخر محاولة من قبل النظام، على الأقلّ في الإعلام، كان اللقاء الذي جمع سماحة السيد عبد الله الغريفي بالملك حمد بن عيسى، هل يمكن القول إن الحوار السياسي مُجمّد تمامًا؟

من دون شكّ أنه تمّ التطرق خلال هذا اللقاء لعدد من الملفات والقضايا المحلية. رغبة سماحة السيد عبد الله الغريفي بأن تُحلّ السلطة القضايا المحلية السياسة والانسانية كانت واضحة جدًا، لكننا لم نلمس أيّ تطوّر إيجابي بعد الاجتماع ولا أيّة مبادرات لحلّ الأزمة السياسية، ولا حتى الملفّ الحقوقي.

* هل ستكون الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة في تشرين الأول/أكتوبر صورية، أو من الممكن أن تدعم "الوفاق" مرّشحين بطريقة ما؟

الانتخابات في ظلّ وجود قانون العزل السياسي لا تعني شيئًا. القانون هذا يمنع الجمعيات التي حلّتها السلطة بعد الحراك في 2011 مثل "أمل" و"وعد" و"الوفاق"، من المشاركة. حينما لا تُمثَّل المعارضة في البرلمان، فسيكون الأخير شكليًا. البرلمان الحالي خالٍ من المعارضة، وهو بصّام بالكامل ويقرّ ما تقوم به السلطة، ولم يستطع أن يفتح ملفًا أساسيًا بعد أن قرّرت سلطات المنامة التطبيع مع الكيان الصهيوني. لم يُسمح للبرلمان البحريني أن يتحدّث كما تحدّث الكنيست الاسرائيلي. البحرين في الأصل لم تقرّ اتفاقية "أبراهام" التطبيعية عبر المجالس، بل أخذت السلطة القرار منفردة وحذّرت من سيتحدّث عن الأمر بإحالته للمساءلة وحصرت الأمر بأنه خاصّ بالدولة وسلطاتها العليا. حتى أن السلطة لم تسمح لأيّ عضو في البرلمان بارتداء أيّ شيء يرمز الى فلسطين أو يذكّر الناس بالقضية، بل بادرت قبل يوميْن بإدانة عملية "تل أبيب" البطولية، متجاهلةً حقّ الشعب الفلسطيني وكلّ الانتهاكات التي يتعرّض لها.

* كيف يؤثّر التطبيع على يوميات البحرينيين؟

التطبيع لم يدخل أيّ بيت بحريني. الشعب رافض تمامًا لفكرة التطبيع ووجود الاحتلال، ولا يُطيق الحديث عن "اسرائيل". يخرج في مسيرات ليلية ترفض مشاريع السلطة بشكل مستمرّ منذ مؤتمر المنامة الأول عام 2019، وهو كان تمهيدًا أوصل الى مشروع التطبيع. التطبيع واضح بين السلطة وأبواقها مع الاحتلال. البحرينيون سنة وشيعة لن يوافقوا على التطبيع، ولو أتيحت فرصة للتعبير عن رأيهم اليوم حتى، وإن كانت مظاهرات غير مرخّصة، فسيُعبّرون على نحو واسع. شعب البحرين دأب على إحياء يوم القدس العالمي كلّ سنة في الجُمعة الأخيرة من شهر رمضان وهو مُستمرّ في هذا الإحياء، وندعو لأن يخرج أبناء الوطن لإحياء هذه المناسبة العظيمة التي تُشرّف وتُشبه عقليّتهم الرافضة لهذا الاحتلال الصهيوني.

جمعية الوفاق البحرينيةالمعارضة البحرينية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة