خاص العهد
التعليم الرسمي في العناية وانعاشه في عهدة الدولة والمركزي
يمنى المقداد
مرّت سنتان على تجربة التعليم عن بعد، والتي انتهت أعوامها بإفادات بلا مكتسبات وكفايات تربوية وتعليمية. لعلّها جزئية يتّفق عليها أغلب روّاد العملية التربوية والتعليمية -وإن خالفها بعضهم- فلبنان لم يجهز بعد للتعلّم عن بعد في معظم مؤسساته التربوية.
في إثر هذا الواقع، أصبحت عملية التعليم حكرًا على الحضور المباشر مع أيّام افتراضية، وفق خطة الوزير السابق الدكتور طارق المجذوب، ووفق ما سمّي حينها بالعودة الآمنة، أمّا حاليًا فلا العودة آمنة، ولا الحضور ممكن، وارتفاع سعر المعيشة أبرز المتهمين.
في السياق، يتجدّد الجدل حول قضية العودة إلى المدارس، بعد أن افتتح العام الدراسي الرسمي بالإضرابات التحذيرية، ومن ثم المفتوحة، نتيجة رفض رئيس الجمهورية التوقيع على السلفة والمنحة المقدمة للقطاع العام وزيادة بدل النقل، وفق الروابط التعليمية.
العام الدراسي كان لا بدّ أن ينطلق بعد عطلة الأعياد، مع إعلان وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي موعد "العودة الآمنة" إلى المدارس في العاشر من الشهر الجاري، لكن أحدًا لم يلتزم بهذه الدعوة في القطاع الرسمي، فيما للقطاع الخاص حساباته، وإن كان بعضه مؤيّدًا أو مشاركًا في الإضراب لنفس الظروف.
روابط التعليم الرسمي بفروعها، رفضت عبر بياناتها الإعلامية العودة عن إضرابها، فالعوائق صحية ومعيشية ومطلبية تبلغ من العمر سنوات، أما في التعليم الخاص، فقد أشار نقيب المعلمين رودولف عبود في أكثر من تصريح له، إلى أنّ مانع العودة صحي، وأعباءه الاستشفائية ليست بمقدور المعلمين، تمامًا كما حالتهم المادية، كما أن قرار الوزير بالعودة لا يلزم القطاع الخاص عطفا على أنه لم يستطع إجبار قرينه الرسمي.
بالمحصلة، فشل وزير التربية والتعليم العالي في فكّ إضراب الروابط التعليمية.
على مستوى المتعاقدين، الفئة التعليمية المتضرّرة منذ ما قبل الأزمة، لا وجود لراتب شهري ثابت، والرواتب مؤجلة الدفع دائمًا، فضلًا عن أنّ الأجور هزيلة وبدل النقل في خبر كان، ولم يش الاجتماع الأخير بين لجان الأساتذة المتعاقدين ووزير التربية بأية إيجابية، فقرروا عدم الاستجابة لطلبه بالعودة.
منسق حراك المتعاقدين الثانويين الأستاذ حمزة منصور، أشار في حديثه لموقع "العهد" إلى نكبة المدرسة الرسمية هذا العام، التي شهدت تسربًا كبيرًا لطلابها نحو الخاص، معتبرًا أنّ التعليم الرسمي "انضرب"، محملًا المسؤولية للروابط والدولة.
ورغم تأكيده على أحقية مطالب أساتذة الروابط، رأى أنّهم حصلوا -رغم الانهيار- على نصف راتب وبدل نقل وامتيازات كالتعليم يومين فقط في الأسبوع، معتبرًا أنّ عليهم التنازل قليلًا "كي نتمكن من تعليم طلابنا وأولادنا وما يروح العام الدراسي"، واصفًا بالمقابل وضع المتعاقد بالسيئ جدًا، فهو لم يعد قادرًا على الاستمرار، من دون راتب شهري وبدل نقل، معتبرًا أنّ من أساء للمتعاقد هي الحكومة والروابط.
في ظلّ هذا الواقع الضبابي، ما مصير العام الدراسي؟
يجيب منصور في حديثه لـ"العهد" أنّه ليس في دائرة اهتمام الدولة والروابط، بدليل أن جيلًا بأكمله لم يتعلم خلال 3 سنوات، واصفًا إعطاء الإفادات بالكارثة، ولافتًا إلى أنّ الروابط لا تتمتّع بحس المسؤولية، وإلّا لما كان أضرب الأساتذة.
وحول المنح الدولية وإمكانية أن تمثّل حلًّا لهذه المشاكل، أشار إلى أن المتعاقدين لم يروا شيئًا منها، ومطالبًا بحق المتعاقدين بمبلغ 90 دولارًا، وبدل نقل ورفع أجر الساعة، متسائلًا: من المستفيد من الإضراب؟ ومؤكدًا أن رفع الدعم عن التعليم الرسمي يصب في مصلحة التآمر الخارجي والكانتونات الداخلية الخاصة.
ورغم تباين وجهات النظر بين المتعاقدين والروابط، إلّا أنّ المعاناة تتشابه إلى حدّ التماهي الكلّي، فالإضراب الذي يتضرر منه الأساتذة المتعاقدون هو نتاج عجز أساتذة الملاك عن الحضور، وليس لهدف آخر.
عضو الهيئة الإدارية في رابطة معلمي التعليم الأساسي في لبنان محمد إسماعيل أكد لموقع "العهد" أنّ الإضراب انطلق بسبب عدم التزام وزير التربية والتعليم العالي ورئيس الحكومة بالوعود التي قطعاها للمعلمين، منها قبض مبلغ ٩٠ دولارًا كبدل حضور للعمل، والذي لم يُصرَف إلّا لعدد محدود من المعلمين.
وكانت الرابطة قد أنجزت دراسة إحصائية لتحديد أعداد الأساتذة الذين حصلوا على مبلغ٩٠$، كشفت فيها أنّ هناك 1177 أستاذًا وعاملًا في 469 مدرسة من أصل 14906 في 970 مدرسة، منهم 1042 أستاذًا في الملاك و8 متعاقدين و59 مستعانًا بهم، و68 عاملًا (مكننة - خدمات - حرس - سائق).
وفي السياق، عدّد اسماعيل وعود الوزير التي لم تنفذ، ومنها رفع سقف السحوبات من المصارف، وشراء مادة المازوت للكهرباء والتدفئة، مشيرًا إلى أنّه بعد مرور شهر ونصف، قال الوزير للمدارس: "شوفوا كيف بدكم تدبروا أموركم فوزير الطاقة لم يحجز كمية المازوت لحساب وزارة التربية وبالتالي لا مازوت مدعومًا"، ومن الوعود تحويل مساعدات لصناديق المدارس تتراوح قيمتها بين ٥٠٠٠ و٢٠٠٠٠ دولار، والتي لم يتم تحويلها بالدولار الى كل المدارس، كما لم ينفذ رئيس الحكومة وعده بتعديل بدل النقل من 24000 إلى 64000 ليرة، واعطاء مساعدة اجتماعية وعيدية وتوزيع مواد تعقيم وتنظيف وكمامات.
لم يقتصر الأمر على تأخر المازوت والحوالات المالية على أهميتهما، فالكتاب المدرسي تأخر هو الآخر، وقد باشرت منظمة اليونيسيف توزيعه اعتبارًا من نهاية كانون الأول الماضي فيما اقتصر توزيع القرطاسية على الدوام الصباحي فقط، كما طال التقصير صحة الطلاب وفق اسماعيل، إذ تجري فحوصات كورونا بأماكن محددة يومي الثلاثاء والخميس، بموعد مسبق بعد موافقة وزارتي الصحة والتربية، ولم يوزع rapid test على المدارس والثانويات.
لكن هل تتنافى قضية الروابط مع قضية المتعاقدين؟
يتحدث اسماعيل عمّا حصل مع المتعاقدين بمختلف مسمياتهم، فقد وعدوا بالقبض الشهري ومضاعفة أجر الحصة وبدل النقل ومبلغ ٩٠$، ولكن لم ينفذ من ذلك شيء بذريعة الحاجة الى مرسوم، فيما حمل المتعاقدون مديري المدارس مسؤولية الراتب الشهري وهذا غير منصف، فالجداول لم تنجز بسبب اضراب موظفي الادارة العامة. "ينتهي الإضراب عند انتفاء أسبابه"، هذا ما أكّد عليه اسماعيل عند سؤاله عن مدّة الإضراب، معدّدًا مطالب الروابط ومنها دفع الحوافز المالية (90$) بالدولار قبل العودة إلى التدريس:
- مضاعفة الراتب وإذا طالت مدة التأخير وتغير سعر الصرف سنعيد النظر مرة جديدة.
- إعادة النظر ببدل النقل ويجب أن لا يتدنى عن 125000 ل.ل.
- تسريع عملية صرف المستحقات المتبقية للمتعاقدين في التعليم المهني بنسبة 35% عن العام الماضي.
- إقرار ورفع أجر الساعة للمتعاقدين والمستعان بهم على أن تُحتسب من بداية العام الدراسي الحالي، والشروع بدفع المستحقات شهريًا.
- دعم تعاونية موظفي الدولة لتغطية نفقات الاستشفاء والطبابة لا سيما عند الإصابة بالكورونا.
- إلزام المصارف بدفع الرواتب وملحقاتها مرة واحدة، ورفع سقف السحوبات من صناديق المدارس إلى 50 مليون ليرة شهريًا.
وإذ أكد اسماعيل على قرار روابط التعليم الرسمي الثانوي والمهني والأساسي بعدم العودة إلى التدريس لحين معالجة الأسباب، طلب من وزير التربية الوقوف إلى جانب المعلمين، واضعًا مصير العام الدراسي بعهدة الدولة التي إن كانت تريد الحفاظ على التعليم الرسمي وانقاذ جيل بأكمله من ضياع عام دراسي ثالث، فعليها معالجة كل المعوقات، وإصدار المراسيم والقوانين دون تأخير وليس اطلاق الوعود الشفهية.
بين المطالب المعلومة والوعود المؤجلة، لا يزال مصير التعليم الرسمي مجهولًا، وبعيدًا عن تقاذف المسؤوليات من دون جدوى كما شأن السياسيين في بلدنا، آن الأوان للمعلمين ملاكًا ومتعاقدين توحيد جهودهم لمنع نكبة جديدة ضحيتها مستقبل أبناء الفقراء من هذا الوطن.
وزارة التربية والتعليم العالي في لبنانالمدارس الرسمية