ابناؤك الاشداء

خاص العهد

النفط الإيراني آتٍ قطعًا.. ماذا لو سار لبنان الرسمي بالعرض قبل عام؟
17/08/2021

النفط الإيراني آتٍ قطعًا.. ماذا لو سار لبنان الرسمي بالعرض قبل عام؟

فاطمة سلامة

لو خُيّر أي إنسان عاقل طبيعي بين الوقوف لساعات في "الطابور" أمام محطات الوقود وبين استيراد البنزين من إيران بعرض مغرٍ اقتصاديًا لاختار حُكمًا الخيار الثاني. وأيضًا، لو خُيّر أي إنسان عاقل طبيعي بين توسله الصيدليات للحصول على دواء وبين حصوله من إيران بأسعار تنطبق عليها صفة "البلاش" لاختار حكمًا الخيار الثاني. وأيضا وأيضًا لو خُيّر أي إنسان عاقل طبيعي بين البقاء في المنزل لساعات وساعات بلا كهرباء بسبب نفاد المحروقات وبين استيراد هذه المادة من إيران لاختار حُكمًا الخيار الثاني. تمامًا كما لو خُيّر أي  إنسان عاقل طبيعي بين فقدان المواد الأساسية -بسبب نفاد المازوت- كربطة الخبز وبين استيراد النفط من إيران لاختار حُكمًا الخيار الثاني. 

في الحقيقة لا يرفض أي إنسان عاقل طبيعي تسهيل أموره الحياتية وجعلها أفضل. من يرفض ذلك هم "المنعّمون" على حساب الشعب اللبناني، أولئك الذين لا تترك أزمة المحروقات أي تأثير على نمط حياتهم، وعليه يزايدون في السياسة. وطالما أنّهم لا يكتوون بنار الوقوف في "الطوابير" المتنقلة في لبنان لا حرج لديهم من التصويب على أي عرض مفيد للاقتصاد اللبناني و"رشقه" بشتّى أنواع المناكفات السياسية. لا حرج لديهم من "فركشة" أي مشروع طالما هم في أحسن حالاتهم معيشيًا واقتصاديًا. 

منذ أكثر من عام أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله استعداد إيران لبيع لبنان النفط بالليرة اللبنانية. عرض لا يُمكن وصفه سوى بـ"المغري"، فلبنان الذي يعاني من أزمة "دولار" يُعرض عليه الحصول على مادة أساسية من الخارج وبعملته الوطنية. رُفض العرض لأسباب سياسية وأخرى "احتكارية" لصالح "الكارتيلات"، والنتيجة إغراق لبنان في الأزمات عن سابق تصور وتصميم لنصل الى الدرك الأسفل في مختلف المجالات. فماذا لو لم يواجه العرض الإيراني ما واجهه من اعتراضات قبل عام؟ هل كنا سنغرق في الأزمات التي نحن غارقون فيها حاليًا؟ هل كنا سنقبع تحت رحمة "الكارتيلات"؟ هل كنا سنسمع بضحايا على الطرقات بسبب الزحمة على محطات الوقود؟ هل كنا سنشهد حوادث التدافع على المحطات وفي الأفران؟ هل كنا سنشهد حادثة "التليل" العكارية؟ 

ناصر الدين: العرض الإيراني قادر على "تعويم" لبنان بالنفط لسنوات

الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ دخول النفط الإيراني الى لبنان قادر على "تعويم" لبنان بالنفط لسنوات. وفق حسابات ناصر الدين، يسد هذا النفط حاجة لبنان لسنوات ويشكّل فاتحة لسلسلة من الاتفاقيات المهمة. وهنا لا يخفي ناصر الدين أنّ العرض الإيراني يأتي كجزء من المقاومة الاقتصادية لمواجهة الانهيار الحقيقي والاجتياح الاقتصادي الذي يتعرض له لبنان. 

النفط الإيراني آتٍ قطعًا.. ماذا لو سار لبنان الرسمي بالعرض قبل عام؟

من هذه المقدّمة ينطلق ناصر الدين ليتحدّث عن حاجة لبنان السنوية من المحروقات. لبنان يحتاج سنويًا 2.5 مليار دولار لاستيراد المازوت، و1.2 مليار دولار لاستيراد البنزين أي بمجموع 3.7 مليار دولار. هذه الكمية بمثابة الضروريات ولكن ثمّة كميات أخرى تستعمل بأماكن أخرى من قبل شركات تخزّن وتهرّب وواضح أنها تعمل في الفلك الأميركي. ويلفت ناصر الدين الى أنّه عندما طرح العرض الإيراني طُرح للتوفير على لبنان، لأنّ قيمة الدعم من الاحتياطات بالأموال تبلغ 5.7 مليار دولار سنويًا منها 65 بالمئة كدعم على الطاقة، ما يعني أنّه عندما يشتري لبنان النفط من دولة أخرى بالليرة اللبنانية لا الدولار معناها أنّنا نحافظ على الدولار، وبدل أن نطبع الليرة ونضخها في الأسواق ما يُحدث تضخمًا، يصبح لدينا كتلة نقدية مدعومة ما يشكّل بالمفهوم الاقتصادي بداية دعم لليرة، وهذه الليرة يجري استثمارها بمشاريع داخل لبنان قد تفتح علاقات إنسانية ثقافية استشفائية دوائية صناعية، وكلنا يعلم أنّ هيئة الإغاثة الإيرانية تمتلك مشاريع مهمة وفي كافة الميادين. 

تداعيات عرقلة العرض الإيراني 

يتحدّث ناصر الدين عن أهمية العرض الإيراني وتداعيات عرقلته على مدى أكثر من عام، مدرجًا الآتي: 

-منذ عام وحتى اليوم كنا نتحدّث عن احتياطي إلزامي بقيمة 18 مليار دولار، أما اليوم فقد بات 15 مليار دولار، وبالتالي وصلنا الى الاحتياطي الإلزامي الذي لا يمكن تخطيه بحسب ما يدّعي حاكم مصرف لبنان، وهذا الأمر تحيطه علامات استفهام كثيرة فهناك احتياطات كثيرة تم تخطيها ولم يجر السؤال لا عن قانون ولا عن شيء.  

-وصلنا الى مكان تتحكّم فيه "الكارتيلات" بالسوق اللبنانية، فعندما تستورد الدولة المحروقات "من دولة لدولة" ستخسر شركات الاحتكار وكارتيلات النفط عمولة مرتفعة جدًا كانت تجنيها على حساب الشعب اللبناني والدولة اللبنانية والاحتياطي الإلزامي والدولار المدعوم. هذه الكارتيلات كانت تحقّق أرباحًا خيالية ضمن سياسة النظام الريعي والنقدي المدعومة مباشرة من السياسة النقدية بموافقة الحكومات الفاسدة التي تعاقبت في مراحل كثيرة لتحمي "كارتيلات" النفط وهذا ما نراه اليوم. 

-الارتفاع الكبير في نسبة التضخم التي فاقت الـ400 بالمئة في كل القطاعات.

-فقدان المواد من الأسواق ليبدأ الانهيار الحقيقي، فكل ما كنا نسمعه في السابق كان مقدّمة للانهيار.

-استيراد النفط من إيران له ارتدادات على القدرة الشرائية لتكون قيمتها أفضل بكثير من السابق، فالمازوت مادة مشتعلة ترتبط بها كل القطاعات الاجتماعية وارتفاع سعرها يؤثر على دخل الفرد المرتبط بكل القدرات الاجتماعية التي يحتاجها الأمن الغذائي الاجتماعي. يرتبط بشكل أساسي بالخبز، الكهرباء، الدواء، المستشفيات، مصانع المواد الغذائية، المدارس، الجامعات، وكل القطاعات الإنتاجية. وعليه، يرى ناصر الدين أنّ من أوجد أزمة المازوت يعلم أهمية هذه المادة، وسماحة السيد نصر الله عندما طرح هذا الأمر كان يعلم أنّ المازوت هو المِفصل بالاقتصاد اللبناني.

سماحته لم يطرح هذا العرض من عبث، لكن ثمّة مخاوف لدى المعارضين من أن يكون المشروع مقدّمة لإصلاح مشروعات ثانية في لبنان كالكهرباء. وهنا يأسف ناصر الدين فلبنان صرف منذ عام ونصف 15 مليار دولار، فيما يكلّف مشروع الكهرباء مليار دولار. وفق ناصر الدين، لو أنجزنا مشروع الكهرباء على الغاز لكنا انتهينا من الأزمة وأصبحنا في غنى عن 60 بالمئة من المازوت الذي نستورده عبر "كارتيل" النفط. وهنا يشدّد ناصر الدين على أنّ من قطع الطريق على ملف الكهرباء قطعها لمصلحة الكارتيلات والاحتكار والاستيراد وقد رأينا عشرات ملايين الليترات المخزّنة من المازوت لدى الشركات والناس.

-انعكاس العرض الإيراني إيجابًا على سعر صرف الدولار، فعندما نوفر 60 بالمئة من قيمة الدعم معناه أن 60 بالمئة من الارتفاع بالدولار سينخفض لأننا ندعم الليرة ونذهب الى المعالجة التقنية للدولار. العرض الإيراني يوفّر 60 بالمئة من الدولار الذي من الممكن أن نصرفه ونستعمله في أماكن أخرى لدعم الليرة لمنع الارتفاع المخيف بالدولار، وهذا لم يكن مطلوبا لدى بعض الجهات -برأي ناصر الدين- الذي يلفت الى أنّ المطلوب كان المزيد من الانهيار بالليرة، والمطلوب بالفترات القادمة انهيار أكبر وأكبر.

استقدام النفط الإيراني بات أكثر من ضرورة

بعد هذا العرض، يشدّد ناصر الدين على أنّ استقدام النفط الإيراني بات أكثر من ضرورة، فنحن في لبنان نتعرّض لحصار أميركي واضح المعالم. ثمة بنك مراسل واحد يتعامل مع لبنان خارج الحدود، وبالتالي اذا قرّر هذا البنك أن يوقف تعامله مع لبنان لا يمكن أن نشتري طاقة من أي بلد في العالم. هذا المصرف يستخدم في سياق الضغط الأميركي على لبنان لمنعه من محاسبة أي من المحتكرين في كافة القطاعات الإقتصادية وخصوصا شركات النفط التي تدور في الفلك الأميركي.

ويلفت ناصر الدين الى أنّ الموانع التي تقف في وجه العرض الإيراني معروفة داخليًا وخارجيًا، فنحن نتعرّض فعليًا لاجتياح اقتصادي حيث دخلنا في المرحلة الأولى للانهيار. وفق ناصر الدين، العرض الإيراني مقدمة لمواجهة اقتصادية ضد من يفرض حصارًا على لبنان خاصة أننا نعيش اليوم في الذروة القصوى للاجتياح الاقتصادي الأميركي "الإسرائيلي" على الاقتصاد اللبناني، يختم ناصر الدين حديثه.  

وبما أنّ استقدام النفط الإيراني بات أكثر من ضرورة لمصلحة لبنان وشعبه سيأتي حزب الله بالمازوت والبنزين من إيران قطعًا بعيدًا عن كافة أصوات النشاز التي تظهر هنا وهناك خدمة للمشروع الأميركي في لبنان.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل