خاص العهد
أسعار المحروقات تتّجه صعوداً: هل من رؤى للتخفيف عن المواطن؟
فاطمة سلامة
تُسجّل أسعار المحروقات في لبنان ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية العام الجاري. ثمّة زيادات مُقلقة شهدها جدول الأسعار في الأسبوعين الماضيين. ذلك الجدول من المرشّح أن يشهد المزيد من "القفزات" في الأسابيع المقبلة وسط تعدد الدوافع لذلك. فبالإضافة الى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ثمّة مخاوف جدية من رفع الدعم. النقطة الأخيرة لو حدثت بلا إجراءات وتدابير بديلة سيجعل سعر المحروقات أضعافا مضاعفة. وكل ذلك، يترافق مع ارتفاع عالمي بسعر برميل النفط وسط توقع بنك "غولدمان ساكس" بلوغ سعر برميل نفط برنت 75 دولاراً بحلول الربع الثالث من العام الجاري. وفي السياق، أجرت "الدولية" للمعلومات دراسة أشارت فيها الى أنّه في حال رفع الدعم وارتفع الدولار إلى أكثر من 9,000 ليرة، وارتفعت الأسعار عالمياً، فإن سعر صفيحة البنزين سيصل إلى 100 ألف ليرة وربما أكثر، الأمر الذي -إن حصل- سينبئ بتداعيات خطيرة على مختلف الصعد.
فغالي: أسعار النفط العالمية تشهد ارتفاعات متتالية
المديرة العامة لمنشآت النفط في وزارة الطاقة والمياه أورور فغالي توضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أسباب ارتفاع جدول أسعار المحروقات، فتلفت الى أنّ أسعار النفط العالمية بحسب نشرات "Platts" تشهد ارتفاعات متتالية، فبعد أن كان سعر البرميل 50 دولاراً يلامس اليوم الـ65 دولاراً، وسط توقعات بوصوله الى عتبة الـ70 دولاراً هذا الشهر. هذا العامل يسهم في ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، يُضاف اليه عامل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فكما نعلم هناك 90 بالمئة من الأسعار يصرفها مصرف لبنان وفقاً لدولار الـ 1507، و10 بالمئة تُدفع وفقاً لسعر السوق السوداء. عملياً، كان سعر الصرف يتراوح بين الـ8000 والـ8300 ليرة، أما في الأسبوع الأخير فقد بات سعر الصرف 9300 ليرة للدولار الواحد. وعليه، كلما زاد ارتفاع سعر صرف الدولار ستتأثر أسعار المشتقات النفطية.
لا نتدخّل مطلقاً في عملية التسعير
سألناها: لكنّ البعض يرى أنّ الارتفاع في الأسعار أكثر من الارتفاع الحاصل في سعر صرف الدولار والأسعار العالمية، فأجابت فغالي: " نحن لا نتدخل بهذه العملية، جُل ما نقوم به أننا نُدخل الأسعار على برنامج موجود لهذه الغاية، فنحتسب سعر "Platts" وسعر صرف الدولار وفقاً لسبعة أيام مضت، فيما يحتسب البرنامج بمفرده الأسعار". تعود فغالي لتشدد على أننا لا نتدخّل مطلقاً في عملية التسعير.
في حال أوقف مصرف لبنان الدعم سينطبق علينا ما ينطبق على القطاع الخاص
ورداً على سؤال حول ما اذا كانت الدولة ستعمد الى زيادة استيراد المحروقات في حال ارتفع سعر المحروقات أكثر وتذرع المستوردون بغلاء الأسعار، تجيب فغالي: " اذا أرادت الدولة استيراد البنزين وأوقف مصرف لبنان تصريف الدولار وفقاً لـ1507، سيكون السعر علينا كدولة تماماً كالسعر على المستوردين اذا ما كان سعر "Platts" عالياً، وسعر صرف الدولار كذلك". برأي فغالي، عندما أستورد كدولة من الخارج فسعر "Platts" بالنسبة لي كالسعر بالنسبة للمستورد الخاص، وفي حال أوقف مصرف لبنان تصريف الدولار وفقاً لـ1507 سأضطر لتصريف الدولار كدولة في السوق السوداء، وعليه ينطبق على القطاع العام ما ينطبق على القطاع الخاص، فالمصروف ذاته على الجميع، بدليل أنّ السعر الرسمي للمازوت الذي يباع في المنشآت يتم تحديده استناداً للأسعار العالمية وسعر الدولار لـ10 بالمئة فقط منه، لكننا نبيع نحن كدولة المازوت بالسعر الذي يبيعه القطاع الخاص.
وفي سياق حديثها، تلفت فغالي الى أنّني كمديرية عامة للنفط أطبّق ما تتخّذه الحكومة، لافتةً الى أننا نفعل المستحيل ونعقد الاجتماعات، إلا أنّ الأهم -برأيها- هو تخفيض الدعم لإيقاف التهريب الحاصل، فنحن منذ فترة نقول إن وجود الدعم يسهم في تهريب المحروقات لأنّ السعر في لبنان أقل من السعر في سوريا بكثير، ما يفتح أبواب التهريب، لكن القرار في ذلك يعود للحكومة مجتمعةً، تختم فغالي.
فياض: قد يصل سعر صفيحة البنزين الى المئة ألف ليرة
لدى سؤال نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط جورج فياض عن مستقبل أسعار المحروقات وما اذا كنا سنشهد المزيد من الارتفاع، يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى ما سبق أن أكّدت عليه فغالي. الأسعار ترتبط بجملة عوامل. ثمة عاملان أساسيان، أول داخلي وثان خارجي يؤثران على تركيبة جدول أسعار المحروقات صعوداً وهبوطاً. في حال ارتفع سعر برميل النفط عالمياً "لا مهرب" من ارتفاع السعر المحلي، فبرميل النفط عالمياً لامس حالياً الـ65 دولاراً، وكلما ارتفع ستتجه أسعار المحروقات صعوداً. تماماً، كما تتأثر الأسعار بمسألة سعر صرف الدولار في لبنان، خاصةً أنّ الـ10 بالمئة من الأسعار غير المدعومة تُحتسب حالياً على أساس سعر الصرف في السوق السوداء أي الـ9300 ليرة للدولار الواحد.
أما في حال جرى رفع الدعم، فسنكون أمام مشكلة جديدة، يقول فياض. أسعار المحروقات ستحلّق بعيداً. برأيه، قد يصل سعر صفيحة البنزين الى المئة ألف ليرة في حال رفع الدعم وفق الظروف الحالية. وفي ما يتعلق بالاستيراد، يوضح فياض أنه في حال توقّف مصرف لبنان عن دعم شراء المشتقات النفطية بنسبة 90%، حينها سنكون أمام مشكلة كبيرة لأننا مضطرون لـ"الركض" وراء الدولار لتجميعه لاستيراد المحروقات. السعر حينها سيكون بمجمله وفق الدولار خاصة أنّ كمية الاستيراد ليست قليلة ومعدّل الاستيراد السنوي يبلع حوالى الملياري دولار. وعليه، يرى فياض أنه في حال اتخذ القرار وكان لا بد من رفع الدعم، على الدولة أن تتتخذ الإجراءات المناسبة لمساعدة الناس والوقوف الى جانبها.
ما الإجراءات المطلوبة للتخفيف عن المواطن؟
لا يرى الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة حلاً للتخفيف عن المواطن وسط ارتفاع أسعار المحروقات سوى بترشيد الدعم. برأيه، هناك كلفة لا يمكن الهروب منها وسط ارتفاع الأسعار العالمية وعدم قدرة الدولة على مواصلة الدعم. خياران أمام الدولة لا ثالث لهما؛ فإما أن تستنفد الدولة كل ما لديها من دولارات أو تخفّف الدعم تدريجياً. وهنا يشدّد حبيقة على ضرورة ترشيد الدعم، فلا يحلمنّ أحد أن الأسعار ستبقى كما هي لأنّ ذلك يعني أن نستنفد كل ما لدى مصرف لبنان من احتياطي أي المس بأموال المودعين. الحل -بنظره- يكمن في عدم استفادة كل الناس من سعر النفط المدعوم، والانتقال الى البطاقة التموينية ليستفيد الفقير فقط.
ويعود حبيقة ليشدد على أنّ الرؤية السليمة تكمن في الغاء طريقة الدعم الموجودة والاعتماد على البطاقة التموينية حيث يشتري الفقير عبرها صفيحة البنزين بالسعر الجديد دون أن يشعر بعبئه، فيما يشتري الميسور الصفيحة دون الاستفادة من الدعم، وعليه تدعم الدولة الفقير لا الغني والفقير معاً.