معركة أولي البأس

خاص العهد

معركة الحقوق البحرينية تأبى الانكسار
15/02/2022

معركة الحقوق البحرينية تأبى الانكسار

لطيفة الحسيني

الثورة في البحرين لم تصل الى نهايتها بعد. النضال لم يستكن دقيقة، في كلّ لحظة قمعٍ وسجْنٍ وتعذيبٍ وإعدامٍ. الوتيرة ظلّت على حالها، لا بل زادت أكثر. الاضطهاد بلغ ذورته وكلّ تعرية للبغْي والضيْم توصل الى نتيجة بائنة: النظام لم يقرّر يومًا الاستماع الى مطالب شعبه. الانفصال بادٍ بلا جُهد. آل خليفة في وادٍ وشعب البحرين في وادٍ آخر تمامًا.

من يواكب الأزمة الحقوقية المستشرية في المملكة الخليجية الصغيرة، يُدرك أن ما يحصل هناك يعني ظلمًا واحدًا لا شريك له. كلّ "آخَر" لا يروق للسلطة مصيره اعتقال أو شهادة. مؤشر الديمقراطية الصادر عن صحيفة الـ"إيكونومست" البريطانية لعام 2021 أدرج البحرين ضمن قائمة دول الاستبداد، بناءً على دراسة العملية الانتخابية والتعددية الحزبية وطريقة عمل الحكومة والمشاركة السياسية والحريات المدنية.

الدخول الى عمق التعسّف، يُظهر أرقامًا مهولة تُشير الى النهج الإقصائي والإلغائي لدى آل خليفة. منذ ثورة 14شباط/فبراير، حلّت السلطة ما يفوق الـ30 جمعية سياسية ودينية وثقافية وتربوية بموازاة تقييد شامل للنشاط المدني. عدد الأطفال الشهداء تجاوز الـ49، بينهم 32 جنينًا، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال أكثر من 1700 معتقل، أمّا على صعيد التنكيل بالنساء، فقد أقدم النظام على قتل أكثر من 34 امرأة منذ عام 2011، واعتقال أكثر من 345، واستدعاء أكثر من 1600. الإعدامات حاضرة في السلوك البحريني الرسمي. منذ الثورة، أُعدم علي السنكيس وسامي مشيمع والشهيد عباس السميع وأحمد الملالي وعلي العرب، فيما ينتظر 12 محكومًا الإعدام الوشيك.

لم تتوقّف الأمور عند هذا الحدّ، فالسلطة أسقطت أيضًا جنسية 815 مواطنًا أصيلًا لأسباب سياسية وكيدية، على رأسهم المرجع الكبير آية الله الشيخ عيسى قاسم. حتى أنها هدمت 38 مسجدًا، ولا يزال 11 منها مهدومًا حتى اللحظة ولم يُعَد بناؤه.

المعتقلة السابقة ورئيسة قسم الرصد والتوثيق في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان ابتسام الصائغ توجز في حديث لموقع "العهد الإخباري" كيف استفحلت الأزمة الانسانية في البحرين.

تقول الصائغ، الناشطة الحقوقية التي لا تهدأ، بعد كلّ هذه السنوات القمع غدا الثابت المستمرّ، في ظلّ تكرار وتزايد الانتهاكات والاعتقالات التعسفية، أمّا المتغيّر على خطّ المِحنة فهو دخول وسائل التضليل التي تستخدمها السلطة لحرف الحراك السلمي وتمزيقه وتشويهه.

أية حقوق استطاع الشعب الحصول عليها في ظل الحجم الضخم لقمع السلطة؟ تُجيب الصائغ "لم تتوفّر الحقوق التي يسعى إليها الشعب، وهي بعيدة كل البُعد على الرغم من استمرارية الحراك وحجم التضحيات التي بُذلت حتى صار في كلّ بيتٍ وعائلة على الأقلّ ضحية".

التنكيل الذي لم يتوقّف لا يُحبط العزائم، حتى وإن كان المشهد مأساويًا. هنا تلفت الصائغ عبر "العهد" الى أن "الحراك الحقوقي ما زال مستمرًا في الرصد ومتابعة شؤون الضحايا وتوثيق الانتهاكات ومساعدة المظلومين في سبيل تحقيق العدالة لهم وإنصافهم"، وتشير الى أن "هناك تواصلًا دائمًا عبر القنوات الحقوقية من خلال الاتصال بالمقرّرين الخاصّين في الأمم المتحدة للتسجيل والرصد، ثمّ حثّ حكومة المنامة على إحداث تغيير وإيقاف الانتهاكات والالتزام بالمواثيق الدولية والسماح للمقرّرين الخاصّين دخول البلاد لتقصّي الواقع الحقوقي ميدانيًا".

 

معركة الحقوق البحرينية تأبى الانكسار

 

السلطة البحرينية، وفق الصائغ، استخدمت القمع عن طريق إسقاط الجنسية وحوّلت المواطنين الأصليين إلى عديمي الجنسية، ومن الضحايا ما يقرب الـ 900 مواطن سُحبت جنسيّاتهم وإن تراجعت بعد ذلك بإعادة الجنسية إلى 551 منهم بعد انتقادات واسعة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان الدولية والاتحاد الأوروبي.

هذا السلاح الذي طال أيضًا آية الله عيسى قاسم لا يُلغي مكانته عند عموم الشعب، فهو بحسب المتحدّثة رمزه وقائد حراكه السلمي، وما زال في الخارج يقوم بهذا الدور رغم الانتهاكات ومحاولات النيل منه وتخوينه.

تجزم الصائغ بأن النظام البحريني لم يُقدم على خطوة إصلاحية واحدة على مرّ كلّ هذه السنوات، بل كان يتشفّى من الشعب بزيادة الانتهاكات والعقوبات مع وجود تمنيات من لجنة تقصّي الحقائق ونداءات دولية بتطبيق توصيات الأمم المتحدة في التقرير الدوري الشامل لمجلس حقوق الانسان.

وعليه، تصف المحاولات المُعلنة من جانب السلطة بـ"غير الجادّة التي لا توصل إلى حلّ سياسي يُنهي الأزمات".

برأي الصائغ، لا تتحقّق العدالة في ظلّ وجود انتهاكات وسريان سياسة الإفلات من العقاب، لهذا يجب أن تكون أولى خطوات الإصلاح تبييض السجون، لكن هذا لا يعني عدم محاسبة الجُناة، إذ إن الحكومة ما زالت تتعامل مع حالات التعذيب على أنها تصرّفات فردية وليست مُمارسات مُمنهجة ممّا يجعلها لا تُعالج بل تؤزّم وتفسح المجال لزيادة الانتهاكات لغياب القصاص.

لا تعوّل الصائغ على إطلاق السلطة ما يُسمّى نظام العقوبات البديلة، فهي تؤكد بناء على معطياتها أن لا جدية في التعاطي مع مطالب الشعب، والعقوبات البديلة على الرغم من أنها تبدو في الظاهر خطوة إيجابية، إلّا أنها ومع دخولها حيّز التنفيذ، حادت عن المسار الصحيح وتحوّلت إلى قيد جديد ونوع من العزل السياسي، إذ إن المستفيد لا يستطيع الانخراط في المجتمع بصورة سلِسة ولا يملك حقوقه وحرية الرأي والتعبير والتمتع بحياة المواطن الطبيعي.

تصف الصائغ السجون في البحرين بأنها أضحت مزارًا لأغلب الأعمار وفئات المعتقلين، وتُبيّن أن سجن جو يحوي أكثر من 3000 سجين أعمارهم فوق 21 عامًا، فيما يوجد في سجن الحوض الجاف بين التوقيف وقسم صغار السجناء والعزل الصحي مئات المعتقلين، بينهم 80 سجينًا في قسم المحكومين الصغار، خرج بعضهم ضمن قانون العدالة الإصلاحية الذي أصدره الملك بداية العام الماضي، ثمّ اعتُقل بعضهم مجدّدًا بعد إتمامه الـ18 عامًا وزُجّ بهم في قضايا أكبر.

على صعيد المعتقلين الصغار، توضح الصائغ أن نحو 500 سجين دون سنّ الـ18 عامًا، انتقل بعضهم لمرحلة الرشد وهم يقبعون إمّا في سجن الأحداث وإمّا في سجن صغار المحكومين أو أصبحوا في سجن الكبار يُنفّذون أحكامًا قاسية.

الثورة البحرينيةالمعارضة البحرينيةمنظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسانابتسام الصائغ

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة