خاص العهد
أرباح مستوردي "المستلزمات الطبية" لا تُصدّق!
فاطمة سلامة
كشفت الأزمة الأخيرة حجم الجشع والطمع والاستغلال الذي يخترق الكثير من القطاعات. كمية "الكارتيلات" التي تتحكّم في كل ما هو حيوي وضروري تجعل المواطن رهينة لجهات لا هم لها سوى الاحتكار، نعم، الاحتكار بهدف زيادة الأرباح وجعلها أضعافًا مضاعفة. هذه العقلية في التعاطي مع الملفات تدفع "الكارتيلات" الى استغلال أي أزمة حاصلة لصالحها. هذه "الكارتيلات" التي جنت أرباحًا لا تُصدّق في أيام الرخاء تبدو غير مستعدة بتاتًا للتضحية ولو بجزء يسير في أيام الشدّة. الكلام ينسحب على عدّة قطاعات تُمسك فيها شركات كبرى بلعبة الاستيراد فتجني أرباحًا غير مشروعة لا تبلغ ثلاثة أو أربعة أضعاف بل قد تتخطى العشرة أضعاف. قطاع المستلزمات الطبية واحد من القطاعات الذي جنت وعلى مدى سنوات طويلة أرباحًا تفوق قدرة البعض على التصور، اذ يُحكى في هذا العالَم عن هامش أرباح خيالية وغير منطقية. المستلزمات الطبية "المغروسة" واحدة من المستلزمات التي عجز العديد من المرضى عن تأمين ثمنها نظرًا لتحليقه ووصوله الى عتبات قياسية.
وانطلاقًا من هذا الواقع، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن القرار الجريء والاستثنائي والذي حدّد فيه سقفًا لأرباح المستلزمات الطبية "المغروسة" وفق شرائح واضحة. القرار الذي أُعلن عنه قبل أيام يضمن الجودة الفضلى بأسعار عادلة من مصادر مرجعية، ويحدد الحد الأقصى لربح المستورد والمستشفى. وبموجب القرار، ستقوم الجهات الرسمية الضامنة بإعادة تنظيم لوائحها بعد تسلم أسعار الاستيراد من وزارة الصحة لحوالى 35 ألف مغروسة طبية.
عراجي: الأرباح التي جنوها "مثل الكذب"
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي يُعلّق على قرار تحديد الأرباح بالإشارة الى أنّه قرار استثنائي ومهم جدًّا اذ ولأول مرة يُتخذ قرار من هذا النوع وبهذا الشكل. الأرباح التي جناها المستوردون من هذه المستلزمات الطبية "مثل الكذب" يقول عراجي. على سبيل المثال فإنّ "البرغي" الذي يتراوح سعره بين دولارين وأربعة دولارات يُباع بـ120 دولارًا. أحد المغروسات الطبية التي تستخدم في عمليات القلب يباع في الولايات المتحدة الأميركية بـ3200 دولار، وفي إيرلندا بسعر 7500 دولار والصين 600 دولار، أما في لبنان فالدولة تُسعّر للمستوردين "القطعة" بـ15500 دولار. وفق عراجي، فإنّ من يستورد من الصين يتقاضى المبلغ ذاته الذي يتقاضاه من يستورد من أميركا وإيرلندا. وعليه، فإنّ أرباح من يستورد من الصين تبلغ عشرين ضعفًا.
القرار مهم واستثنائي
في حديث لموقع "العهد" الإخباري، يستشهد عراجي ببعض الأمثلة التي تُبين حجم "الأرباح" غير المشروعة التي يجنيها هؤلاء المستوردون. يقول: " قبل أيام اضطر أحد النواب السابقين لشراء "بطارية" للقلب، وقد طلبت منه الشركة في لبنان مبلغ 26 ألف دولار، لكنّه تمكّن من استيرادها من الخارج بـ10 آلاف دولار فقط ليوفر 16 ألف دولار". وهنا يلفت عراجي الى أنّ أرباح الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية لا تقل عن 250 بالمئة. ومن هذا المنطلق، وضع وزير الصحة شطورًا للحد من الأرباح غير المشروعة.
يكرّر عراجي أنّ قرار وزير الصحة مهم واستثنائي لأنه يضع حدًا للتلاعب ولجني الأرباح الطائلة والتي بلغت أضعافًا مضاعفة، اذ يُلزم القرار المستورد اعتماد تسعيرة بلد المنشأ وعلى أساسها يتم تسعير المغروسة ما يخفّف عن القطاع الصحي والمواطنين، فبدل أن يشتري المواطن القطعة بما يفوق الـ15 ألف دولار يشتريها بـ4000 أو 5000 دولار.
عاصي: المستلزمات الطبية تباع وفقًا للأسعار التي حدّدتها الدولة
نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي تبرّر في حديث لموقعنا أرباح مستوردي المستلزمات الطبية بالإشارة الى أن هذه المستلزمات تباع وفقًا للأسعار التي حدّدتها الدولة. الدولة والضمان الاجتماعي حدّدتا أسعار هذه المستلزمات ولم يعملا على تحديثها منذ عشر سنوات. وفق عاصي، فإنّ الأسعار تغيّرت لكن الدولة لا تزال تطلب من الشركات وفقًا للسعر القديم. تتطرّق عاصي الى سعر "البرغي" فتوضح أنّ سعر "البرغي" تحدّده الدولة بـ112 دولارا، لكن يتم استيراده بـ4 دولارات بينما معدّل سعره الطبيعي بين الـ50 والـ60 دولارًا. وهنا تسأل عاصي: "من أعطى الاذن لهذا "البرغي" كي يتم إدخاله الى لبنان؟ وهل جرت مراقبة ما اذا كان "البرغي" مطابقًا للمواصفات أم بلاستيك أم أي شيء آخر؟.
وفي معرض حديثها، تلفت عاصي الى أنّ استيراد المستلزمات الطبية في لبنان يعود لعقود كثيرة. ثمّة شركات كبرى عمرها 50 عامًا، فيما يبلغ عدد الشركات المسجّلة في النقابة 142 شركة. هذا العدد يغطي 95 بالمئة من حاجة السوق، وفي المقابل ثمة ما يقارب الـ120 شركة برزت في العامين الأخيرين غير مسجلة في النقابة وتغطّي ما يقارب الـ5 بالمئة فقط من حاجة السوق.
سألنا عاصي: "ثمّة وجهة نظر تقول إنّ هذه الشركات التي جنت أرباحًا طائلة على مدى سنوات يجب أن تضحّي قليلًا في الأزمة الحالية، فأجابت: "تضحي بماذا؟ هل المطلوب منّا أن ندفع "فريش دولار" الى الخارج فيما ترفض الشركات الأم في الخارج إرسال المستلزمات قبل دفع فواتيرها من قبل مصرف لبنان؟. تسأل عاصي: أين أرباحنا؟ أليست في المصارف؟ لافتةً الى أنه عندما بدأت الأزمة كان لنا في ذمة الدولة 800 مليون دولار وقد أخذناها وفقًا لسعر صرف 1500 ليرة، وعليه يجب أن نجري حسابات الخسارة وليس الربح، وفق ما تقول عاصي.
يأتي القرار الاستثنائي كبارقة أمل في ظل أوضاع صعبة تعيشها مختلف القطاعات في لبنان، خصوصًا الصحية منها حيث تُمسك "الكارتيلات" بخناق مختلف القطاعات بعدما اخترقت السوق السوداء غالبيتها ووصل الاستغلال الى حد الدواء والمستلزمات الطبية.