معركة أولي البأس

خاص العهد

 ترشيد الدعم..من هم الفقراء في لبنان؟
09/12/2020

 ترشيد الدعم..من هم الفقراء في لبنان؟

فاطمة سلامة

يبدو أنّه بات من الصعب ربما تحديد العائلات الفقيرة بشكل دقيق في بلد تحوّل أكثر من نصف شعبه الى فقراء. الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار في بلد "مدولر" جعل القدرة الشرائية شبه معدومة لدى كثيرين. أبسط مثال على ذلك موظفو القطاع العام. أولئك يعدون من الطبقة المتوسطة في لبنان، ورغم ذلك فإنّ قدرتهم الشرائية فقدت نسبة عالية جدا ًمن قيمتها في بلد بات الحد الأدنى للأجور فيه يساوي نحو الـ84 دولاراً. هذا ونحن نتكلّم عن موظفي دولة، فماذا تركنا لموظفي القطاع الخاص وعمال "اليومية" والعاطلين عن العمل بعدما بات مئات الآلاف بلا عمل جراء الأزمة الحالية؟.

وبموازاة الحديث عن ترشيد الدعم، يبرز الى الواجهة الحديث عن بطاقات تمويلية للأسر الأكثر فقراً علّها تسد الفراغ المتأتي من رفع الدعم، ما يطرح السؤال التالي: من هو الفقير في لبنان؟. هذا السؤال يبدو ضروريا في بلد لا يملك للأسف قاعدة بيانات حتى اللحظة تحدد لائحة الفقراء بدقة. وإن كانت هذه المسألة تعد في سابق الأيام غير ملحة، فإنها باتت اليوم أكثر من ملحة وسط التداعيات التي سيحملها ترشيد الدعم على أسعار المواد الأساسية والاستهلاكية التي قد تفوق قدرة شريحة واسعة من الشعب اللبناني على التحمل. 

أحمد: أنجزنا دفتر شروط لإطلاق مناقصة لإنجاز قاعدة بيانات للأسر الأكثر فقراً

لدى سؤالنا مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبد الله أحمد عن عدد الفقراء في لبنان بحسب الإحصاءات الموجودة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية أجاب بالإشارة الى أنّ مشروع الأسر الأكثر فقراً يحتوي على 43 ألف أسرة فقيرة؛ 15 ألفا منهم يستفيدون من البطاقة الغذائية و43 ألفاً يستفيدون من بطاقة "حياة". ولكن على ضوء المساعدات التي وزّعها الجيش اللبناني في الآونة الأخيرة، صدر كلام مفاده أن هناك خطأ في الأرقام -مع الإشارة الى أنّ كافة المشاريع التي تتعلق بدعم الفقراء تحوي هامشا من الخطأ يصل في بعض الدول الى 35 بالمئة-. على ضوء هذا الالتباس قررنا -يقول أحمد- القيام بتحقق من هذه التقييمات، وسط دراسات صادرة عن "الاسكوا" و"البنك الدولي" تضع 23 بالمئة من اللبنانيين في خانة "الفقر المدقع". الـ23 بالمئة يعني فعلياً 170 ألف أسرة -بحسب أحمد- الذي يوضح أننا في صدد القيام مع البنك الدولي بتقييمات جديدة للحصول على قاعدة بيانات تحدد الأسر التي تندرج في خانة "الفقر المدقع". ووفق المتحدّث، وصلنا في هذا الصدد الى مرحلة متقدّمة حيث أنجزنا دفتر شروط لإطلاق مناقصة للإتيان بمجموعة شركات تساعدنا بعملية ما يسمى الزيارات المنزلية لتنفيذ مهمة إنجاز قاعدة بيانات لهذه الأسر؛ ففريق العمل الموجود في الوزارة والذي يبلغ عدده 500 فرد غير قادر على إنجاز هذه المهمة في غضون أربعة أو ستة أشهر.  

 ترشيد الدعم..من هم الفقراء في لبنان؟

أمّنّا دعماً لخمسين ألف أسرة لعامين ونصف 

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يوضح أحمد أنّه وبحسب الخطة المرسومة ستتم  الزيارات المنزلية وفقاً لتقسيم لبنان كالآتي: محافظة لبنان الشمالي، محافظة البقاع وبعلبك الهرمل، محافظة الجنوب، محافظة النبطية، محافظة جبل لبنان ومحافظة بيروت. ويتوقّع أحمد أن يرتفع عدد الأسر الأكثر فقراً من 43 ألفاً الى ما لا يقل عن 170 ألفاً. وهنا يوضح المتحدث أنّه جرى تأمين جزء من المبلغ الذي سيغطي دعم العائلات التي ترزح في خانة الفقر، حيث تأمن مبلغ 50 مليون دولار منحة من الاتحاد الاوروبي لخمسين ألف أسرة كدعم على مدار عامين ونصف. والجزء المتبقي يبلغ 246 مليون دولار نفاوض حوله البنك الدولي وهو عبارة عن قرض لمساعدة حوالى 110 آلاف الى 120 ألف أسرة فقيرة لعام فقط. 

550 الف أسرة محتاجة في لبنان 
 
ويلفت أحمد الى أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية ذاهبة باتجاه إنشاء قاعدة بيانات لمساعدة ذوي الفقر المدقع بمعزل عن قضية رفع أو ترشيد الدعم. ويرجّح المتحدّث أن يصل شهرياً مبلغ يتراوح بين الـ70 والمئة ألف ليرة لكل فرد في الأسرة، مع توجه لأن تكون قيمة الدعم مئة ألف ليرة. ويوضح أنّ خط الفقر اليوم صار ملغىً مع تغير قيمة العملة ما دفعنا الى الذهاب نحو معيار آخر لتحديد الأسر المحتاجة، معيار قائم على استمارة تملؤها الأسر خلال الزيارات المنزلية التي سنقوم بها لحوالى 300 ألف أسرة، وبالنتيجة فإن من سيأخذ أدنى علامة في ظروف الحياة، سيتم تسجيله في لائحة الدعم ونتجه من الأدنى صعوداً  لتختلف عملية الدعم حسب درجة الفقر. وبحسب أحمد، لا توجد قاعدة علمية سوى الاستمارة لنحدد ما اذا كانت الأسرة محتاجة أم لا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك نصف الأسر من الشعب اللبناني لديها فقر مطلق ومدقع، ما يعني أنّ هناك 550 الف أسرة محتاجة من أصل حوالى مليون أسرة. 

بقية الأسر نحتاج الى تأمين تمويل لدعمها

ولدى سؤاله عن كيفية دعم وزارة الشؤون الاجتماعية للأفراد الذين لا يعتبرون في دائرة الفقر المدقع ولكنهم سيتأثرون حكماً بمسألة ترشيد الدعم، يوضح أحمد أنّ مسألة دعم مجمل الناس التي ستتأثر بالدعم يتوقّف على التمويل. نحن كوزارة شؤون اجتماعية أمنا دعماً لـ170 ألف أسرة بغض النظر عن بقاء أو ترشيد أو رفع الدعم، أما بقية الأسر فنحتاج الى تأمين تمويل لدعمها. 
 
شمس الدين: هذه هي تركيبة الشعب اللبناني 
 
الباحث في الدولية للمعلومات الأستاذ محمد شمس الدين يوضح أنّ مصطلح الفقير ينطبق على من دخله اليومي لا يكفي لتأمين الكميات الكافية والصحية من الغذاء، بمعنى من لا يجد قوته الصحيح. وبالتالي أي لبناني ينطبق عليه هذا الوصف فهو فقير. هذا تعريف الفقر الأدنى أي طبقة المعدمين، اما الفقر الأقل من ذلك فهو من يكفي دخله لتوفير الغذاء الصحي والسليم ولكن لا يكفي لتأمين مستلزمات الحياة الأخرى من تعليم وملبس ومسكن لائق أو طبابة لائقة. وبحسب شمس الدين، فإنّ تركيبة الشعب اللبناني تتوزع حالياً كالآتي: 55 بالمئة فقراء؛ 25 بالمئة من الفقراء المعدمين الذين لا يكفي دخلهم لتوفير الغذاء الصحي ويبلغون حوالى 200 ألف أسرة، و30 بالمئة هم فقراء يؤمنون طعامهم الصحي ولكن لا يقدرون على تأمين بقية الخدمات الأخرى. 40 بالمئة من اللبنانيين هم طبقة متوسطة قادرة على العيش بطريقة مقبولة، و5 بالمئة هم الطبقة الغنية والثرية.  

 ترشيد الدعم..من هم الفقراء في لبنان؟

لإعطاء الفقراء مواد غذائية مباشرة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية 

يشدّد شمس الدين على ضرورة رفع الدعم بالأمس قبل اليوم. من وجهة نظره لم يستفد الفقراء منه، من استفاد هم التجار وكبار الممولين. ويقدّم شمس الدين مقاربة اقتصادية جديدة لحل الأزمة، بحيث يتم العمل على خفض سعر صرف الدولار ليصبح سعره مقبولاً ما يرفع القدرة الشرائية. بعدها يتم الذهاب مباشرة نحو الفقراء المعدمين لإعطائهم دعماً مباشراً من مواد غذائية من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية. كيف سيتم خفض سعر صرف الدولار؟ وفق الباحث في الدولية للمعلومات فإنّ الـ700 مليون دولار التي يدفعها مصرف لبنان شهرياً بدل دعم -وهي أموال للبنانيين- يجب أن تعطى للمصارف لتدفعها للمودعين. وعندما توقف المصارف الدفع بالليرة اللبنانية للمودعين وتعطيهم أموالهم بالدولار يصبح الدولار متوفراً في الأسواق وينخفض سعر صرفه حتى ثلاثة أو أربعة آلاف ليرة ما يرفع القدرة الشرائية جراء انخفاض الأسعار، لتبقى الطبقة التي ليس لديها حسابات في المصارف هي الطبقة المعدمة، وهنا من المهم أن تستورد وزارة الاقتصاد مباشرة السلع الغذائية أو من خلال الجيش اللبناني الذي يستورد ويملك مخازن ضخمة وتذهب هذه السلع الغذائية العينية الى مراكز الشؤون الاجتماعية ليتم توزيعها على الفقراء. 

طبع المزيد من الأموال لدعم الفقراء سيزيد التضخم 

وهنا يشدد شمس الدين على ضرورة إعطاء الفقراء مواد عينية مباشرةً لا إعطاؤهم بطاقات تمويلية لأنّ هذا الأمر سيزيد ضخ الليرة اللبنانية في الأسواق ما يحدث تضخماً ويرفع من قيمة سعر صرف الدولار ويخفض القدرة الشرائية لدى بقية المواطنين. وفق شمس الدين، يكفينا طبع عملة فخلال الأزمة طبع مصرف لبنان 11 ألف مليار ليرة في السوق ما زاد من نسبة التضخم بشكل كبير، حيث  تزيد الكتلة النقدية من الليرة اللبنانية شهرياً 500 مليار ليرة.  

وفي الختام، يشدد شمس الدين على ضرورة إعلان لائحة الفقراء التي ستستفيد من الدعم كي "يخجل" غير الفقير من الاستفادة من هذه التقديمات ويوجه الدعم مباشرة الى المكان الصحيح.

إقرأ المزيد في: خاص العهد