خاص العهد
رفع أسعار الاتصالات والإنترنت: إنقاذ القطاع من جيب المواطن!
يمنى المقداد
لم تقف ارتدادات الانهيار في لبنان عند حدود جنون أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية والكهرباء والمحروقات والمياه وسواها، بل امتدت لتطال قطاع الاتصالات والإنترنت المهدد إمّا بالتوقف أو برفع تعرفة خدماته ليستطيع الصمود.
اللبناني لا يزال يدفع فاتورة الاتصالات وفق سعر صرف 1500 ليرة، لكن الاستمرار على هذا المنوال بحسب التصريحات الإعلامية لوزارة الاتصالات وهيئة "أوجيرو" يؤدي لإفلاس القطاع وعزل لبنان عن خدمة الاتصالات.
في تصريح إعلامي سابق، اعتبر مدير عام هيئة "أوجيرو"، عماد كريدية، أنّ الاستمرار في تحصيل فواتير الهيئة على سعر صرف 1507 ليرات، في وقت يتم فيه شراء المحروقات وقطع الغيار واستجرار الإنترنت، وفق سعر الصرف اليومي الذي تخطى (حينها) الـ30 ألفاً، لم يعد مقبولا، وبات لزاما برأيه زيادة التعرفة لضمان استمرارية القطاع.
على خط مواز، حمل وزير الاتصالات جوني القرم هذا المطلب إلى جلسات الموازنة العامة، عبر دراستين حول رفع سعر التعرفة في القطاع الخلوي، ملخصهما رفع الفاتورة الحالية 5 أضعاف وفق سعر صرف 1500 ليرة، أو خفضها بنحو 70% على أساس دولار "صيرفة".
لم نصل للجيل الخامس بعد!
المتخصص في مجال الإلكتروميكانيك ودراسة المشاريع الخلوية المهندس كمال الخطيب أشار لموقع " العهد" إلى أنّ سبب مشكلة الاتصالات في لبنان هو قلة عدد الأبراج الموجودة وبالتالي ضعف التغطية، حيث يبلغ عدد أبراج الاتصالات لشركتي الخلوي ALFA و MTC، نحو 3700 برج وفق أرقام وزارة الاتصالات لعام 2019.
أكثر منذ ذلك، وفق الخطيب، يفترض أن تكون الاتصالات في لبنان قد وصلت للجيل الخامس، إلا أنّنا لا نزال في الجيل الرابع، فمشكلة أبراج الاتصالات أنّها قديمة منذ العام 1994، وظروفها التشغيلية تمنعها من مواكبة الأجيال الجديدة في عالم الاتصالات، لافتا إلى أنّ تشييد أي برج جديد للاتصالات لا بدّ أن يعرض على طاولة مجلس الوزراء، لكن المشكلة أنّه "يؤخذ بالسياسة" وتنتفي المنافسة والشفافية، ويتم التعطيل نتيجة الخلافات.
يشار إلى أنّه رغم الخدمة السيئة في هذا القطاع، فقد حل لبنان في المرتبة السادسة ضمن لائحة أغلى دقيقة خليوية في العالم (0,29) بحسب دراسة صدرت حديثا لموقع Numbeo، فيما بلغت مرتبة خدمة انترنت الخليوي 31.
أرباح الدولة من القطاع
الخطيب يشير إلى أنّ قطاع الاتصالات مدّ الدولة بأرباح كبيرة، فلبنان تقريبا الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض على المواطن "تشريج" خطّه شهريا بتكلفة 23 دولارا (على سعر صرف 1500 ليرة) لافتا الى أنّه رقم كبير جدا، في وقت لا تتجاوز فيه كلفة 3 أشهر في أي دولة 3 أو 4 دولارات.
وبعملية حسابية بسيطة وفق الخطيب فإنّه لو دفع كل مشترك دولارا واحدا في اليوم، فإنّ الدولة ستجني يوميا 4 ملايين ونصف مليون دولار، إن احتسبنا أنّ عدد سكان لبنان 4 ملايين ونصف مليون نسمة، ولكن كلّ هذه الأموال للأسف تبخّرت وقسّمت على جيوب السياسيين ومشاريعهم الفاسدة.
اقتراح الوزير اعتباطي
اليوم من الضروري انقاذ القطاع كما يقول خبراء، فهل يتحقّق ذلك من خلال زيادة التعرفة؟
اقتراح وزير الاتصالات اعتباطي وسرقة واضحة، بحسب الخطيب، متسائلا إن كان قد قدّمه من خلال مشروع مدروس وأنّه سيعتمد الجيل الخامس! ومستغربا كيف سيؤمن المواطن مبلغ 500 أو 600 ألف ليرة للاتصالات شهريا، وهل ستقطع عنه إن لم يستطع الدفع؟ مضيفا أنّ الشبكة موجودة تلقائيا، وأنّ ارتفاع سعر المازوت مشكلة وزارة الطاقة لأنها لا تؤمن الكهرباء لمواقع الاتصالات، وليست مشكلة المواطن .
الدولة تدير القطاع منذ العام 2001
منذ العام 2001، عادت شركتا الخلوي لإدارة الدولة بعدما كانتا بإدارة شركتي «سيليس» و«ليبانسيل»، وتمّ حينها إنشاء هيئة ناظمة للاتصالات.
لكن رغم استردادها لإدارة القطاع، لم تستطع الدولة تشغيله، على ما يقول الخطيب، فاستقدموا شركتي ALFA و MTC، بنسبة تشغيلية معينة، فيما تورّد بقية الأرباح إلى خزينة وزارة الاتصالات، ورغم ذلك لا تزال الاتصالات"تعيسة"، ولن تتطور اذا استمرت إدارة القطاع بهذه الطريقة وفقط بقرار زيادة التعرفة من دون أيّ خطة.
تحديد التعرفة وفق دخل المواطن
الوزير لديه الحل من خلال الخصخصة، برأي الخطيب فلبنان لن يصلح في أيّ من قطاعاته الا بالخصخصة ومنها الاتصالات، وفق شروط تفرضها الدولة التي ستجني أموالا من ذلك، على مدة زمنية معينة تحدد من 5 الى 10 سنوات، كما أنّ الشركات التي ستدخل المناقصات ستقدّم مشاريع وتدفع وستجبي من الناس، فيما الدولة هي من يحدد سعر التعرفة والإنترنت وفق الدخل الفردي للمواطن .
وذكر مثالا حول شبكة الاتصالات المتطورة في مصر، بحيث يمكن للمشترك الحصول على خدمة 5 جيغا إنترنت بـ 4 دولارات فقط، فيما تبلغ نحو 40 دولارا في لبنان، مستغربا الحديث عن رفع التعرفة، فيما لا يزال الدخل الفردي للمواطن اللبناني غير محدد.
ورأى في المقابل أنه على الدولة والوزارات أن تضع خططا طويلة الأمد، إن أردنا تطوير الشبكة، ورأى في الاعتراض على الخصخصة رغبة بالسرقة، مشددا على ضرورة محاسبة من سرق، وليس إضافة أعباء على المواطن كلما حصلت هزّة في البلد، فالدولة يجب أن تقف عند مسؤولياتها.
صحيح أنّه لم تقرّ رسميا زيادة تعرفة الاتصالات، إلّا أنّ رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أشار إلى أنّه "بعد إقرار الموازنة في مجلس الوزراء سيصار إلى عقد جلسات متخصصة لدرس قطاعات محددة أهمها الكهرباء والاتصالات والنفايات"، ما يوحي بإمكانية إقرار رفع التعرفة.
فيما يتعلّق بأوجيرو ووفق المحلّلين، تباع دقائق التخابر وخدمات الإنترنت بالليرة اللبنانية وبأسعار متدنية لا تغطّي نفقات الهيئة، وبالنسبة لشركتي الخلوي الأمر سيّان، وطبعا لا يستطيع أحد إنكار وجود مشكلة كبرى في القطاع عامة وفي الانترنت خاصة، على أنّ خسائره ـ على ذمّة الوزارة ـ تُقدّر حتّى الآن بحوالي 350 مليار ليرة لبنانية.
ولكن في المقابل أسئلة تطرح: هل تم تصحيح الحد الأدنى للأجور ولو مؤقتا ليستطيع المواطن أن يدفع هذه الزيادات المنتظرة؟ وهل تمّ الأخذ بعين الاعتبار أنّ معظم أعمال اللبنانيين اليوم عصبها الإنترنت؟ فهل يريدون إبادة المواطن بالكامل؟
ولمَ لا يكون الحل بخطة إصلاحية شاملة للقطاع بدل الهروب من المسؤولية وتحميلها للمواطن؟
بين رفع الحد الأدنى للاجور وبين رفع تعرفة الاتصالات: حتما الغلبة للثاني فالاول إصلاح والثاني سرقة للمواطن أكثر فأكثر، وهذا هو لبنان!
وزارة الاتصالات اللبنانيةmtcalfaأبراج الاتصالات