خاص العهد
الصين وإيران تُهشّمان الاستكبار الأمريكي
مصطفى عواضة
تسعى الجمهورية الإسلامية في إيران إلى التوجه شرقًا وتوطيد علاقاتها وتعميقها في سياق تعاون شامل مرتقب مع كل من روسيا والصين والهند وغيرها من البلدان الشرقية.
أسبوع حافل بالزيارات الإيرانية واللقاءات الهادفة أتت على وقع مفاوضات فيينا، فبعد التلكؤ الأميركي ومراوغته، زار رئيس الجمهورية الإسلامية السيد ابراهيم رئيسي روسيا، للبحث في العديد من المجالات، أبرزها تجديد الاتفاقية لمدة 20 سنة.
في المقابل، بدأت مناورات الحزام الأمني 2022 المشتركة والتي تقام على مساحة 17 ألف كيلومتر مربع في شمال المحيط الهندي، بمشاركة وحدات من القوة البحرية للجيش الإيراني وحرس الثورة الاسلامية، إضافة إلى وحدات القوتين البحريتين لروسيا والصين.
كسر الحصار الأميركي
وحول هذا الحراك البارز في المنطقة، تحدّث الباحث السياسي الدكتور حسن حمادة لموقع "العهد الإخباري" فرأى أنَّ أهمية إتفاقيّة "إطار" الإيرانيّة ـ الصينيّة تكمن في الموقع الجغرافي لكلّ من البلديْن ووجودهما في قلب العالم، وبالتالي فإن أيّ تقارب بين هذه الدول بالإضافة إلى روسيا يُعتبر محاولة للسيطرة على القارتيْن الآسيوية والأوروبية أكبر القارات التجارية في العالم، ممّا يُشكّل قلقًا للولايات المتحدة الأميركية، فتقارب هذه الدول الثلاث مع الشرق الأوسط يؤدي إلى عزل أميركا، لذا فإن الأخيرة تعمل على استعداء هذه الدول لجيرانها الإقليميين على قاعدة "فرّق تسدّ" منعًا لأيّ تقارب بين هذه الدول والشرق الأوسط.
وأضاف حمادة "عمليًا يمكن اعتبار التقارب الإيراني الصيني كسرًا للحصار الأميركي المفروض على إيران وتعزيز موقعيّتها في المنطقة، وعليه يمكن للصين أن تستفيد من مقدّرات النفط الإيرانية مقابل كسر هذا الحصار".
على الصعيد الصناعي، شدّد حمادة على أن "الصين أصبحت تُعدّ الدولة الصناعية الثانية عالميًا تشكل خطرًا على الولايات المتحدة الأميركية بعد امتلاكها التكنولوجيا و تقنية الـ5G بالإضافة إلى التقدم الصناعي الإيراني ودورها الإقليمي المهم، ما يعني أن التقارب بينهما يشكل خطرًا على الدور الأميركي في المنطقة.
حمادة لفت إلى أنَّ أهمية إتفاق "الإطار" تكمن بأن الصين بحاجة لهذا النوع من الإتفاقيات من أجل تأمين الطاقة النفطية التي كانت أحد أهمّ عوامل سقوط الإتحاد السوفياتي إثر فقدانه لموارد هذه الطاقة والتلاعب بأسعارها، لذلك يمكنها من الدخول إلى الشرق الأوسط من خلال دور إيران في المنطقة.
وبحسب حمادة، الجمهورية الإسلامية تحتاج إلى التطوّر التكنولوجي الذي تمتلكه الصين وفتح سوق تجارية، الأمر الذي يشكّل ولو نسبيًا نوعًا من أنواع كسر الحصار الأميركي المفروض أكبر ممّا يُعدّ تكاملًا إقتصاديًا جزئيًا بين الجانبيْن.
أميركا عاجزة عسكريًا
بدوره، الباحث في الشؤون الصينيّة الاستاذ محمود ريّا، وفي حديث لـ"العهد" رأى أنّه من أهم الأبعاد الاستراتجية للإتفاق الصيني ـ الإيراني هو تعزيز روابط العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتجية بين البلدين، وجعلها أكثر عمقًا وتأثيرًا على الوضع بالمنطقة، وهذا الأمر له تبعات إذا أنه يُسهم في رسم صورة جديدة للعالم بعيدًا عن الهيمنة الأميركية الدامية المسيطرة في المنطقة ويبدأ بوضع أساسيات لبناء عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي سيؤثّر على دول إقليمية عدّة خاصة أن إيران ليست حليفة مع الصين، بل هي جزء من التعاون الشامل الذي تقوم به الأخيرة مع دول العالم، هي لا تتّبع سياسة الأحلاف، إنما تحاول أن تكون على علاقة مُفيدة ومُثمرة مع كل دول العالم، وهذا ما نراه من خلال توقيع إتفاقية الشراكة الشاملة التي وقعتها معَ إيران وتركيا ومصر وغيرها من دول المنطقة.
ريّا لفت الى أنَّ الاتفاق ما زال في مسار رسم الخطوات العملية، فهو انتقل بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى الصين من مرحلة التوقيع إلى مرحلة بدء التنفيذ، ما يدلّ على جديّة كبيرة في تطبيق البنود المتفق عليها الاتفاقيات التفصيلية للمواضيع على المستوييْن السياسي والاقتصادي، كما نصّت المعاهدة المبرمة التي تهدف إلى تأسيس علاقة طويلة الأمد بين الإقتصاد الصيني الذي يعد الثاني في العالم والإقتصاد الإيراني المركزي في منطقة غرب آسيا، والذي يُتوقع له نهوض كبير في حال تمكّن من الخروج من دائرة العقوبات الأميركية المفروضة وبعض شركائها الأوروبيين.
أما على المستوى الثقافي، فبيّن ريَّا أن العلاقات الإيرانية الصينية موجودة أصلًا عبر الأجيال منذ أمد بعيد، لكنها بدأت تتطور في الفترة الأخيرة من خلال اللقاءات والمهرجانات، والآن يعمل الطرفان على تعزيزها بشكل أكبر وخصوصًا على صعيد تعليم اللغات المتبادل بين البلدين. ولا يختلف الأمر على المستوى العسكري فهناك بنود في الاتفاق سيؤدي تحقيقها إلى تكثيف التعاون بين الدولتين.
وحول المواجهة الأميركية للإتفاقية المذكورة، أوضح ريا أن "الولايات المتحدة ضدّ أيّ اتفاق بين دولتين مستقلتين بعيدتين عن إرادتها وضد أي اتفاقية تؤمّن للصين إستقلاليتها الكاملة في الحصول على النفط ومواد الخام والدخول إلى أسواق كبرى متل السوق الإيرانية، كذلك فإن الولايات المتحدة ضد الاتفاق مع إيران كونها دولة موضوعة تحت العقوبات الأميركية وهذا النوع من الإتفاقيات قد يخرج إيران من دائرة العقوبات أو تخفيفها بالحد الأدنى وإفشالها".
كذلك اعتبر ريّا أن "الولايات المتحدة أمام معضلة كبيرة في التعامل مع هذه الإتفاقية"، وأردف علينا أن ننتظر هل سترتكب واشنطن المزيد من الأخطاء في العلاقات مع الصين وإيران؟ أم أنها سترضخ للتغيير العالمي الحاصل وبالتالي تمرّر هذه الإتفاقية؟ أم أنَّها ستوجد بعض العقبات كأن تفتح السوق الإيرانية أمام الشركات الأميركية للتنافس مع السوق الصينية، فهذه هي الطريقة السياسية والاقتصادية الوحيدة لوقف تنفيذ الإتفاقية خاصة أنَّ أميركا عاجزة عن القيام بأي خطوة عسكرية لعرقلتها بعد أن سلكت طريقها إلى التنفيذ".