خاص العهد
هل تربية المواشي خيار صائب؟
لطيفة الحسيني
لا تبدو المِحنة الاقتصادية المُتعاظمة في لبنان متسرّبةً الى كلّ القطاعات. صحيح أن انعكاساتها واضحة أينما كان، لكنّ التغريد خارج السرب لا ينتفي بل يبقى مخرجًا يدعو للتفاؤل أحيانًا. في الجانب الآخر من الصورة، تظهر محاولات تُقاوم الانهيار الحاصل.
بعد أن فرضت الأزمة الراهنة تأثيرها على اللبنانيين وأعمالهم، اندفع الكثيرون للبحث عن طرق تؤمن لهم اكتفاءً وربّما استقلالًا عن هيئاتٍ رسمية تعِد ولا تفي بعهودها. العودة الى الأصول والاستغناء عن لازِمة الاستيراد عنوان المرحلة ربّما. هذا ما يتضح من خلال مواكبة أساليب عيش المواطنين في قُراهم وبلداتِهم. الأرياف اليوم تستأنف دورها في التموين والمعيشة اليومية. الركن الأساسي لهذا الأسلوب: تربية المواشي في المزارع الصغيرة أمام البيوت.
هل يُشكّل هذا الخيار حلًا في ظروف اليوم؟ مهندسة الإنتاج الحيواني بتول عمّار تشرح لموقع "العهد الإخباري" تفاصيل ما ينتظره كلّ من أراد الذهاب إلى هذا العالم في ظلّ الغلاء الحاصل على كلّ الأصعدة.
عمّار تقول إنه "وعلى الرغم من أن كلّ شيء بات اليوم يُحسب على الدولار إلّا أن هذا القطاع واعدٌ في لبنان حتى في هذه الأزمة".
بحسب عمّار، واجه قطاع تربية المواشي مشاكل عديدة على رأسها ارتفاع سعر الأعلاف، خاصة أنّ كلفة تغذية المجترات تشكّل 60 - 70% من كلفة الإنتاج، إذ تعتمد على الأعلاف المركّزة الغنيّة بالبروتين كالصويا والشعير والذرة وغيرها، والأعلاف المالئة أو الخشنة كالأعلاف الخضراء والأتبان والأعلاف المجففة والمخمّرة.
وإذ تُشير عمّار إلى أنّ تكلفة تربية الأبقار تتجاوز تكلفة تربية المجترات الصغيرة (أغنام وماعز)، نظرًا لاحتياجها إلى أعلاف بكميّات أكبر، تُدرج لائحة تظهر فيها بعض أسعار المواد المستخدمة في تغذية المواشي وفق التالي:
*سعر قنطار التبن (يوازي 250 كيلوغرامًا): 1300000 ليرة والطن 5200000 ليرة تقريبًا
*طن مخلوط مركّز للأغنام والماعز والأبقار: نحو 400$
*طن الشعير: 380$
*طن النخالة ما يقارب 2000000
تُرجع عمّار سبب استهلاك المجترات الصغيرة أعلافًا أقلّ من الأبقار الى اعتمادها أكثر على الرعي، فهي تؤمّن غذاءها من المراعي، وقد تستهلك الأعلاف الجاهزة ما يقارب 120 يومًا خلال السنة في الشتاء القاسي.
أسعار الماشية بمُختلف أنواعها تُحتسب بالدولار. وفق عمّار، سعر البقرة الحلوب يبدأ من 2000$، ورأس الغنم يبدأ من 200$، أمّا رأس الماعز فالحدّ الأدنى منه ينطلق من 180$، وكلّ ذلك مرتبط بالمواصفات الجيّدة لهذه الحيوانات.
وبما أن غذاء المواشي بات يتبع بورصة العملة الخضراء، تلفت عمّار إلى أن الحلّ قد يكون بزارعة الأعلاف عوضًا عن استيرادها، وتوضح أن زراعة الشعير والبيقية (نبات من البقوليات يُعدّ غذاءً للماشية) وغيرهما من الأعلاف مُمكنة جدًا في الأرض اللبنانية، وتضيف "صحيح أن تكلفة العلف عالية، لكن أسعار اللحوم والحليب مرتفعة في المقابل وهذا ربح بحدّ ذاته ويمكن أن يُعوِّض المبالغ الكبيرة التي تُدفع".
القطاع اذًا يُدرّ أموالًا رغم الرأسمال الباهظ، فأسعار المجترات الصغيرة هذه السنة ومع دخول فصل الشتاء ظلّت مرتفعة خلافًا لما كان سائدًا في الأعوام السابقة، ولذلك بادرت مؤسّسة "جهاد البناء" إلى إطلاق مشروع "تسليف الأغنام والماعز".
تقوم فكرة المشروع الذي شاركت فيه عمّار على إعطاء العائلات ذوي الدخل المحدود 4 رؤوس من الأغنام/ الماعز (إناث)، على أن تسترجع المؤسّسة في مدة 4 سنوات العدد نفسه من المواليد الإناث، وعليه يمكن تسميته بـ"قرض الأغنام والماعز".
المشروع يأتي انطلاقًا من إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله "الجهاد الزراعي"، وبموجبه تستفيد العائلات من مواليد الأغنام والماعز هذه فيكبر القطيع، كما يمكن بيع الذكور كلحوم أو استهلاكها، وبالتالي يتحقّق الهدف الأساسي وهو الاكتفاء الأسري من الألبان والأجبان واللحوم، ويُشجّع الناس في الأرياف على ثقافة الإنتاج التي دعا إليها سماحته.
بلغة الأرقام، وزّعت "جهاد البناء" 110 رؤوس من الأغنام و38 رأسا من الماعز على 37 عائلة في البقاع الشمالي من شعث الى حلبتا، وتحديدًا 13 قرية، فالمنطقة هناك تتميّز بوفرة المراعي.
أحد المُستثمرين موّل المشروع وبالتعاون مع "جهاد البناء" نُفّذ، والخيار وقع على تسليف الأغنام والماعز لا الأبقار لاحتياجها لكمية قليلة من الأعلاف مراعاةً لظروف الناس اليوم، كما أن إمكانية "إكثار" القطيع تُعدّ أسرع وأكبر، ففترة الحمل عند الأبقار تمتدّ لـ9 أشهر بينما لا تتعدّى فترة الحمل عند الأغنام والماعز الخمسة أشهر (150 يومًا).
بناءً على التجربة، تؤكد عمّار لـ"العهد" أن نجاح المشروع مرهون بالتزام الناس، غير أن النتائج بدأت تظهر بشكل جيّد مع ولادة أكثر من حمل، وما ساهم في ذلك الدورات التدريبية التي خضع لها أهالي تلك القرى لناحية أسس تربية الأغنام والماعز ورعايتها، وطرق تصنيع الألبان والأجبان بشكل سليم، بموازاة عمليات التحصين الدورية التي تقوم بها مؤسسة "جهاد البناء" لضمان صحّة القطعان ودعم مربّي الماشية بالتنسيق مع البلديات حتى لا يتكبّد هؤلاء تكاليف إضافية.