معركة أولي البأس

خاص العهد

صندوق النقد ليس خيارًا وحيدًا.. البدائل متعدّدة
24/11/2021

صندوق النقد ليس خيارًا وحيدًا.. البدائل متعدّدة

فاطمة سلامة
عانى لبنان ولا يزال من سوء إدارة الاقتصاد اللبناني. ثمّة عقلية "ريعية" أمسكت بمفاصل الاقتصاد وأحكمت الخناق عليها لتبدو الصورة مأساوية. واذا أردنا أن نختصر مسيرة الاقتصاد منذ التسعينيات حتى اليوم فإننا سنتحدّث عن اقتصاد ريعي مرتهن للخارج، اقتصاد قائم على المديونية والاحتكارات خدمة لفئات معيّنة، اقتصاد يُسيّر بلا خطة ولا رؤية واضحة وممنهجة ما جعله أسير الزبائنية والمحسوبيات ليدفع اليوم أثمانًا باهظة وصلت فيها المؤشرات الاقتصادية الى الدرك الأسفل. 

وبموازاة هذا الواقع، ثمّة وجهتا نظر، أولى تعتبر أنّ نهوض لبنان الذي بات اقتصاده منهارًا لا يمكن أن يكون بلا مساعدة الخارج وخصوصًا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وثانية ترفض حصر النهوض بالمؤسسات الدولية. برأيها، فإنّ صندوق النقد والبنك الدولي خيار في سلّة خيارات لو أحسن لبنان انتقاءها واستخدامها لخرج من محنته بخير. هذا الرأي يعبّر عنه رئيس المركز الاستشاري للدّراسات والتّوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله الذي يعتبر أنّ صندوق النقد الدولي بديل لكن هناك بدائل أخرى، مشددًا على ضرورة أن لا نكون رهنًا لمخرج واحد للأزمة. 

وفي معرض حديثه عن الحلول المتاحة، يوضح فضل الله أنّ حزب الله يمتلك رؤية اقتصادية يعلن عنها بالتوقيت المناسب. وفيما يلفت الى أنّ حزب الله منفتح على النقاش بكافة الخيارات المتاحة خصوصًا أمام جسامة الأزمة الحالية بعيدًا عن الجمود عند أفكار وقواعد مسبقة قد تعيق النقاش والحل، يشير الى أنّ موقف حزب الله يبقى مرهونا للمبادئ التي يلتزم بها والتي تتمثّل بالآتي: 

-أي حل للأزمة يجب أن يكون عادلًا، بمعنى أن لا يُحمّل المسؤولية للفئات التي لم تستفد من الأزمة ولم تكن مسؤولة عنها ولا تستطيع تحمُّل ثمن الأزمة، بمعنى أن يتم ترتيب المسؤوليات بطريقة منصفة بحيث يتحمل  المسؤولية الكاملة المستفيدون من الأزمة.

-التعافي ينبغي أن يكون باتجاه خيارات اقتصادية جديدة تقوم على توسيع قاعدة الاقتصاد وتنويع المجالات التي يعمل بها الاقتصاد على المستوى الإنتاجي وكل القطاعات وتنويع الخيارات على مستوى علاقات لبنان الخارجية حتى لا تكون علاقته مع الخارج محتكرة بمجموعة قليلة من الدول وأن لا يكون اقتصاده في الداخل مستندا إلى قاعدة ضيقة من القطاعات والمجالات الانتاجية.

-ينبغي النظر الى كل البدائل، ومن هذا المنطلق فإنّ صندوق النقد بديل وسط بدائل أخرى. وهنا يضيف فضل الله: "لنفترض أننا لم نتمكن من إرساء اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهذا احتمال قائم، اذ قد لا نتفق على الشروط أو الآلية أو قد يقدّم صندوق النقد مقاربة يرى لبنان أنها لا تصب في مصلحته، ومن هذا المنطلق يجب النظر الى قرارات أخرى". وفق حسابات فضل الله، يُمكن أن تمهّد مقاربة داخلية لرحلة الخروج من الأزمة، لكن هذا الأمر يتطلّب  قرارات سريعة وجريئة وحازمة وتوافقات بين الأطراف التي تتخذ القرار على مبادئ سريعة ننطلق منها لحل الأزمة. وفق فضل الله، اذا لم نحرّك آلية تمويل الاقتصاد المتمثّلة بالقطاع المصرفي بغض النظر عن أدائه السابق لا نستطيع الخروج من الأزمة. لا بد من البدء بهيكلة القطاع المصرفي عبر خطوة جريئة قائمة على مبادئ عادلة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي والدين العام وإعادة هيكلة ميزانية مصرف لبنان. اذا تمكّنا من هذه الخطوات سنستعيد قطاعنا المصرفي وماليتنا العامة، ونستعيد دور السلطة النقدية المتمثلة بمصرف لبنان والتي لا يمكن تجاهلها ما يمكّن لبنان من الحصول مجددًا على أموال من الخارج تدخل بصورة تلقائية الى نظامه المصرفي. 

صندوق النقد ليس خيارًا وحيدًا.. البدائل متعدّدة

ويشير فضل الله الى أنّه ورغم الأزمة التي تفتك بلبنان ماليًا واقتصاديًا ونقديًا، فلا زال هناك أموال تدخل الى لبنان. البنك الدولي يقول إن هناك مبلغ 6 مليارات دولار تدخل من المغتربين، ولو سلّمنا جدلًا أن هذا الرقم صحيح فهو أكثر مما سنحصل عليه من البنك الدولي وسط حديث عن حصول لبنان على 4 مليارات دولار فقط. وهنا يلفت فضل الله الى أنّنا لا نمتلك موقفًا سلبيًا من التباحث والتفاوض مع صندوق النقد ولكن ثمة خشية من أن لا نتمكن من الوصول في الوقت المناسب الى اتفاق منصف وملائم لأوضاع البلد. وفي هذا السياق، يوضح فضل الله أنّ ما ننتظره من صندوق النقد هو أن يتمكّن لبنان من الحصول على ما يكفي من السيولة لمعالجة فجوة ميزان المدفوعات والحساب الخارجي وحاجته الى السيولة للتثبيت النقدي والبدء بحل مشكلة القطاع المصرفي وإرساء مقاربة جديدة لحل مشكلة الدين العام. 

ويشدد فضل الله على أن لبنان مطالب باعتماد خطة للإنقاذ مع أو من دون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفق قناعاته، من دون خطة للإنقاذ سريعة وحاسمة ومؤلمة ربما وجدية وعميقة سيكون الأفق متشائمًا بالتأكيد. خطة جريئة تعترف بالحقائق كما هي، لا كما يفعل اليوم بعض القطاع المصرفي الذي يتنكّر للخسائر. ينبغي أولًا الاعتراف بالخسائر وتحديدها وهذا أمر بديهي، فالخلاف لا يكون بالمسائل ذات الطابع التقني كما يحصل اليوم. وثمّة خطوات سريعة يجب أن نسرع في تنفيذها اليوم قبل الغد تمامًا كالبطاقة التمويلية وبرنامج استهداف الأسر الأكثر فقرًا الذي ينبغي وضعه موضع التطبيق بأقصى سرعة نظرًا لوجود التمويل له. كما ينبغي معالجة ملف الدواء والقطاعات الحيوية. نحن نقدّر أن ثمة احتياطيا لا يمكن المس به ولا ينبغي أن يكون الانفاق على السلع الأساسية على حساب المودعين -يقول فضل الله- لكن هذا لا يعني أن تقف السلطة النقدية مكتوفة الأيدي في مواجهة ملفات حيوية، بل عليها المواجهة السريعة والقيام بإجراءات تساهم في تخفيف الانهيار.

ويعتبر فضل الله أنه عندما تكون هناك أزمة وانهيار يجب أن تكون هناك إدارة للقضايا المرتبطة بالانهيار والتي يجب أن نحميها جيدًا كأموال صناديق التعاضد والتعاقد أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصناديق النقابات الأساسية أو غيرها من صناديق التأمين على الحياة. يشدّد فضل الله على ضرورة حماية كل المدخرات الوطنية التي تفقد اليوم من قيمتها لحماية مدخرات مئات آلاف العاملين في القطاعات المختلفة. وعليه، يجب عدم التركيز على الأزمة فقط بل على المجالات والقطاعات المتضررة من الأزمة وذات الصلة فيها لإنقاذ قطاعات ومجالات حيوية وتأمين حاجات مستحقة وإنقاذ فئات اجتماعية، ونحن قادرون على ذلك وبتمويل محدود، يضيف المتحدّث.  

وفي الختام، ينوّه فضل الله الى أنّه ورغم عدم اجتماع الحكومة إلا أنّ النقاش قائم اليوم بفعالية لتفعيل عمل الهيئات واللجان ذات الصلة بالأزمة والمعطيات تقول إنه قد تكون هناك خطة جاهزة في وقت قريب.

صندوق النقد الدولي

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل