خاص العهد
تقدير موقف لعمليات الجيش الروسي – اليوم 34
عمر معربوني | باحث في الشؤون العسكرية
مواضيع العرض: تقييم نتائج المفاوضات واثرها على استمرار العمليات العسكرية
عصر اليوم الثلاثاء في 29 آذار 2022 كشف فلاديمير ميدينسكي كبير المفاوضين الروس في المفاوضات مع أوكرانيا التي جرت في تركيا ، أن موسكو خطت خطوتين باتجاه التقارب مع أوكرانيا، مشيرا إلى أنهما تخصان الشقين السياسي والعسكري.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها ميدينسكي للصحفيين في ختام جولة اليوم من المفاوضات التي عقدت في اسطنبول.
فيما يتعلق بالشق السياسي أكد ميدينسكي إمكانية عقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين بكل تفاصيله، لكن بالتزامن مع توقيع وزيري خارجية البلدين عليه بالأحرف الأولى.
أما في الشق العسكري فتحدث عنه عضو الوفد الروسي، ألكسندر فومين نائب وزير الدفاع الروسي، الذي أعلن عن قرار وزارته خفض النشاط العسكري "بشكل جذري" على محوري كييف وتشيرنيغوف (شمال أوكرانيا) بهدف تعزيز الثقة المتبادلة وتهيئة الظروف المناسبة لمواصلة التفاوض والتوصل إلى الاتفاق المنشود.
وكشف ميدينسكي أيضا عن الحصول على حزمة من المقترحات الخطية من الوفد الأوكراني خلال المفاوضات تتضمن ما يلي:
1- إعلان أوكرانيا دولة حيادية وغير نووية وقائمة خارج أي تحالفات على أساس دائم بموجب الضمانات القانونية الدولية، وسيتم تقديم قائمة بالدول الضامنة
2- لا تنطبق الضمانات الأمنية على أراضي شبه جزيرة القرم ودونباس، أي أن أوكرانيا تتخلى عن محاولة استعادتها بالوسائل العسكرية.
وهنا أشار ميدينسكي إلى أن هذا الطرح يعكس موقف كييف ولا يتوافق مع موقف موسكو، علما بأنها لا تعتبر القرم ودونباس جزءا من الأراضي الأوكرانية أصلا.
3- أوكرانيا ترفض الانضمام إلى التحالفات العسكرية، ونشر قواعد ووحدات عسكرية أجنبية واستضافة تدريبات عسكرية دون موافقة الدول الضامنة، بما في ذلك روسيا.
4- ان لا تعارض روسيا انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
5- تطلب أوكرانيا صياغة القرار نهائيا في اجتماع بين رئيسي البلدين.
ووصف ميدينسكي مقترحات أوكرانيا بأنها "خطوة بناءة نحو حل وسط"، مضيفا أن روسيا ستدرسها.
اذن انها الخطوة المتقدمة الأولى التي يمكن الحديث عنها بأنها تقدم ملموس يُبنى عليه .
لكن هذا لا يعني ان المواجهة ستنتهي وان العملية العسكرية الروسية ستتوقف لا بل من المحتمل ان يزيد ضغط الجيش الروسي على الجبهات الشرقية والجنوبية على الرغم من اعلان نائب وزير الدفاع توقف العمليات بشكل جذري على محوري كييف وتشيرنيغوف .
وانطلاقاً من الورقة الخطية التي قدّمها الوفد الأوكراني يمكن القول حولها بحسب بنودها ما يلي :
- تضمن البند الأول طرحاً اوكرانياً واضحاً بإعلان أوكرانيا دولة محايدة وغير نووية وهو بند يمكن القول انه ستضمن انتصاراً روسياً يرتبط بمطلبين أساسيين لروسيا وقبول أوكرانيا بهذين المطلبين يعكسان الوضع السيء للجيش الأوكراني على المستوى العسكري ومحاولة القيادة السياسية الأوكرانية استباق المراحل للوصول الى اتفاقية تضمن عدم تحقق الهزيمة فيها ، علماً ان أوكرانيا تعهدت بتقديم لائحة بالدول الضامنة لضمانات أمنية تطلبها أوكرانيا بمواجهة روسيا وهو أمر يمكن ان يفجر المفاوضات .
- كما تطالب أوكرانيا بعدم شمول الضمانات الأمنية إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم وهذا يعني عدم نية أوكرانيا الإعتراف بهما وهو مطلب اشكالي ايضاً قاربه رئيس الوفد الروسي بالتأكيد ان الدونباس والقرم ليسا اصلاً ارضاً اوكرانية وهنا نكون امام البند الثاني الذي يمكن ان يفجر المفاوضات ويعيد الأمور الى نقطة الصفر .
- تأكيد أوكراني على عدم انضمام أوكرانيا لأي حلف عسكري وعدم إقامة أي تدريبات و استضافة قوات اجنبية دون موافقة الدول الضامنة وهو أمر جيد لكنه يصطدم بالبند الرابع الذي تقدمت به أوكرانيا حول عدم معارضة روسيا انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي في حين تطالب روسيا بحياد أوكرانيا على النوذج السويسري وهنا نحن امام امر اشكالي آخر .
انطلاقاً ممّا تقدّم لا يعتقد عاقل ومتمرس بقضايا الصراع انّ المواجهة ستتوقف على الرغم من اعلان نائب وزير الدفاع الروسي توقف العمليات على محوري كييف وتشيرنيغوف وهي تمثل مجرد اعلان نوايا لتشجيع القيادة الأوكرانية على التفكير بمقاربات تتناسب مع التحولات وليس الرغبات وهو منطق الحرب الذي لا يرحم .
ان اعلان نائب وزير الدفاع الروسي توقف العمليات على محوري كييف وتشيرنيغوف لا يعني وقفها على باقي الجبهات وعلى استمرار عمليات استهداف منشآت البنية التحتية العسكرية الأوكرانية وهو ما لم يتم لحظه في بيان وزارة الدفاع الروسية .
وانطلاقاً من قواعد المفاوضات الأساسية يمكن القول ان الجانب الروسي يحمل بيده عصا الضغط العسكري في الميدان ويتكلم مفاوضوه بلهجة هادئة في المفاوضات التي ستستمر بتقديري اكثر حماوة ممّا هو قائم لأن ما تقدم به الوفد الأوكراني احيل للدرس من الجانب الروسي الذي سيرفض بعض القضايا ويتحفظ على قضايا أخرى وهو ما لا يمكن توقعه بشكل دقيق بانتظار انتهاء روسيا من درس المقترحات الأوكرانية والدخول في جولات مفاوضات طويلة الا اذا حصلت معجزة ما وادّت الى متغيرات مفاجئة في الموقف الأوكراني .