خاص العهد
شيا وغريو و"الوصاية" على لبنان
قد يُسأل الشعب اللبناني عن أسماء سفراء دول عدة في لبنان فتخذلهم الذاكرة. أما حين يُسألون عن السفيرة الأميركية في بيروت فسرعان ما يُجيبون بـ"شيا". يحفظون عائلة دوروثي عن ظهر قلب. طبعًا ليس محبةً بها بل بسبب صولاتها وجولاتها وتدخلاتها السافرة بالشؤون اللبنانية. الأمر ذاته ينطبق على السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو التي تحذو حذو شيا. لا يهنأ بال لهاتين السفيرتين اذا لم تحشرا أنفيهما في كل شاردة وواردة في لبنان. هما أقرب لجواسيس من سفراء. تتقنان كل فنون الفتنة والخراب، فيما تبدو تصرفاتهما أبعد ما تكون عن "الدبلوماسية" التي تنعتان نفسيهما بها.
والمفارقة أنّ عاصمتي هاتين السفيرتين وتحديدًا واشنطن لطالما عاثتا فسادًا وتدخلًا سافرًا في لبنان، ويأتي اليوم من يوهمنا بأن "سفيرتي السلام" سافرتا الى السعودية تحت عنوان مصلحة لبنان. ثمّة محاولة "استغباء" مكشوفة وفاضحة لا تحتاج الى تفسير أو قراءة ما بين السطور. تجربة لبنان مع واشنطن تُبيّن أنّ بلاد "العم سام" لم تكن يومًا حريصة على مصلحة لبنان، بل كانت تعمل ما بوسعها لتدمير هذا البلد. مارست حصارًا وعدوانًا اقتصاديًا جائرًا لتجويع الشعب اللبناني، واليوم تُحاضر وزميلتها فرنسا بمصلحة لبنان، وتصدر في سبيل ذلك بيانات أقرب ما تكون الى محاولة حجب الشمس بالغربال.
قنديل: نعيش زمن الوصاية بالمعنى الحقيقي للكلمة
التدخل الأميركي-الفرنسي الفاضح في الشؤون الداخلية اللبنانية -ورغم أنّه يعود لعقود طويلة- إلا أنّه يبلغ اليوم مستويات متقدّمة تدير فيها الولايات المتحدة وفرنسا الفتنة بالأصالة لا بالوكالة. النائب السابق ناصر قنديل يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أننا نعيش زمن الوصاية بالمعنى الحقيقي للكلمة. نحن أمام نظام أمني قضائي سياسي اقتصادي أميركي-فرنسي يُمسك بخناق لبنان في العديد من الملفات: تشكيل الحكومة، المساعدات الخارجية، الجيش اللبناني، الحدود، ومنظمات المجتمع المدني. وفق قنديل، ثمة محاولة لاستثمار الخناق الناتج عن العقوبات وعن رعاية الفساد والهدر طوال ثلاثة عقود لوضع لبنان في مكان لا يجد فيه سوى مخرج واحد للحل يكمن في تلبية الشروط السياسية الاقتصادية والأمنية والقضائية التي تعيد هيكلة نظام على مقاس التطلعات الأميركية التي ترضى فيها فرنسا بالفتات.
لكنّ قنديل يستطرد بالإشارة الى أنّ وجود المشروع المذكور لا يعني بالضرورة أنّ لديه قابلية للحياة. وفق قنديل، على الدوام تقع تلك القوى الخارجية في خطأ الحسابات وما يحفزها أكثر للتحرك هو الشعور بالقلق والخطأ أمام المنافذ الجديدة والتي بيّنت أنّ الظروف تغيرت في وضع لبنان. الأخير باتت أمامه خيارات أخرى روسية وصينية وإيرانية، بمعنى أن أمام لبنان خيارات لتتحول الأزمة الى فرصة. وهنا يذكّر قنديل بالتحذيرات التي أطلقها المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان خلال إحاطته التي قدمها أمام الكونغرس في 17 تشرين الأول عندما قال إنّ لبنان في موقع استراتيجي على خطوط تماس دولية وإقليمية ولا يمكننا أن نتخلى عنه بينما يقف الروسي والصيني وراء الباب لتحين الفرص.
القناصل عاجزون..
من الواضح -برأي قنديل- أنّ حركة السفيرتين الأميركية والفرنسية هي محاولة تطويق. بتقديره، فإنّ الذعر الذي يعيشه المسؤولون في الدولة اللبنانية كأفراد هو ورقة القوة لدى واشنطن. برأيه، لو كان لدينا قادة لا يأبهون لما تفعله بهم أميركا على المستوى الشخصي لكانوا وقعوا منذ الأمس على اتفاقيات مع الصين وروسيا وإيران. للأسف، هذا ما يحول -برأي قنديل- بيننا وبين الانفراج الذي يُبقي على علاقة مع الغرب تحكمها موازين القوى الناتجة عن الخيارات المتعددة ومعادلة "اذا لم تأتوا فإنّ غيركم جاهز".
ويلفت قنديل الى أنّ هذه السفارات وهؤلاء القناصل عاجزون وفاقدو القدرة، لكن القوة التي تأتيهم اليوم ناتجة عن ضعف القدرة على اتخاذ قرار وطني. برأيه، هم لا يمكلون مصادر القوة فميزان القوى في المنطقة لم يعد لصالحهم، لكنه يبدو لصالحهم في لبنان فقط بسبب الخلل الجوهري الناجم عن تكوين الشخصيات الممسكة بحقل التوقيع في مؤسسات الدولة اللبنانية.
وفق قنديل فإنّ موازين القوى ليست لصالح أميركا في زمن المقاومة والتعددية في العالم، وفي زمن العرض الإيراني لموضوع المحروقات التي تشكل نصف الكتلة النقدية للدولار التي يستهلكها لبنان. وهنا يتطرّق قنديل الى الشق الاقتصادي قائلًا: "هل يتخيّل أحد أنّ ترفض دولة عرضًا للمحروقات يكفل انخفاض سعر صرف الدولار فيها من 20 الف ليرة الى 10 الاف ليرة؟!". برأيه، يستهلك لبنان سنويًا خمسة مليارات دولار بدل فيول ومحروقات. هذا المبلغ اذا ألغي من فاتورتنا للاستيراد فإنّه كفيل بخفض الدولار. وهنا يوضح قنديل أنّ مصرف لبنان يموّل مستوردات تفيض عن حاجة السوق اللبناني باعتماد طريقة مشبوهة في عملية الدعم لتغطية تصدير المواد المدعومة الى الخارج سواء بصيغة التهريب أو قبل وصولها الى لبنان دون مراقبة أو مساءلة. وفق قناعاته، فإنّ الدعم الذي يقوم به مصرف لبنان متعمّد ومشبوه وهدفه رفع سعر صرف الدولار لتصفية الديون مع المصارف وفقًا لسعر زهيد، فيما لا يقدر أحد على الوقوف في وجه هذا النهج خوفًا من العقوبات.