معركة أولي البأس

خاص العهد

ما الذي تخبئه لعبة
15/05/2021

ما الذي تخبئه لعبة "عزوف الحريري" وكلام خصومه عن مكلف آخر جاهز؟ 

ابرهيم صالح 

هل فعلا صار بامكان الرئيس المكلف سعد الحريري ان يبادر أخيرا الى العزوف والاستنكاف عن المهمة الصعبة التي تصدى لها طائعا ومختارا قبل اكثر من ستة اشهر؟ واستطرادا هل ان مسالة التداول باسماء بديلة عنه وفي مقدمها الرئيس نجيب ميقاتي أصبح مباحا ومتاحا؟

الرواية بدأت عشية وصول وزير الخارجية الفرنسية لودريان الى بيروت بأيام ثلاث على وجه التحديد، اذ حفلت حينها وبشكل مفاجىء وسائط الاعلام اللبنانية بانباء مفادها ان الحريري قد وضع على طاولة بحثه جديا خيار العزوف والانكفاء وانه بات زاهدا بهذه المهمة بعدما كان اعلن في الاشهر التي تلت تكليفه انه لم يتصد لهذه الدور لكي يعزف او يتراجع، وان كل ما يقال في هذا السياق انما هو جزء من حملة " الخصوم والمعرقلين والممانعين رؤيته عائدا الى المنصب الذي تركه في خريف عام 2019".

سريعا تبدى ان "الجهات الحريرية الهوى والانتماء" هي من روجت لمثل هذا الخيار الذي بدا لحظة ذيوعه دخيلا على التداول الاعلامي والسياسي.

ولاحقا وبعد " اللقاء المتوتر"، الذي لم يكن مدرجا اصلا على برنامج يارة الموفد الفرنسي، بين الحريري ولودريان سرت معلومات ووقائع تكشف أن مصادر بيت الوسط هي من بادر الى تعزيز هذا الخيار وتشريعه كخطوة استباقية ورسالة مشفرة قررهما الحريري عن سابق تصور وتصميم في وجه باريس من جهة وفي اتجاه الرياض من جهة اخرى.

ولم يطل الوقت حتى تكشفت الاحداث عن ان "شهر العسل" الذي ساد علاقة الحريري بادارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يوشك على الانتهاء ليحل محلها مشهد اخر مختلف لاسيما بعدما رفض الرئيس المكلف ان يتجاوب مع خطوة اعدت لها باريس لازالة الموانع الحائلة دون استيلاد حكومة جديدة في بيروت ومن ثم انطلاق قطار المبادرة الفرنسية المعطل، وفي الصدارة من هذه الخطوات الاعداد للقاء يجمع بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في العاصمة الفرنسية وبرعايتها، ذلك انطلاق من قناعة فرنسية جوهرها ان نجاح مثل هذه الخطوة يسقط الجزء الاهم من تلك الموانع وتنهي الاحتقان الحاصل في المشهد السياسي اللبناني. ولم تكن واقعة بلا اصول، ما ذكر سابقا عن ان باريس قد اعدت بتؤدة لمثل هذا الاجتماع وحددته زمنا ومكانا وان رئيس التيار البرتقالي ابدى كل استعداد ولكن الحريري ما لبث ان اعترض بعدما وعد بدرس العرض ايجابا.

 وفي المعلومات المتوافرة ان هذه الملاحظة السلبية على اداء الحريري ومسلكيته السياسية لم تكن الاولى من نوعها عند الادارة الفرنسية المولجة بالملف اللبناني، منذ ان وفد ماكرون الى بيروت بُعيد اقل من اسبوع على الانفجار المدوي في مرفا بيروت في آب/ أغسطس الماضي ، حاملا معه مبادرته الشهيرة بعناوينها المعروفة. اذ تراكمت منذ ذلك الحين ملاحظات عدة قادت لاحقا الى ترسخ قناعة لدى تلك الادارة فحواها ان جزء لايستهان به من اسباب تعطل هاتيك المبادرة يعود الى رغبات مكتومة لدى الحريري بالحيلولة دون ترسخ فرضية ان بالامكان تاليف حكومة في بيروت من دون ان يراسها الحريري او يسمي هو شخصيا من ينوب عنه ولأجل مسمى على غرار ما حصل ابن تكليف الرئيس تمام سلام قبل اعوام .

اما الرسالة التي اراد الحريري ان تصل الى الرياض فتلك ولا ريب " شرح يطول وتفاصيل ومحطات مملة". اذ لم يعد ضربا من التكهن ان العاصمة السعودية ترفض تامين "غطاء" لعودة آمنة ومثمرة "لرجعة الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة، لاعتبارات عدة تعود جذورها الى عام 2017 وتحديدا الى حاثة احتجاز حرية الحريري ومن ثم اجباره على تقديم استقالة متلفزة ببيان معد سلفا".

ومنذ ذاك الوقت رفضت هذه العاصمة التجاوب مع محاولات وجهود مكثفة بذلها الحريري مباشرة وبواسطة سعاة خير لكي تعيد الرياض فتح ابوابها الموصدة باكام في وجه وريث زعامة الحريرية السياسية. 

وفي الموازة ثمة من لديه تفسير وتحليل آخر فحواه ان الحريري كان يعرف اساسا بمدى صعوبة اقتناع الرياض بفتح صفحة جديدة في العلاقة معه او منحه بركتها اذا ما ضمن عودته الى سدة الرئاسة الثالثة.

لكنه مع ذلك عطل بدهاء ـ ومنذ ان قدم استقالة حكومته الاخيرة تحت وطاة حراك الشارع ـ كل المحاولات التي جرت من الداخل والخارج لتسمية بديل عنه، ليضمن عودة آمنة الى هذا المنصب، وليصير لاحقا امرا واقعا فيعيد وصل ما انقطع مع الادارة السعودية الحالية وسيدها الامير محمد بن سلمان.

ما الذي تخبئه لعبة "عزوف الحريري" وكلام خصومه عن مكلف آخر جاهز؟ 

لذا فان الهم الرئيس للحريري منذ ان وضع في جيبه التكليف، الذي انتزعه انتزاعا، قد انصب لتحقيق هذه الغاية حصرا ولاسيما بعدما وسّط باريس وابوظبي اللذان تبين لاحقا ان تلك الوساطة على رغم بلاغتها قد اصطدمت بـ"صخرة " امتناع بن سلمان على اعادة مد الجسور معه.

وثمة بطبيعة الحال من يزعم بان الحريري كان يدرك سلفا حجم "الاعتراض الداخلي" على عودته الى السرايا الحكومية في وسط العاصمة خصوصا بعدما ارتد على "التفاهم الرئاسي" وبدلأ "حربا ضروس" ضد العهد وتياره الحاضن وكان يعي في الوقت عينه الاعتراض السعودي الثابت على تلك العودة ، لكنه مضى قدما في ما بدا انه "مغامرة من طبيعة انتحارية" بناء على جردة حسابات وتوقعات في مقدمها:

ـ ان ثمة اطراف داخلية من مصلحتها "الاستشراس "لضمان عودته وبقائه .
ـ ان ثمة نصيحة تلقاها من الدائرة الضيقة من صفوة مستشاريه وفحواها ان "الانسحاب" من العودة الى الرئاسة الثالثة معناها خسائر كبرى لا تعوض ومن ضمن احتمالاتها الابعاد الدائم.
ـ ان الحصول على التكليف ورقة مهمة قد تفتح له باب الحصول على الرضا الاميركي فيكون تعويضا قويا  عن غياب الدعم السعودي وهو ما لم يتحقق لحد الان
ـ انطلقت تلك الدائرة في تشخيصها لاحتمالات المشهد ان ثمة مرحلة من التسويات السياسية في الاقليم تفرض نفسها مع الادارة الاميركية الجديدة وبالتالي فان "التكليف" بحد ذاته ورقة صلبة للعبور المضمون  الى طاولة التسوية تلك وضمان الحصول على  "حصة معينة " او جائزة ترضية .
ـ في الوقت عينه تبقى ورقة التكليف عينها وفي اضعف الاحتمالات "وصفة " كامنة ومحتملة للعودة الى الرياض او لكسب رضاها.

وبناء على كل تلك المقدمات والحسابات قدم الحريري تشكيلته الحكومية الاولى والاخيرة (18 وزيرا ). ومع انه كان يعي سلفا انه يصعب ان تلقى قبولا داخليا تحتاجه لكنه ارادها ان تكون احدى عوامل جذب رضا الرياض لانها تخلو تماما من اي تمثيل لقوى تدرجها الرياض تلقائيا في خانة "القوى المعادية ".

وبعدما سدت كل الخيارات والسبل امام الحريري واستنفذت جولاته الخارجية غاياتها وخاض ما يمكن ان يخوضه من "اشتباكات" داخلية لتبرير موقفه العاجز، فان الرجل شاء من خلال التلويح بورقة العزوف ان يحدث عاصفة من الارباك في الساحة اللبنانية وان يلفت انتباه عواصم خارجية معنية عسى ولعل يستولد ذلك مشهدا مختلفا يخرج به من حال المرواحة.

واذا كان الحريري اراد ورقة "العزوف" مناورة في وجه الخصوم والحلفاء على حد سواء لاسينما وان ثمة قوى في الداخل سارعت الى اعتباره "ضرورة " لا يستغنى عنه ولا تستقيم امور الداخل من دونه، فان خصومه سارعوا الى الرد بمناورة اخرى جوهرها: ان البديل جاهز وهو الرئيس نجيب ميقاتي خصوصا ان الرجل سبق وقدم صيغة تشكيلة حكومية لها مقبولية وشرعية ( صيغة التكنوـ سياسية ) فضلا عن مزية اخرى فحواها ان الرجل المرشح ينال رضا داخليا وقبولا خارجيا وهو ما لم يتوفر للحريري حتى الان.

حتى الان الامر لا يتعدى "المناورات المتبادلة " ولكن الاكيد ان لا الحريري بمقدوره العودة الى استنساخ تجربة الاشهر التي تلت تكليفه ولا القوى الاخرى ستظل متمسكة بالخيارات عينها لذا لابد من خوض غمار تجارب اخرى.

محمد بن سلمانسعد الجبريايمانويل ماكرون

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
ابن سلمان: السعودية لن تدخل في أيّ علاقات مع "إسرائيل" دون إنهاء القضية الفلسطينية
ابن سلمان: السعودية لن تدخل في أيّ علاقات مع "إسرائيل" دون إنهاء القضية الفلسطينية
السعودية تنقض التزاماتها الدولية.. ثالث حكم إعدام خلال أسبوعين
السعودية تنقض التزاماتها الدولية.. ثالث حكم إعدام خلال أسبوعين
بالرغم من العدوان على غزّة.. السعودية ماضية في محادثات التطبيع
بالرغم من العدوان على غزّة.. السعودية ماضية في محادثات التطبيع
قلق سعودي.. لهذا يطلب ابن سلمان معاهدة دفاعية من واشنطن
قلق سعودي.. لهذا يطلب ابن سلمان معاهدة دفاعية من واشنطن
مقابلة محمد بن سلمان ومسار التطبيع
مقابلة محمد بن سلمان ومسار التطبيع
هل تتمّ التسوية بين ابن سلمان والجبري؟
هل تتمّ التسوية بين ابن سلمان والجبري؟
 إدارة بايدن تدخل على خطّ قضية سعد الجبري
 إدارة بايدن تدخل على خطّ قضية سعد الجبري
ماذا في آخر مستجدات مساعي تشكيل الحكومة؟
ماذا في آخر مستجدات مساعي تشكيل الحكومة؟
الجبري يتهم ابن سلمان بمحاولة استدراج ابنته
الجبري يتهم ابن سلمان بمحاولة استدراج ابنته
تطوّرات جديدة في قضية اتّهام ابن سلمان بمُحاولة اغتيال الجبري
تطوّرات جديدة في قضية اتّهام ابن سلمان بمُحاولة اغتيال الجبري
بزشكيان للرئيس الفرنسي: إيران تحتفظ بحقها في الرد المناسب على جرائم الصهاينة
بزشكيان للرئيس الفرنسي: إيران تحتفظ بحقها في الرد المناسب على جرائم الصهاينة
بزشكيان: الكيان الصهيوني يتحمّل التداعيات المهولة لأي هجومٍ على لبنان
بزشكيان: الكيان الصهيوني يتحمّل التداعيات المهولة لأي هجومٍ على لبنان
قُبيل الانتخابات التشريعية في فرنسا.. شعبية ماكرون تنخفض واليسار يتحدّ
قُبيل الانتخابات التشريعية في فرنسا.. شعبية ماكرون تنخفض واليسار يتحدّ
رسالة تحذيرية من ماكرون إلى لبنان.. ولودريان في بيروت اليوم
رسالة تحذيرية من ماكرون إلى لبنان.. ولودريان في بيروت اليوم
الخلاف المتفاقم ما بين اليسار والدولة في فرنسا 
الخلاف المتفاقم ما بين اليسار والدولة في فرنسا