معركة أولي البأس

خاص العهد

العين الأميركية على القضاء اللبناني..تدخلات
27/10/2021

العين الأميركية على القضاء اللبناني..تدخلات "فاضحة"

فاطمة سلامة

ثمّة عين أميركية واضحة على القضاء اللبناني. الأخير بات بوابة واشنطن للعبث في ساحة لبنان. لا تحتاج هذه الخلاصة الى قراءات معمّقة، فالمسألة واضحة والشواهد كثيرة. الاستباحة الأميركية للقضاء اللبناني ليست جديدة بطبيعة الحال، لكنها اليوم باتت على المكشوف وأكثر وضوحًا. تضع واشنطن كل ثقلها في القضاء اللبناني لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه في مجالات أخرى. تستثمر الولايات المتحدّة الأميركية في ملف انفجار المرفأ لتحقيق غايات معروفة في سياق مشروعها الأساسي لنشر الخراب في لبنان. يكفي أن يصدر عن لجنة "الكونغرس" الأميركي موقف داعم للمحقّق العدلي القاضي طارق بيطار حتى يتكشّف ما هو أبعد من هذه الشهادة. لا تدعم واشنطن بيطار كشخص، بل كنهج قضائي قائم على الاستنسابية وازدواجية المعايير. يحلو لواشنطن تكرار سيناريو عام 2005 لتلفيق الاتهامات والإفادات المزوّرة لتنفيذ مشروع سياسي "تحلم" بتنفيذه منذ سنوات طويلة. 

شخصية سياسية تلقت اتصالًا من هيل أُبلغت فيه الرفض الأميركي لتوقيف سلامة

ولا يخفى أنّ التدخل الأميركي في مؤسّسة القضاء ليس جديدًا، لكنّها أكثر "حقبة" تدخل فيها أميركا مباشرةً وبهذا الحجم على الخط القضائي. لدى سؤال مصادر قضائية عن التدخل الأميركي في القضاء اللبناني، تقول المصادر بكل صراحة لا خطوط حمراء أمام الأميركيين للتدخل في القضاء الذي بات ساحة للعبث بسيادة لبنان. تشدّد المصادر على أنّ العين الأميركية على القضاء منذ زمن، مع الإشارة الى أنّ ثمّة قضاة نزيهين لا يخضعون للإملاءات الأميركية مهما كان حجمها. وفي هذا السياق، تستذكر المصادر ما حصل قبل فترة في قضية محمد مازح قاضي الأمور المستعجلة السابق في صور وكيف قامت الدنيا ولم تقعد على قاض مارس واجباته لإسكات صوت الفتنة الصادر عن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا. حينها جنّ جنون الأميركيين إذ كيف لقاض أن يتجرأ على سفيرة أميركية فلم يتركوا بابًا للتدخل بالقضاء إلا وطرقوه على قاعدة "إعطاء الأوامر لا الطلب". 

من قضيّة القاضي مازح تنتقل المصادر الى ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. التدخل الأميركي في هذه القضية واضح وسافر. واشنطن وضعت كل ثقلها لحماية سلامة ومنع توقيفه. تؤكّد المصادر أنّ تدخلًا أميركيًا كبيرًا حدث في ملف سلامة لمنع توقيفه. وفق معلومات المصادر، تلقت شخصية سياسية بارزة اتصالًا من مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل أُبلغت فيه الرفض الأميركي لتوقيف سلامة، وذلك عقب بلاغ البحث والتحري الذي صدر بحقه. وفق المصادر، لولا الغطاء الأميركي والعبث الأميركي بالقضاء لكان سلامة اليوم في السجن، فما اقترفته يداه -تقول المصادر- لا يتصوره عقل، فهو لم يختلس الأموال فقط بل تصرف بمليارات المصرف المركزي من دون محاسبة أو مراقبة وكأنّه يعمل على إيصال الاقتصاد الى الانهيار بمساعدة أميركا. وفق المصادر، لو لم يعلم سلامة بأنه مسنود أميركيًا لما تصرف بهذه الطريقة. 
 
ملف رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع أيضًا لا يخرج -بحسب المصادر- عن الديدن الأميركي في لبنان. الولايات المتحدة الأميركية تساند الرجل "الميليشياوي" بكل ما أوتيت من قوة، وهي اليوم تبذل جهدها لتمييع الحقيقة في قضية كمين الطيونة. ساكن معراب بالنسبة لواشنطن اليوم هو أداة المرحلة للعبث بأمن واستقرار لبنان. وعليه، يتمرّد جعجع المغطّى أميركيًا على القضاء اللبناني، ويتخلّف عن المثول أمام مخابرات الجيش للاستماع لإفادته في كمين الطيونة. والمفارقة، أنّ جعجع ينظر الى القضاء على أنّه "مقدّس" وأحكامه منزلة عندما يطابق توجهاته السياسية التي تخدم الأجندة الأميركية في لبنان تمامًا كما حدث عندما ساند بيطار، أما عندما يتعلّق الأمر بمصلحة وطن فيعود جعجع الى أصله الحقيقي الرافض للعدالة القضائية والمنتفض عليها.  

دبوق: جعجع وفريقه يعيشان في "عصفورية" من نوع خاص

الخبير القانوني المحامي الدكتور عباس دبوق يتحدّث عن ازدواجية المعايير الموجودة لدى جعجع لافتًا الى أنّ فريق جعجع الذي كان يهلّل لمسار وأداء بيطار يعيش اليوم في "عصفورية" من نوع خاص حيث يقارب الأمور القضائية باستنسابية. وهنا يشدّد دبوق في معرض حديثه على أن قضية انفجار المرفأ تختلف عن قضية الطيونة. جريمة الأخيرة مقصودة ومخطط لها وقد سهر المجرم لياليَ لتنفيذها لتحقيق مكاسب سياسية تعوّد عليها في مسيرته السياسية المبنية على القتل والإجرام، فإفادات الموقوفين بيّنت أنّ جعجع له اليد الأولى والطولى بذلك. أما قضية المرفأ فهي جريمة مخطّط لها ولكن مسؤولية الوزراء والنواب المُطالب بالتحقيق معهم ليست جرمية مباشرة بل غير مقصودة، ومسؤوليتهم أتت بناء على خطأ وظيفي إداري غير مقصود. 

ويشدّد دبوق على أنّ ثمّة دماء سقطت دون وجه حق في قضية الطيونة ما يحتّم أن يلاحق القضاء المرتكبين الى آخر لحظة دون مساومة. وهنا يوضح دبوق أنّ رفض جعجع المثول أمام القاضي للاستماع اليه كشاهد حتى بعد أن تم إبلاغه لصقًا يضع الخيار أمام السلطة القضائية إما لصرف النظر -وبالتأكيد مقتضيات الجريمة لا تسمح بصرف النظر- أو للذهاب باتجاه مطلب قانوني آخر وهو الإصرار على استدعائه وفي حال رفض بإمكان المحكمة اتخاذ قرار أخير وهو تسطير مذكرة لإحضاره بالقوة والاستماع اليه. 

وفي الختام، يدعو دبوق الى إبعاد السياسة عن القضاء، والى الالتزام في قضية المرفأ بالأصول القانونية والدستورية التي توصل الى تحقيق العدالة.

القضاء

إقرأ المزيد في: خاص العهد