خاص العهد
عدد السجناء الأحداث الى ارتفاع.. لماذا؟
حسن شريم
هم أمل الغد وجيل المستقبل الذي من المفترض أن يكون من أولويات الدولة وعلى رأس اهتماماتها. العديد منهم اليوم تائهون في دوّامة من الضياع، حيث لا مستقبل واضح ولا حضن وطن يرتمون فيه ولا كتف يستندون إليها فتغنيهم. حقوقٌ مهدورة وآمالٌ واهمة. إنهم الأحداث.
ما هو واقع الأحداث في ظل الوضع الراهن؟ وكيف انعكس ذلك على سلوكيّاتهم؟ ما هي نسب الموقوفين منهم؟ وكيف يكون الحلّ؟
قريبًا فصل السجناء الصغار عن الكبار
مسؤول جمعية عدل ورحمة الأب نجيب بعقليني يرى أن "تردي الأوضاع في البلاد انعكس بتداعياته السلبية على الجوانب الاقتصادية والنفسية والاخلاقية للمواطنين اللبنانيين، إضافة إلى جائحة "كورونا"، ما جعل الأمور أكثر سوءًا ودفع ببعض الأشخاص لا سيما الأحداث والمراهقين لأن يصبحوا رهينة الضياع والانحراف عبر الهروب واللجوء إلى تعاطي المخدرات والترويج والاحتيال والسرقة، وربّما القتل غير المقصود بهدف الحصول على المال والتمكّن من العيش".
وفي حديث لموقعنا، اعتبر الأب بعقليني أن الجو العام الذي مرّت به البلاد وما زالت خاصة مع غياب دور الدولة التي تتقاذف المسؤوليات فيما بينها، وفي ظل زمن الـ"سوشيل ميديا" والفراغ القاتل والتسرّب المدرسي الذي خلّفته الأحداث، إضافة إلى عدم وجود فرص عمل وعدم قدرة البعض على متابعة تحصيله العلمي، كلها عوامل أدّت إلى الانحلال الأخلاقي لدى الكثيرين والتخلي عن المبادئ والقيم، بحيث أصبح البعض يعتبر أن "القويّ" هو الأشطر ويبرّر له تصرفاته اللاأخلاقية واللاقانونية".
وأشار إلى أن ما يزيد الوضع سوءًا هو واقع السجون المتردي واكتظاظها، فمقابل تسريع المحاكمات في الآونة الأخيرة، يُفرج عن عدد معيّن من المساجين ليدخل الأضعاف نتيجة تدهور الأوضاع وانحراف الأحداث والكبار.
ولفت الأب بعقليني إلى أن الخبر الجيّد أنه سيتم قريبًا فصل الأحداث والمراهقين عن الراشدين في مبنى منفصل في الوروار تمّ تأهيله وتجهيزه عبر هبة من الحكومة الإيطالية، وقد خُصّصت مراكز تأهيلية فيه لمتابعة الأحداث وتأهيلهم على الصعيد النفسي والثقافي والاجتماعي والعملي، لإعادة دمجهم في المجتمع.
مسؤول جمعية عدل ورحمة أسف لغياب التكافل الاجتماعي -كما يجب- والذي من شأنه أن يساهم في مساعدة العائلات والتقليل من نسبة الانحراف التي تزداد اليوم، إلا أنه كما يقال "العين بصيرة واليد قصيرة"، وأضاف أن الجمعية في مركزها في الرابية -ورغم الإمكانات المحدودة والمتواضعة- تقوم بما أمكنها من تقديم للخدمات عبر احتواء المساجين وحتى المدنيين بالرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية اللازمة لهم، واعتبر أن كل الجمعيات التي تقوم بالمساعدة لا يمكنها أن تملأ غياب الدولة وتقصيرها، فحتى قبل الأزمة التي شهدتها البلاد كانت الدولة لا تولي المساجين والنزلاء في الزنازين العناية والرعاية والاهتمام اللازم.
وختم الأب بعقليني بتوجيه رسالة للدولة اللبنانية قائلًا: "أنقذوا شعب لبنان".
ارتفاع أعداد الموقوفين القاصرين
التواصل مع حماية الأحداث لم يؤدِ الى الحصول على نسب السجناء الصغار خاصة في السنتين الماضيتن، فكلّ ما أُفدنا به من رئيسة اتحاد حماية الأحداث في لبنان أميرة سكر أن "عدد الموقوفين القاصرين يرتفع داخل النظارات ومراكز التوقيف، أما داخل سجن روميه فالعدد يتراجع قياسًا الى العام الماضي".
وبحسب سكّر، العقوبات التي تفرض على الحدث داخل السجن بمجملها إصلاحية وهي على نوعيْن:
1- عقوبات غير مانعة للحرية: اللوم - قيد الاختبار - الحماية - حرية المراقبة - المنفعة العامة
2- عقوبات مانعة للحرية: معهد إصلاح - معهد تأديب - عقوبات مخفّضة (سجن)
سكّر رأت أن "سجن القاصرين داخل سجن للراشدين بحد ذاته أمر سيّئ نتيجة لاختلاطهم بهم، وهو ما له انعكاساته السلبية، كما يشكل عائقًا لمتابعته ولزيارات الأهل ممّا يؤثر على سلوكيات القاصر النفسية".
انحراف الأحداث ناتج عن الصدمة النفسيّة في المجتمع
لعلم النفس العيادي رأيه في الموضوع. الاختصاصية في علم النفس العيادي الأستاذة الجامعية تغريد حيدر ذكرت العوامل التي تؤدي إلى انحراف الحدث، وهي:
- غياب الأسرة التي يجب أن تكون نموذجًا لأبنائها وأن تراعي في تربيتها المفاهيم التربوية الصحيحة والقيم الواضحة.
- البيئة المحيطة ورفاق السوء ومفهوم "العُصبة" التي تُجبر الناشئ على ارتكاب الاعمال المنافية للقيم والأعراف والتقاليد.
- الأنماط الشخصية التي تختلف بين ناشئ وآخر، فالبعض ونتيجة الضغط النفسي والعوامل السلبية المحيطة يلجأ إلى تفجير ذلك في سلوكيات خاطئة واضطرابات معينة.
-انعدام الوازع الديني والأخلاقي.
حيدر شدّدت على أنَّه من أهمّ العوامل التي فاقمت من ظواهر الانحرافات لدى الأحداث هو الوضع الاقتصادي المتردّي والصدمة النفسية الجماعية التي يعيشها المجتمع اللبناني، والذي انعكس سلبًا على سلوكيات وتصرفات الأحداث، ما تسبّب بوجود حالات اكتئاب حادّة، واضطرابات نفسية وخلق نوعًا من التمرّد على القيود والتقاليد، وبالتالي ينحرف الحدث إمّا إلى تعاطي المخدّرات أو غيرها من الظواهر كالسرقة لحاجات معيشية على قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة".
ووفق الاختصاصية في علم النفس العيادي، ساهم الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في إيجاد جوّ من التوتر خاصة فيما يتعلق بالجو العام والفساد المستشري ممّن ينبغي أن يكونوا القدوة في المجتمع ما خلق ردّة فعل عكسية لدى المراهقين والأحداث ودفع بهم إلى ارتكاب بعض الأفعال الشّاذة والممارسات الجرمية.
ولفتت حيدر إلى أهمية وضع الأحداث داخل السجون وإلى ضرورة فصلهم عن الفئات الراشدة، متحدّثة عن ضرورة وضع البرامج التعليمية والتأهيلية النفسيّة والأكاديمية للأحداث من أجل تصحيح مفاهيمهم الفكرية وإعادة دمجهم في المجتمع.
وردًا على سؤال عن العلاج المناسب، رأت حيدر أنه يكمن في وضع برامج تأهيلية وإصلاحية من قِبل الدولة عبر تأمين أدنى الحقوق للمواطنين، إضافة إلى دور الجمعيات المدنية والخاصة في دعم الأحداث وإقامة ورش عمل متكاملة تهدف إلى توعية الأهل والمراهقين.
الفراغ مفسدة
أما وجهة علم الاجتماع فلا تختلف كثيرًا عمّا سلف. الاختصاصيّة في الإرشاد الاجتماعي الدكتورة بتول نور الدين ترجع الأسباب التي تساهم في انحراف الشباب إلى عوامل عدّة أهمّها البيئة المؤاتية والمحيطة بـ "الحدث".
وهنا لفتت الى أن على المجتمع أن يؤمّن لأفراده فرص التّعلم والتطور والعمل، ويساهم بتعزيز المواطنية بتأهيلهم اجتماعيًا لاندماجهم في مختلف المجالات، لذلك لا بد من توفّر المعايير والنظم الاجتماعية الحاكمة التي تنتظم القواعد بوجودها، وهذا ما عبّر عنه "دوركهايم" (أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث) حين قال: "عندما تسود اللامعيارية تزيد نسبة الانحراف الاجتماعي".
وأضافت نور الدين أن غياب الدولة وعدم تطبيق الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء من شأنه أن يؤثر سلبًا على شعور الأحداث والشباب بعدم الرضا والتمرد الاجتماعي وبالتالي اللجوء إلى عمليات الانحراف الاجتماعي، فضلًا عن ذلك تلعب المدرسة دورًا هامًا بإعداد الأفراد وتأهيلهم وبناء شخصيتهم الاجتماعية ليكونوا فاعلين ومتوازنين في المجتمع، خاصة في ظلّ معاناة القطاع التربوي من فقدان الموازنات التي تعجز عن تغطية المصاريف اليومية، إضافة الى سدّ الحاجات الأساسية للعملية التعليمية، والاكتظاظ في المدارس الرسمية وعدم القدرة على الاستيعاب من الطبقتين المتوسطة والفقيرة.
برأي نور الدين، المستوى العائلي والأسري ووجود أيّ خلل في العلاقة بين الزوجين واللين في التربية واللامبالاة أو التربية القاسية تنعكس تفلّتًا في السلوك الفردي، فالأهل هم الضابطة الأولى في تربية الفرد وصقل شخصيته بالقيم والمبادئ الأخلاقية الأساسية، ولا بدّ من تقوية شخصية الفرد وتعزيز ثقته بنفسه ما يجعله بمنأى عن الانجرار إلى رفاق السوء أو إلى الآفات والمشكلات الاجتماعية.
وشدّدت نور الدين على أنَّ الفراغ وعدم استثماره بشيء مفيد يقود إلى المفاسد، مستشهدة بمقولة للإمام علي "ع": "إنما الفراغ مفسدة".