خاص العهد
من "حصرم نيسان" الى "لن نجوع".. وما بدّلوا تبديلا
ليلى عماشا
وكان واضحًا أنّ الصهاينة بصدد حرب متواصلة تبدأ بتوسيع دائرة "العمليات العسكرية" بحسب شيمون بيريز رئيس حكومة العدو آنذاك، فالاعتداءات قبلها كانت مستمرة لا سيّما على القرى المحاذية للشريط الحدودي.. لكن في ١١ نيسان، أمكن لكلّ أهل الجنوب أن يدركوا أن الأصوات المتتالية التي تجتاح صباحهم لا تشبه ما اعتادوا سماعه من اعتداءات سابقة، وأنّها تشكّل مقدّمة لأيّام صعبة.. أيّام ستضمّ إلى قائمة الوحشية الصهيونية مجازر جديدة، وستجعل الأرض تهتز تحت جبروتهم..
وأراد الصهاينة يومها "حربًا مفتوحة" لا تستثني أيّ مكان في لبنان كي تقضي على المقاومة، كما قال ايهودا باراك في ذلك الحين: "لا يوجد مكان في لبنان بمنأى عن هجماتنا. يجب أن نتحرك من أجل ضرب حزب الله واقناع الحكومة اللبنانية بالحاجة إلى التحرك ضد حزب الله".
بدون إطالة، لم يستطع العدو بالحرب العسكرية التي اعتبرتها الولايات المتحدة الأميركية على لسان رئيسها بيل كلينتون "دفاعًا عن النفس" إلى تفكيك بنية حزب الله سبيلًا، ولم يصل إلى مبتغاه في شرخ بين منظومة المقاومة وبين بيئتها كما فشل في عزل المقاومة دوليًا واقليميًا وأمكنه أن يرى نتائج فشله ملموسة في حجم التضامن العابر للحدود مع الحق بالمقاومة.. شيئًا فشيئًا تحوّلت مشكلته ببطاريات صواريخ الكاتيوشا إلى تهديد ينذر بزواله اسمه "الصواريخ الذكية" وتحوّل خوفه على المستوطنات الشمالية إلى رعب يهدّد وجوده على كلّ الأرض الفلسطينية.. في نيسان ١٩٩٦، بدأ الصهيوني بتحسّس قرب نهايته وبزوال وهم "قوّته" التي لا قوة تقارعها في المنطقة.
خمس وعشرون سنة، ربع قرن على نيسان ١٩٩٦، راكمت فيها المقاومة الإسلامية في لبنان الكثير من الأحداث العظيمة ولا سيّما على صعيد العسكر.. من تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠ ونصر تمّوز-آب ٢٠٠٦ الذي غيّر وجه الدنيا إلى الحرب على الإرهاب التكفيري في سوريا والعراق التي أعادت رسم خريطة المنطقة بما يكسر كل الخرائط التي وضعها الاستعمار في خدمة وجود آمن لقاعدة له في فلسطين. و٢٥ سنة ولم تتغيّر أهداف الربيبة الأميركية في المنطقة: كسر بنية حزب الله والمقاومة لكونها الخطر الفعلي والحقيقي على وجود "اسرائيل"، عزل المقاومة عن ناسها وتحريك "السلطة" في لبنان ضد حزب الله.. الحرب مستمرة إذًا وان اتخذت اليوم أشكالًا جديدة: حرب اقتصادية.
بكلام آخر، ما عجزت عنه الآلة العسكرية منذ ما قبل نيسان ١٩٩٦، ما زال على رأس قائمة الأهداف الأميركية في المنطقة، والوسيلة اليوم حصار اقتصادي بمساعدة أدوات محلية؛ تجويع وافقار يهدف إلى تحريض الناس على سلاح المقاومة.
ربما لم يكن بحسبان الأميركي أن الحزب الذي صان بالدم العزيز الناس على اختلاف انتماءاتهم وأهدى النّصر الذي صنعه بالروح المقاوِمة للجميع، هو جاهز ليقاوم اقتصاديًا ويصون الجميع بكلّ امكاناته.
كذلك أغفل الأميركي، الموهوم بفعل عنجهيته، حقيقة أن الناس الذين يتسابقون لتكون حبات عيونهم درعًا يردّ عن سلاح المقاومة "كيد العِدا" لن ينسلخوا عن المنظومة التي تحمل هذا السلاح مهما ازداد حجم الضغط المعيشي.
خطة المواجهة الاقتصادية التي وضعتها المقاومة وبدأت بالدخول حيّز التنفيذ هي اليوم منصّة "كاتيوشا" تصدّت في نيسان ١٩٩٦، وهي زغرودة "الحمدلله لي تحررنا" في أيار ٢٠٠٠ وهي خارطة القتال في مارون الراس وفي بنت جبيل في تموز ٢٠٠٦.. وهي تعادل أيضًا خطّة من خطط "أسرار التحرير الثاني".. ولهذا، يحاول الأميركي عبر أدواته تشويهها قبل أن تكتمل وقبل أن تُعلن عبرها هزيمته النهائية في المنطقة.
والصبر المطلوب اليوم كأداة مواجهة هو نفسه الصبر الذي صنع انتصارات المقاومة.. فمَن احتمل وجع قانا الذي ما زال يقطر من الذاكرة دمًا وغضبًا، لن تصعب عليه مرحلة "اقتصادية" مرّة.. قد لا يعي الأميركي هذه الحقيقة لأسباب تتعلّق بأوهامه، ولكن من المعيب أن يكون بيننا من لا يعي هذه الحقيقة.. وقد لا يفهم الأميركي خلفية الناس في تمسّكها بسلاح المقاومة وبدورها المحوري في الصراع، لكنّه من المعيب جدًا أن يعجز عن فهم هذه الخلفية من كانوا يومًا في ظلّها واليوم يدعون للحياد بحجة "وجع الناس"..
اليوم، في أجواء نيسان ٢٠٢١، العدوان تجدّد وإن بأدوات مختلفة. وأقل الواجب منّا جميعًا هو المواجهة بأدوات تناسب شكل العدوان وصولًا إلى ردّ صاع الهجوم بألف صاع يفكّك المشنقة الأميركية عن عنق اقتصاد البلد.. ولا تُقال إلا بصوت السيّد الأمين: "مش رح نجوع، ونحن حنقتلك".