خاص العهد
بين الليرة والدولار ثقة اللبنانيين.. وسياسة المصرف المركزي
خاص العهد
عدا عن كونه العملة العالمية، يعتبر الدولار وسيلة للحفاظ على العملة المحلية في لبنان. يعاني تجار لبنان حاليا من انخفاض في منسوب الدولار في السوق بحسب أحاديثهم البينية. هذه الحقيقة ناتجة عن سياسة المصرف المركزي إلى جانب الوقائع الاقتصادية والسياسية في البلد. فالسياسة المنتهجة من قبل مصرف لبنان منذ أواخر التسعينات هي منع الليرة من انهيارات متعاقبة في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة. الثقة بالليرة مستمدة من ثبات قيمتها بالنسبة للدولار على مدى عقدين من الزمن.
يعود أصل وجود الدولار في أي بلد بشكل أساسي إلى التبادل التجاري على شكل واردات وصادرات إضافة إلى عائدات السياحة. أمّا في لبنان، فيتعدى ذلك ليكون وجوده هدفاً وسطياً لتحقيق الهدف النهائي: تثبيت سعر صرف الليرة. وفي هذا الإطار، يعمد مصرف لبنان المركزي إلى جذب الدولار عبر الفوائد المرتفعة. بالتعمّق بهدف المصرف المركزي لجذب الدولار، فإن تثبيت العملة ليس سوى نتيجة بيع الليرة عند ارتفاع قيمتها وشرائها عند انخفاض قيمتها. ونظرا لحاجته العملية للدولار وفي ظل العجز الدائم في الميزان التجاري وما ينتج عنه من تراكم للحاجة إلى الدولار يعمد المصرف المركزي لرفع الفوائد. فتثبيت سعر الصرف عملية توجب وجود الدولار بكثافة لدى المصرف المركزي وما من سبيل إلى ذلك سوى رأس المال الأجنبي.
عمليا، يترجم ذلك نسبة الدولرة المرتفعة، فقد وصلت نسبة الدولرة لودائع القطاع الخاص إلى 70.62% في كانون الأول 2018 بمعدل ارتفاع 1.9% عن العام الماضي. كذلك فإن نسبة الدولرة لودائع القطاع الخاص لغير المقيمين وصلت إلى 88.57% بارتفاع بلغ معدله 0.72% عن العام الماضي. فالدولرة هي مصطلح يستخدم عند اعتبار عملة أجنبية بالإضافة إلى أو بدلاً من العملة المحلية عملة قانونية. ينقسم أصحاب هذه الودائع بين من ضخ دولاراً في السوق وبين من حوّل وديعته من الليرة اللبنانية إلى الدولار. وبالتالي، إن عملة الوديعة تكون نتيجة استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلد والفائدة على كل عملة. فمقاربة نسب الدولرة توحي مدى الثقة في العملة المحلية.
وفي ظل الحديث المستمر منذ منتصف العام الماضي عن خطر انهيارات مالية ونقدية من جهة وتقارير موديز من جهة أخرى، عمد اللبنانيون إلى زيادة الطلب على الدولار بدل الليرة.
من هنا، إن انخفاض منسوب الدولار في السوق هو نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي في لبنان إضافة إلى سياسة المصرف المركزي بسحب الدولار من السوق.
لا بد من الإشارة إلى أن الفوائد المرتفعة لم تكن السبيل الوحيد للحصول على الدولار، بل لجأ لبنان إلى الاستدانة أيضا. إن كلفة تثبيت العملة بقيمتها الحالية وما يترتب عليها من سياسات تهدف إلى الحصول على الدولار باهظة. فالسياسات اللبنانية اكتفت بالتكتيكات النقدية ولم تتعدها لتغيير الوقائع الاقتصادية لتنعكس إيجابا على الليرة. تجاهل المصرف المركزي حاجة لبنان إلى القطاعات الإنتاجية والتي ستترجم بانخفاض الحاجة للواردات وارتفاع الصادرات وما سينتج عن ذلك من ضخ للدولار. اكتفى المصرف المركزي والحكومات المتعاقبة باعتماد السبل الباهظة الثمن والابتعاد عما يمكن أن يصلح الاقتصاد الحقيقي للبلد. كان من الأجدى البحث عن استقرار الليرة كانعكاس لاقتصاد مستقر بدل أن يكلف استقرارها ركوداً اقتصادياً.