خاص العهد
في مجلس النواب.. الكثير من العبث!
لطيفة الحسيني
جلسة الثقة، هي الموعد المنتظر للحكومة في ساحة النجمة، إمّا منحها أو حجبها أو ربّما الامتناع عن إعطائها. في مجلس النواب، التقى النواب والحكومة الجديدة لمناقشة البيان الوزاري. جولةٌ صباحية أولى تضمّنت سلسلة مداخلات رتيبة، خرقها خطابٌ ارتجالي لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله الذي فصّل فسادًا مستشريًا في السلطة على صعيد أموال اللبنانيين وأداء الوزراء وتواقيعهم غير المجانية وصولًا الى أسعار الكهرباء المنخفضة والمقدّمة من الجمهورية الإسلامية فضلًا عن ضرورة التحكم بآلية التفاوض حول القروض المعروضة على لبنان.
صحيحٌ أن الحضور كان شبه مكتملٍ في أولى جلسات مناقشة البيان الوزاري، لكن سلوك أصحاب" السعادة" و"المعالي" في قاعة البرلمان لا يُشير الى جدية كبيرة في التعاطي مع طروحات الحكومة الجديدة وما جاء على لسان رئيسها سعد الحريري بعد تلاوة بيانه. من يُراقب النواب يشعر وكأنهم مُعاقبون على يومين، بل مجبرون على الجلوس والاستماع الى مطوّلات تكرّر ما كان يردّده الأسلاف. المشهد نفسه اذًا لكن بوجوهٍ جديدة.
قد لا تكون الصورة مُشابهة عند بعض النواب. هناك من لم يكلّ من تدوين الملاحظات وتسجيل نقاطٍ يُمكن أن يُضمّنها لاحقًا في كلمته. النائب اللواء جميل السيد الذي اعتاد على جلب قلمين أحمر وأزرق ومجموعة من الأوراق، لم يملّ من كتابة ما يودّ تذكّره. لم يكتفِ بذلك، بل صوّر لقطات بهاتفه لمداولات الجلسة. للسيّد زملاء لا يستخفون بالجلسة، نواب كتلة الوفاء للمقاومة أمضوا وقتهم في تسطير ملاحظاتهم. كذلك لم تتّسع طاولة النائب عناية عز الدين لأوراقها.
على صعيد أصحاب "المعالي" هناك من بدا متفاجئًا بمنصبه الحديث. الوزير "القديم الجديد" سليم جريصاتي لم يكن منهم، فهو انكبّ على ملفات جلبها معه وأرهق نفسه في الكتابة على صفحاتها. كذلك فعلت ريّا الحسن زميلته العائدة مؤخرًا الى عالم الوزارة، فهي انشغلت بمجموعة من المستندات التي أَسَرتها طيلة فترة المداخلات، فبدت وكأنها تراكمت على كاهلها منذ تسلّمها مهامها في وزارة الداخلية. أما الزملاء الجدد فظهروا في عالمٍ آخر. لا يتحدّثون مع أحد، لا يتحرّكون من مقاعدهم، لا يكتبون حرفًا، لا يحملون ورقة، فقط يُحيّون من يُحيّيهم كحال وزير الاتصالات محمد شقير.
في المقلب الآخر، هناك من النواب من اختار ترك مقعده ليُجالس بعض الوزراء، وكأنه يتمنى لو يتحوّل وزيرًا بلحظة. تطول مجاورته للوزير، لتتوسّع دائرة الخلوات بين النواب والوزراء ويتوافد "أصحاب السعادة" الى مقاعد الحكومة، كما حصل مع وزيري الخارجية جبران باسيل والدفاع الياس أبو صعب والنائب سيزار أبي خليل الذين استدعوا الى اجتماعهم النائب وائل أبو فاعور. هنا يتحرّك الرئيس بري ويُعيد الأمور الى نصابها. الكلّ الى مكانه وليُنصِتوا الى ما يُقال على المنبر!
المشهد يتغيّر. النائب آلان عون، جار الرئيس بري في القاعة بصفته أمين سرّ هيئة مكتب المجلس، يستبدل الكلام بالإيحاء. يُخاطب زملاء له بحركات عن بُعد. لكن الهاتف بدا كأنه يوحّد جميع القابعين تحت قبة البرلمان. غالبية "أصحاب السعادة" انشغلوا بجوّالاتهم. النائب هاكوب ترزيان قضى جلّ وقته في تفقّد رسائل الـ"واتسآب" وتصفّح "الفيسبوك". الوزيرة مي شدياق تتلهّى بهاتفها ممتعضة من كلام النائب حسن فضل الله. النائب بهية الحريري تستخدم جوّالها من تحت الطاولة أثناء تلاوة الحريري للبيان الوزاري. النائب نعمة افرام يُطلع من حَوله على صورٍ مُضحكة، كذلك الحال مع النائبين هادي حبيش وطارق المرعبي. حبيش نفسه كان يجري اتصالًا في مستهلّ الجلسة. نائب القوات أنطوان حبشي هو الآخر شرد في صورٍ على هاتفه وانتقل ليدقّق فيها عبر الـ zoom. الوزير باسيل يصوّر أوراقًا بهاتفه أيضًا. وحدها النائب رولا الطبش ظهرت توزّع الــ"بونبون" على زملائها وصولًا الى رئيس الحكومة.
في المقابل، يظهر النائب حسن فضل الله غريبًا بين "هؤلاء القوم". لا أحد غيره لا يزال يحمل هاتفًا غير ذكيّ وكأنّه فضّل النأي بنفسه عن عالم التكنولوجيا واللهو بها.