معركة أولي البأس

خاص العهد

قراءة في موازنة عام 2021: ما لها وما عليها 
03/02/2021

قراءة في موازنة عام 2021: ما لها وما عليها 

فاطمة سلامة

حين يناقش أهل العلم والاختصاص أسباب العجز الذي تعاني منه المالية العامة في لبنان، يشيرون الى الإنفاق العشوائي غير المنضبط وعدم إقرار الموازنات العامة كواحد منها. لبنان الذي يعاني من عجز عميق بلغ مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، بقي حوالى 11 عاماً بلا موازنة. آخر موازنة أقرت قبل الانقطاع الكبير كانت عام 2005. بإمكاننا أن نلتمس تداعيات وخطورة هذا الأمر انطلاقاً من فلسفة ومفهوم ومهمّة الموازنات. الأخيرة عرّفتها المادة 3 من قانون المحاسبة العمومية بأنها "صك تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها، عن سنة مقبلة وتُجاز بموجبه الجباية والانفاق". وبهذا المعنى، تصبح الموازنة بمثابة الضابط لأي عملية إنفاق وجباية، ويصبح إقرارها سنوياً أكثر من ضرورة. 

ولا يخفى على أي متابع، أنّ الموازنات في لبنان لطالما خضع إقرارها للتأخير والمماطلة لأسباب متنوعة لا داعيَ للدخول في تفاصيلها. المادة 83 من الدستور اللبناني تنص على أن تقدم الحكومة -كل سنة من بدء عقد تشرين الأول- لمجلس النواب موازنة شاملة بنفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة على أن يقترع البرلمان على الموازنة بنداً بنداً. ومع التأخر المتكرر، شكّل الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية بديلا مؤقّتا غير مستحب  للحكومات المتعاقبة. ولمن لا يعلم فإنّ المادة 86 من الدستور اللبناني سمحت باللجوء الى هذه القاعدة في حال عدم تصديق الموازنة قبل الأول من كانون الثاني. 

قبل أيام، أحال وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال الدكتور غازي وزني مشروع الموازنة العامة لعام 2021 على رئاسة مجلس الوزراء. الخطوات الدستورية تتطلّب اجتماع الحكومة لإقرار مشروع الموازنة، واحالته الى مجلس النواب  لدراسته وإقراره. ومن هنا، برز جدال قانوني حول إمكانية اجتماع حكومة تصريف الأعمال وإقرارها مشروع الموازنة. فهل يسمح القانون اللبناني لحكومة تصريف الأعمال الاجتماع واتخاذ القرارات؟. 

فضل الله: الموازنة تأتي في سياق مالي واقتصادي ونقدي غير سليم

قبل التطرق الى الشق القانوني ومواد الدستور اللبناني، لا بد من إجراء قراءة في مشروع موازنة عام 2021، خاصةً بعد أن سجّلت على هامشها العديد من الملاحظات في الأيام الماضية. وفي هذا الصدد، يقدّم رئيس "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق" الدكتور عبد الحليم فضل الله قراءته في مشروع الموازنة، فيوضح بدايةً أنّ الموازنة تأتي في سياق مالي واقتصادي ونقدي غير سليم. وفق قناعاته، من الصعوبة بمكان عزل الموازنة عن كافة متطلبات الإصلاح الثانية، كموضوع الإصلاح المصرفي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإصلاح المالية العامة، وقضية سعر الصرف وأسواقه وإلى ما هنالك. وعليه، يرى فضل الله أنه من الصعوبة بمكان أن يكون لدينا موازنة كاملة تتمتّع بالمواصفات اللازمة بمعزل عن أن تكون جزءاً من مشروع أكبر للإصلاح يشبه الى حد ما ما سعت الحكومة السابقة الى فعله من خلال خطة التعافي. 

قراءة في موازنة عام 2021: ما لها وما عليها 

أي موازنة يجب أن تمتلك وظيفتين

ويضيف فضل الله: " صحيح أنّ الدستور يفرض علينا إنجاز موازنة ولا مجال أمام الحكومة ووزارة المالية سوى إنجازها حتى لو كانت الحكومة مستقلية، وهناك مواعيد دستورية ينبغي احترامها، إنما هذه المواعيد الدستورية لا تتطابق مع المواعيد المالية والنقدية والمصرفية، لذلك فإن قراءة هذه الموازنة وإبداء الرأي فيها من أصعب ما يكون، لأنها موازنة خارج السياق المطلوب وعليه يصعب أن تمتلك وظيفة". وهنا، يلفت فضل الله الى أنّ أي موازنة تمتلك وظيفتين؛ أولى وظيفة مالية تتعلق بإيرادات ونفقات الدولة، وثانية وظيفة اقتصادية تتعلّق بدور الموازنة في الاقتصاد وتأثيرها على النمو والمتغيرات الاقتصادية المختلفة. لذلك، فالموازنة تعاني من هذا الخلل.

تحتوي على عدد من المواد القانونية التي لا ترتبط بالموازنة

ولا يخفي فضل الله أنّ الموازنة ورغم أنها عملت على تخفيض العجز، وفيها عدد كبير من المواد الضريبية وغير الضريبية المرتبطة بها، إلا أنها تحتوي على عدد من المواد القانونية التي لا ترتبط بالموازنة بحد ذاتها. هذه المواد يمكن إخراجها بقوانين منفصلة، ما جعل مشروع موازنة 2021 بهذا المعنى تعاني مما عانت منه الموازنات السابقة عبر إلحاق قضايا لا ترتبط بصورة جوهرية بمالية الدولة، علماً أنه في ظل حكومة تصريف الأعمال يصبح المجال ضيّقا أمام الموازنة لإدخال تعديلات جوهرية أكثر. وفي هذا الإطار، يرى فضل الله أنّه من الصعب أن يكون لدينا موازنة متكاملة في هذا الظرف، لأنّنا نمر بظروف مالية واقتصادية ونقدية واجتماعية متقلبة في مواجهة أسئلة كبرى حول الدعم الاجتماعي ودعم الأسر الأكثر فقراً، ودعم المؤسسات الانتاجية على اختلافها.

النفقات الفعلية قد تكون أعلى من النفقات المقدّرة في الموازنة

ويشدّد فضل الله على أنه وسط غياب الإجابة -من خلال السياسات العامة للدولة- حول هذه الأسئلة نستطيع أن نقول إن الموازنة لا تتضمن كافة النفقات ولا تتضمن كافة الايرادات الممكنة، أي قد تكون الإيرادات المتوقعة أكثر من تلك التي يمكن جنيها فعلاً، وقد تكون -وهذا هو الأرجح- النفقات الفعلية التي ستحصل هذه السنة أعلى من النفقات المقدّرة في الموازنة، لأنها لم تشتمل على بنود أساسية كالدعم الاجتماعي والأسر الأكثر فقراً ودعم المؤسسات، وإعادة إعمار بيروت. وفق فضل الله، لم تتمكن الموازنة من وضع هذه البنود لأنه ينبغي أن تكون ضمن خطة أشمل، وهناك نفقات كثيرة ستكون مطروحة على الحكومة ومطلوبة منها ولا يمكن لهذه الموازنة أن تتوقعها. 

أي زيادة في سعر الصرف ستنعكس زيادة في التكاليف

وفي ما يتعلق بالانتقادات التي سيقت لهذه الموازنة بعد أن أُعدت على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار، يقول فضل الله :"هناك إجابة من قبل وزارة المالية تقول إن الموازنة تتضمن 300 مليار ليرة مرصودة في الموازنة يمكن تحويلها من احتياطي الموازنة لمواجهة أي تغير في سعر الصرف". وهنا يسأل فضل الله: أي نوع من سعر الصرف؟ هل أسعار الصرف المرتبطة بنفقات القطاع العام بالعملات الأجنبية والتي ستبلغ حوالى 600 مليون دولار؟. في هذا السياق، ستبرز إشكالية -يقول فضل الله- الذي يسأل: هل الـ 300 مليار ليرة كافية في حال -لا سمح الله- زاد سعر الصرف في السوق؟ برأيه، أي زيادة في سعر الصرف ستنعكس زيادة في التكاليف. 

إصلاح النظام التقاعدي يجب أن يتم ضمن مشروع ورؤية متكاملة

وفي الختام، يلفت فضل الله الى أنّ هناك بعض النقاط يمكن النظر اليها بإيجابية كموضوع الضرائب على الفوائد العالية وغيرها، لكن في المقابل يشدّد على ضرورة حفظ حقوق القطاع العام. لهذا القطاع أولوية -وفق فضل الله- الذي يشدد على أن المس بهذه الحقوق كان مرفوضا في السابق فكيف ونحن في قلب الأزمة خاصة بملف التقاعد. بتقديره، فإن إصلاح النظام التقاعدي -اذا كان سيتم- يجب أن يتم ضمن مشروع ورؤية متكاملة وليس كمجرد مادة في الموازنة. هناك مجموعة شروط لإصلاح هذا النظام كأن يكون ضمن نظام متكامل على مستوى القطاع العام والوطني، وأن لا يمس بمكتسبات الموظفين وأن يساهم في لعب القطاع العام الدور المناط به في الاقتصاد والإدارة ومجالات مختلفة في لبنان. بحسب فضل الله، نحن لسنا بحاجة الى مزيد من إضعاف القطاع العام بل إصلاحه، لأن اضعافه هو إضعاف الاقتصاد والبلد، وقد تبين خلال جائحة كورونا أن القطاع العام ساهم مساهمة أساسية أكثر من القطاع الخاص بأشواط.

اسماعيل: الدستور اللبناني وضعَ مبادئ خاصة لإقرار الموازنة

وفي خضم الجدل الحاصل حول مشروعية اجتماع حكومة تصريف الأعمال من عدمه، يشدّد الخبير الدستوري الدكتور عصام إسماعيل في حديث لموقعنا على أنّ الدستور اللبناني وضعَ مبادئ خاصة لإقرار الموازنة مختلفة عن إقرار القوانين العادية. المادة 65 من الدستور جعلت الموازنة من المواضيع الأساسية حيث جرى وصفها بمصطلح "الموازنة العامة للدولة". ولا يخفي اسماعيل أنه عندما يصنّف الدستور "الموازنة العامة للدولة" ضمن المواضيع الأساسية، لا يعود جائزاً لمجلس النواب أن يناقش مشروع الموازنة مع حكومة تصريف الأعمال، بل يجب على مجلس النواب ردّ الموازنة إلى مجلس الوزراء (حيث يوجد في الدستور مصطلح ردّ الموازنة برمتها)، وذلك لإعادة دراستها وفق المتغيرات الحاصلة، بخاصة وأن المادة 65 من الدستور أناطت بمجلس الوزراء لا بمجلس النواب رسم السياسة العامة في جميع المجالات. ولهذا فإن الحكومة الكاملة الصلاحيات لا حكومة تصريف الأعمال هي التي سيناط بها رسم هذه السياسية العامة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية.

قراءة في موازنة عام 2021: ما لها وما عليها 

موافقة ضمنية حول دستورية إقرار الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال

إلا أنّ اسماعيل يشير في المقابل الى أنّ مجلس النواب أقرّ في جلسته تاريخ 27/1/2020 موازنة العام 2020 بالرغم من كون الحكومة هي حكومة تصريف أعمال، لكن رئيس الجمهورية امتنع عن توقيع مرسوم إصدار القانون، تاركاً مهلة الشهر للتوقيع تمرّ لينشر في الجريدة الرسمية خالياً من توقيع رئيس الجمهورية تحت تسمية: قانون نافذ حكماً رقم 6  تاريخ 5/3/2020. ويلفت اسماعيل الى أن دوائر رئاسة الجمهورية اكتفت حينها بالقول إن "الرئيس لم يوقّع على مرسوم إصدار قانون الموازنة لكونه مشوباً بمخالفات دستورية متمثلة بعدم إقرار قانون قطع حساب الموازنة". بهذا المعنى -يقول اسماعيل- فإن تسريبات القصر لم تشر إلى موضوع إقرار الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال. وكذلك فإن المجلس الدستوري الذي بتّ في الطعن المقدم ضد قانون الموازنة بموجب قراره رقم  2 تاريخ 9/4/2020 فإنه لم يناقش مسألة إقرار الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال، ما يعني موافقة ضمنية حول دستورية إقرار الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال، يختم اسماعيل.

الموازنة

إقرأ المزيد في: خاص العهد