خاص العهد
ما أسباب ارتفاع سعر الصرف الجنوني؟
فاطمة سلامة
ليس اتهام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالأزمة النقدية والمالية وحتى الاقتصادية التي وصل اليها البلد مجرد شعارات تتردّد. العبث الذي اقترفه سلامة بمالية الدولة على مدى أكثر من ثلاثة عقود نحصد نتائجه منذ أكثر من عامين. اليوم، وصل كل شيء الى الدرك الأسفل بينما لا يزال سلامة يتنكّر وينكر غير معترف بأي مسؤولية. يعيش الرجل حالة إنكار لكل ما اقترفته سياساته المدمّرة وعلى رأسها كذبة "الليرة مستقرة" التي ندفع ثمنها اليوم مبالغ طائلة تخطّى فيها سعر صرف الدولار الـ25 ألفًا مع ما يعني ذلك من تحليق أسعار غير مسبوق وقدرة شرائية معدومة وأزمات على مدّ العين والنظر.
سلامة الذي فاقمت تعاميمه الأزمة والتي صبّت بمجملها في سلّة المصارف، لم يحرّك ساكنًا حتى اللحظة لكبح جماح ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني، بل يقف موقف المتفرّج وكأنّه مواطن عادي لا يتحمّل أي مسؤولية وسط ترجيحات بأن يواصل سعر صرف الدولار مساره التصاعدي ما ينذر بكارثة مقبلة حتمًا اذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه وفق ما يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش الذي يرجّح أن يتخطى سعر صرف الدولار عتبة الـ30 أو حتى الـ35 ألفًا نهاية العام الجاري اذا استمرّت الحال على ما هي عليه. وأكثر من ذلك، اذا استمرّ الوضع الحالي والأزمة الحكومية فنحن ذاهبون في بداية العام الى إيقاف كامل للقطاع العام من مؤسسات خدماتية وضمان ووزارات.
تجربتنا مع سلامة سيئة جدًا
يُلقي عكوش باللوم الكبير على حاكم مصرف لبنان الذي للأسف تُركت له الصلاحية منذ بداية الأزمة للعمل في السوق النقدي وأعطي صلاحيات شبه كاملة فيما لم تتصد الحكومة لهذا الأمر. كما أصدر مصرف لبنان تعاميم لم تلتزم المصارف بأغلبيتها كالتعميم 154. يشدّد عكوش على أنه لا يمكن الاعتماد على سلامة فتجربتنا معه سيئة جدًا خاصةً لناحية السياسات النقدية التي اتّبعها في السابق والتعاميم التي أصدرها وهو الملاحق والخاضع للتحقيق في أكثر من دولة. وهنا يسأل عكوش: كيف يمكن لبلد أن ينجز إصلاحًا مصرفيًا وعلى رأس قطاعه المصرفي حاكم مشبوه إن لم نقل متهمًا؟.
الأسباب عديدة ومتشعّبة
يتوسّع عكوش في الحديث عن أسباب ارتفاع سعر الصرف المتشعبة، مدرجًا إياها بالآتي:
-عدم تدخل مصرف لبنان الذي يقف مكتوف الأيدي، بينما المفروض أن يتدخّل بموجب قانون النقد والتسليف كي يحافظ على استقرار النقد. تدخله يأتي من خلال عرض الدولار والطلب عليه، فعندما يرى أنّ هناك طلبًا كبيرًا على الدولار من المفترض أن يتدخل لشرائه. وهنا يوضح عكوش لو أنّ مصرف لبنان تدخّل سابقًا ليرسي استقرارًا على سعر الصرف لما ارتفع من الـ20 ألفًا الى الـ25 ألفًا. نحن لا نقول إنه يجب أن يتدخل بمبالغ كبيرة ولكن محدودة ليحافظ على الاستقرار، وهذا الأمر على رأس وظائفه بعكس الوظيفة السابقة القائمة على التثبيت والتي أوصلتنا الى ما نحن عليه.
-حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجود في السوق والذي تجاوز الـ40 ألف مليار ليرة بعدما كان 5 آلاف مليار ليرة عندما كان سعر الصرف 1515. هذه الكتلة تزداد كل 15 يومًا وأي قرار يصدر عن الحكومة أو الوزراء يساهم في ازدياد هذه الكتلة ما يرفع سعر الصرف كزيادة بدل النقل وتقديم سلف لموظفي القطاع العام. هذه القرارات -برأي عكوش- لها مفعول مالي في السوق ما يزيد من الأعباء التي تدفعها الدولة دون إيجاد موارد تساهم في تغطية هذه المصاريف.
-حجم احتياطي العملات الصعبة الذي ينخفض كل 15 يومًا والذي بلغ بنهاية تشرين الأول 2021 13 مليار و600 مليون دولار. هذا الاحتياطي يتناقص وكلما انخفض تنخفض الثقة بالليرة.
-عجز وفائض الموازنة اذا كلمّا حدث عجز أو فائض في الموازنة وميزان المدفوعات تتفاقم الأزمة، وللأسف القرارات المالية التي تصدر تفاقم العجز في الموازنة وهذا يؤثر على قيمة الليرة.
- غياب الاستقرار السياسي، فعندما لا يستقر النظام السياسي تنعكس مفاعيل هذا الأمر في السوق. وفي أي دولة في العالم عندما لا يكون هناك استقرار في النظام السياسي ينعكس ذلك على قوة الاقتصاد والعملة الوطنية.
ويشدّد عكوش على أنّ هذه الأسباب مجتمعة تتراكم وتصب بالنتيجة لمصلحة المضاربين في السوق. المضاربون للأسف كثر فالقطاع المصرفي متوقّف و"الخزنات" ممتلئة بالليرات والدولار وكثر من المواطنين باتوا صرافين يحدّدون سعر الصرف الذي هو من مهمة مصرف لبنان، يختم عكوش.