خاص العهد
مواجهة الفساد: الحكومة الالكترونية..لخدمات بلا رشاوى
فاطمة سلامة
من منا لا يحسب ألف حساب لأي معاملة رسمية يسعى إلى إنجازها. حساب لزحمة السير التي باتت شراً لا بد منه. وآخر للوقت الضائع في الإدارات الرسمية وسط زحمة المواطنين، ما يحتّم حكماً الحصول على إجازة. حساب لتنقل المعاملة بين الطوابق "من هالك لمالك ل.."، حسب ما يقول المثل الشعبي. وآخر للإكراميات والمحسوبيات والرشاوى التي تُعبّد الطريق أمام من يقف في آخر طابور الانتظار ليصبح وبسحر ساحر في المقدّمة يُنجز المعاملة. كما يجد المواطن نفسه مضطراً للانتظار ساعات في ظروف غير ملائمة، تعلوها الفوضى والازدحام.
أمام هذا الواقع تبدو الحاجة ملحة الى تطبيق نموذج الحكومة الالكترونية في لبنان. هذا النموذج المُطبّق في الكثير من بلدان العالم، لا يُعد ترفاً. إنه ضرورة وطنية وبديهية في أي نظام يسعى لتلبية حاجات مواطنيه. ومن هذا المنطلق، أدرج تنفيذ الحكومة الالكترونية في الادارات والمؤسسات العامة حيث ما أمكن، تمهيداً لإقرار الاستراتيجية الشاملة للتحول الرقمي، أدرج كبند رابع من ضمن الإصلاحات الهيكلية في متن البيان الوزاري. وبطبيعة الحال، فإنّ البحث في هذا الأمر ليس جديداً. الحكومة اللبنانية ناقشت هذا الموضوع منذ أكثر من عقد، ووضعت الإطار التشريعي اللازم له في عهد وزير التنمية الإدارية الأسبق محمد فنيش الذي يؤكّد لموقع العهد الاخباري أهمية الحكومة الالكترونية التي تأخّر لبنان في إنجازها، لما تحمله من انعكاسات مهمة على الواقع اللبناني تتمثّل بالآتي:
- تخفيف حضور المواطنين الى الادارات الرسمية، ما يخفف ضغط السير باتجاه الادارات ويقلص الشكاوى من الابتزاز والاغراءات
-سرعة إنجاز المعاملة وتخفيف الأعباء والتكاليف على المواطنين
-تمكين المواطن من الحصول على حقوقه دون الحاجة الى تدخلات خارجية
ويُشدد فنيش على أنّ إنجاز هذا النوع من الحكومات لن يتم في شهر وسنة، فالقضية تحتاج بعض الوقت، لكننا قادرون خصوصاً أننا أنجزنا الجانب التشريعي المتمثل بإقرار قانون المعاملات الادارية، قانون الرقم الموحد، قانون التبادل البيني بين الادارات، موضحاً أن الموضوع يحتاج بعض المستلزمات بحيث يتم تجهيز كل ادارة من الادارات لاستقبال هذا النوع من المعاملات، كما يحتاج الأمر الى استحداث مصلحة ومديرية في كل إدارة، وهذا اقتراح قانون موجود في مجلس النواب ينتظز الاقرار.
عز الدين..لحكومة رقمية
وزيرة الدولة السابقة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين، تذهب أبعد من مفهوم الحكومة الالكترونية. من وجهة نظرها، علينا تطبيق مفهوم الحكومة الرقمية، فالعالم بأكمله يتوجّه نحو التحول الرقمي نظراً لثورة الاتصالات والمعلوماتية، الثورة الصناعية الرابعة. وبالتالي فإنّ كل وسائل الإدارة تغيّرت، حتى مفهوم العمل والإقتصاد، وهناك توقعات، بأن يشكّل الاقتصاد الرقمي للدول حوالى 22 بالمئة من عام 2022، و45 بالمئة من عام 2050
.
وقد أودعت عز الدين مجلس الوزراء في نيسان/ابريل 2018 "الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي" بالتشاور مع الوزارات. هذه الاستراتيجية تنتظر إقرارها من قبل الحكومة لإحداث نقلة نوعية في البلد على صعد عديدة على رأسها الإدارة والإقتصاد، وفق ما تؤكّد عزالدين لموقع العهد الإخباري. وتشدد على أنّ فكرة الحكومة الرقمية تفتح آفاقاً كبيرة جداً أمام ليس فقط الاقتصاد اللبناني، بل أيضاً تشكّل مقدمة لمحاربة الفساد المتأتي عبر الرشاوى والاكراميات. فكل الخدمات في العالم باتت "أونلاين". أي خدمة باستطاعة المواطن التقدم للحصول عليها عبر صفحة مشتركة لكل المراكز الحكومية، بعيداً عن "السمسرات" وزحمة السير و"تضييع الوقت"، سواء للمتواجدين داخل لبنان أو خارجه.
وتُلخّص عز الدين أهمية الحكومة الرقمية انطلاقاً من إصرارها على ضرورة أن تكون أبعد من الكترونية، تلخصها بالآتي:
-لخدمة المواطن، بحيث تمكنه من إنجاز معاملاته الكترونياً
-لتنمية مهارات المواطن لإكسابه المعرفة بحيث تعمل الحكومة بكافة وزاراتها كمؤسسة مترابطة وموحدة مع بعضها البعض
-تعزيز الشفافية بعيداً عن "السمسرات"
-تحسين بيئة الأعمال بحيث تتحوّل الحكومة الى أداة تمكين ديمقراطية عبر تفعيل قانون حق الوصول الى المعلومات
وفي خضم حديثها عن الحكومة الرقمية، تتناول عز الدين أهمية الاقتصاد الرقمي الذي يفتح آفاقاً واسعة للشباب للدخول الى العالم الواسع، انطلاقاً من حس الابتكار والمهارات. كما أنه يساعد على خلق فرص عمل، وهذا يتطلب بنية تحتية تؤمن البيانات التي باتت تشكّل "بترول العصر الحديث". تتناول هذه النقطة لتشير الى أهمية إتاحة "الداتا " أمام المواطنين عبر منصة الحكومة الرقمية التي تأمل إقرار استراتيجيتها في الحكومة الجديدة، بعدما أشبعت بحثاً ودرساً مع هيئات دولية، وفي ظل إبداء العديد من الجهات استعدادها لتبنيها وتمويلها. تختم عزالدين كلامها بالتشديد على أهمية تواجد الارادة السياسية للانتقال بلبنان الى عصر الحكومة الرقمية تماشياً مع الثورة التي يشهدها العالم.
بدران.. نسخة افتراضية عن الحكومة الحقيقية
مدير مركز دراسات الحكومة الإلكترونية الأستاذ عباس بدران يتحدّث للعهد عن أهمية الحكومة الالكترونية، فيوضح بدايةً أن لا فرق جوهري بين مسميات الحكومة الالكترونية والرقمية والذكية، فكل المصطلحات تؤدي الغرض نفسه. جميعها يقوم على تقديم الخدمات الحكومية على اختلافها، عبر الوسائط الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا، وأهمها الإنترنت وشبكات الاتصالات".
ويُعرّف المتحدّث الحكومة الإلكترونية بأنها "النسخة الافتراضية" عن الحكومة الحقيقية، أو "الواقعية"، مع فارق يتمثّل في "أن الأولى تعيش في الشبكات وأنظمة المعلوماتية والتكنولوجيا الرقمية، تحاكي وظائف الواقعية التي تتواجد في شكل مادي في أجهزة الدولة". ويُقدّم بدران -وهو صاحب كتب ثلاثة عالجت موضوع الحكومة الالكترونية- يقدّم لمحة سريعة عن تاريخ هذا النوع من الحكومات، والذي افتتحته الولايات المتحدة الأميركية في أواخر التسعينيات، ليلمع نجم سنغافورة في هذا المجال أوائل عام 2000، إذ برزت الحاجة الى هذا النوع من النماذج مع الثورة الكبيرة في عالم الانترنت.
وقد قسمت الحكومة الالكترونية -وفق بدران- الى عدة أقسام مهمة وأساسية:
-الخدمات الالكترونية لناحية كل ما يتعلق بإنجاز المعاملات الحكومية (جواز سفر-فواتير...)
-الإدارة الالكترونية لجهة كل ما يتعلّق بالوزارات والمؤسسات الرسمية ما يمكّنها أن تكون فعالة أكثر بأشواط من الطرق اليدوية، وأكثر شفافية لناحية محاربة الفساد
-الديمقراطية الالكترونية وحق محاورة الرأي العام بحيث تصبح صلة وصل بين الدولة والشعب
-تطوير القوى الحكومية العاملة الكترونياً بحيث لا نستطيع إنجاز حكومة الكترونية بلا كادر مؤهل ويتمتع بكفاءة تحقق الأهداف
ويتطرق بدارن الى نقطة هامة جداً في رحاب الحكومة الالكترونية، تتعلّق بدورة التوفير التي تحققها الحكومة الالكترونية لناحية التخفيف من المعاملات اليدوية، وتقليص المراكز الجغرافية والمنشآت والايجارات، والاستعاضة عنها بمراكز افتراضية، فضلاً عن توفير فواتير الكهرباء والمياه، ناهيك عن أن الانتاجية تتضاعف عشرات المرات، ما يُوفّر على خزينة الدولة ملايين الدولارات سنوياً.