خاص العهد
بين السياسة والاقتصاد: كهرباء لبنان تحتضر
يمنى المقداد
بعد النكبة التشرينية، انهارت قطاعات لبنان المتهالكة الواحد تلو الأخرى، وجاء رفع الدعم عن المحروقات ليحيل بعض القطاعات دمارًا، وكهرباء لبنان أحد أبرز القطاعات المتأثرة والمؤثرة في الوقت عينه.
لطالما عانى لبنان من أزمة كهرباء مزمنة.، ذلك القطاع شكل أحد مزاريب الهدر والفساد الكبرى، وأنهك موازنات الدولة بمليارات الدولارات من الدعم، عدا عن الديون المتوجبة على مؤسسة كهرباء لبنان حتى اليوم.
* الكهرباء: أزمة مزمنة
وعلى مرّ الحكومات المتعاقبة تراكمت الوعود الرنّانة على مسامع اللبنانيين بتحسين التغذية الكهربائية، ولعل الوعد المعجزة كان تأمين كهرباء ٢٤ / ٢٤، والنتيجة حاليًا ساعة أو ساعتين يوميًا من الكهرباء والمزيد من التقنين.
وفي ظل الإهمال السياسي، وشح الكهرباء التاريخي، نشأت المولدات الخاصة كبديل عن الدولة، إلا أنّها زادت من المعاناة الماديّة للبنانيين. وكان ملف الكهرباء الذي يحتضر منذ ما يقارب نصف قرن يحيا بواسطة جهاز تنفس صناعي يمدّه بأوكسجين الدعم الذي انقطع عنه، كما سواه من القطاعات.
مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون، أرجع في حديثه لموقع "العهد" أزمة كهرباء لبنان إلى فترة الحرب الأهلية، التي ألحقت أضرارًا كبيرة بالمنشآت، لتتفاقم الأزمة اعتبارًا من العام 1982، حيث كان مصرف لبنان يدعم المحروقات. وفي التسعينيات أعدّت خطة لإعمار لبنان تضمنت بندًا يتعلق بمعالجة قطاع الكهرباء من خلال بناء معملين جديدين، ورفع التعرفة وتأمين التوازن المالي، وتغذية تناهز العشرين ساعة يوميًا، وكان استكمالها يستوجب صدور قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 سنة 2002 وتعيين هيئة ناظمة لاعطاء تراخيص وأذونات إنتاج للقطاع الخاص ليستطيع تلبية زيادة الطلب على الكهرباء.
بيضون تطرّق، خلال شرحه لمسار إدارة قطاع الكهرباء في لبنان، إلى هذه الفترة الواقعة بين 2002 و2009 والتي صدر فيها القانون 462 وقضى بتعيين هيئة ناظمة، ولكن لم يتم الالتزام به، وإلى الإهمال خلال السنوات 2002 و2003 و2004، حيث لم تعطِ الوزارات تراخيص إنتاج.
وأضاف أنه خلال أعوام 2005 (اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري)، و2006 (حرب تموز)، و2007 (انقسام الحكومة)، و2008 (الفراغ الرئاسي) كانت الحكومة تقدّم مساهمات أو مساعدات أو سلف خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان، ما أدى إلى تفاقم الدين العام.
* معامل معطّلة وديون
وكشف بيضون أنّ معمل الجية "صار بده جرف" ومعمل الزوق لم يعد قابلا لإعادة التأهيل، فيما تمّ التمديد للبواخر 9 سنوات، ورحلت بعدما كلّفت لبنان مبالغ طائلة، ولها ديون على مؤسسة كهرباء لبنان، كما لم يتمكن مقدّمو الخدمات من حلّ الأزمة وتخفيض الهدر وتحسين الجباية ولا يزال هناك إصرار على التمديد لهم.
فيما برزت انعكاسات كثيرة وفق بيضون لعدم القدرة على تأمين التيار الكهربائي لساعات كافية على اقتصاد البلد وجميع أوجه الحياة فيه، كالمستشفيات والمؤسسات العامة والاتصالات ومؤسسات المياه والمطاحن ومعامل صناعة الأدوية والسوبرماركت.
وشرح أنّ السبب الرئيسي والمباشر لاستمرار أزمة الكهرباء حاليًا، هو عدم توفر تمويل لشراء المحروقات، وأنّ مصدر لبنان الوحيد هو النفط العراقي الذي يستبدل بمحروقات جاهزة (مازوت -فيول)، مؤكدا أنّ الأزمة ستستمر.
* الحل بالطاقة الشمسية
لقد عبثت الحرب الأهلية بكهرباء لبنان، ومثلها الاعتداءات الصهيونية، وأكمل السياسيون هذه المهمة، وإن اختلفت أساليبهم، فأصبحت معالجة هذا القطاع معقدة. وهنا يتحدث بيضون عن حلول بديلة مؤكدا أنّ المعطيات اليوم تغيّرت ما يفرض مقاربة مختلفة وإسقاط كل الخطط والموافقات السابقة، والتفكير بالوضع الجديد وهو أنّ الدولة عاجزة عن تأمين تمويل، لذا فالأفضل والأسرع والأقل كلفة هو الطاقة الشمسية على مستوى الدولة، أي تلزيم الطاقة الشمسية من خلال المناقصات على أراض تملكها في البقاع وعكار والجنوب، وثم على مستوى الأفراد.
* استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن دونه عقبات
تطرق بيضون الى الحل المتداول حاليا والمتعلّق باستجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن، حيث تحركت الولايات المتحدة لتقدم المساعدة بإخراج إقليمي يربط المعالجة باتفاقية معقدة جدا تقنيا وماليا وسياسيا، واعتمادها يتطلّب -وفق رؤيتهم- أن يستقل لبنان سياسيا بالصيغة التي تغيّر التوازنات الداخلية، لافتا إلى أنّ هناك تسويفًا وغموضًا في هذا العرض، حول ما إذا كنّا معفيين من قانون قيصر أم لا، ومعرفة من سيذهب الى سوريا ويشارك في الحل، واصفًا ما يحصل بأنّه مضيعة للوقت ولإيهامنا أنّ هناك رغبة بالمساعدة، مؤكدًا أنّها غير جديّة وإلّا لما أخذتنا الى طرح معقد جدا.
* رفع التعرفة شرط أساسي لصندوق النقد
ومن شروط البنك الدولي زيادة التعرفة، وهذا يراه بيضون معقدًا جدًا اليوم، فلا ضمان لاستمرار قدوم النفط من العراق، أو عدم حدوث انتكاسة أمنية أو سياسية أو مالية تعيدنا للعتمة.
يشار إلى أنّ وزير الطاقة والمياه وليد فياض اقترح في أوائل الشهر الجاري زيادة تسعيرة الكهرباء، بحيث يصبح الرسم الثابت 287 ألفًا، وزيادة تعرفة المياه إلى 1.5 مليون ليرة سنويًا، وفي هذا الشأن، أوضح بيضون أنّ الوضع الاقتصادي للناس لا يسمح أبدًا بزيادة التعرفة، وأنّ الدولة لا تستطيع أنّ تحمّل المواطن هذا العبء قبل رفع دخله والحد الأدنى للأجور، وكاشفًا أنّ الدولة تتجه اليوم لزيادة الرسوم والضرائب أكثر.
الأفق الحالي ضبابي، والحل معقد، والأمل ضئيل جدًا بإمكانية تحقيق ما يطرح اليوم، على ما ذكر بيضون الذي يرى كلّ ذلك اضاعة وقت بانتظار بلورة الوضع الاقليمي واستقرار الظروف بعد الانتخابات، مشددًا على أنّ لا حل قبل هذه المرحلة.
وبالتالي ما يجب أن يحصل في الوقت الحالي، بحسب بيضون، هو أن يتم العمل على إعادة تأهيل مبنى كهرباء لبنان، وإعادة بناء مركز التحكم لضبط محطات التحويل في المناطق، وتعيين رئيس مجلس ادارة وتغيير المدير العام، وتعيين المديرين بالأصالة، ودفع المستحقات المالية المتوجبة على كهرباء لبنان.
محاولة إنعاش كهرباء لبنان عبر النفط العراقي، ووعود باستجرار مشبوه لا يزال طي الوعد الكلامي، ولا يغني أو يسمن من جوع المواطن الذي يفتقد الحياة بمقوماتها الدنيا، فيما الحلّ مرهون بنتائج الانتخابات وتغيير يتوهمه الخارج، وصندوف نقد دولي ينتظر ساعة الصفر، أمّا طاقة الشمس فليست بمقدور الجميع، ليكون المواطن في النهاية أسير جشع أصحاب المولّدات.