معركة أولي البأس

خاص العهد

 أكثر من ألف دواء يُصنّع في لبنان.. وهذه حصتها من السوق اللبناني
08/12/2020

 أكثر من ألف دواء يُصنّع في لبنان.. وهذه حصتها من السوق اللبناني

فاطمة سلامة

يقال إنّ علّة العلل في لبنان تكمن في الاقتصاد الريعي القائم على الارتهان للخارج. كيفما نظرنا من حولنا للأسف نجد بضائع خارجية الصنع. طبعاً، نحن لا ندّعي أنّ بإمكاننا وقف الاستيراد بشكل كامل، ولكن بإمكاننا على الأقل تنظيمه و"غربلة" كل البضائع المستوردة التي لا حاجة لها والتي تزيد حِملاً على الفاتورة نحن في غنى عنه. تماماً كما أنها تنافس الصناعات المحلية وتضرب الإنتاج الوطني، ناهيك عن أنها تجعلنا شعبا اتكاليا يأكل مما لا يزرع، وقس على ذلك مختلف الحاجات الأساسية. 

قطاع الدواء واحد من القطاعات التي يرتهن فيها لبنان للخارج. الفاتورة الدوائية وصلت العام الماضي للمليار و900 مليون دولار. مطّلعون عن كثب على سوق الدواء ينقلون مستوى الفوضى والعشوائية التي تسود هذا القطاع. ثمّة "كارتيل" جنى مليارات من الدولارات على مدى سنوات جراء سياسة "السمسرات" وتقاسم المنافع. والمفارقة تكمن في السؤال التالي: لماذا لم يصرف جزء من الأموال التي تهدر في الفاتورة السنوية لتقوية الصناعة الدوائية في لبنان وتوسعتها؟. هذا السؤال يبدو ملحاً اليوم بموازاة الأزمة المالية الكبيرة التي يرزح تحتها لبنان، والتي يجري خلالها الحديث عن ترشيد دعم الدواء لينحصر بلائحة محددة، ما يجعل الحديث عن واقع الصناعة الدوائية في لبنان وسبل الاستفادة منها أمراً ضرورياً عسى ولعلّ يتمكّن لبنان من تحصيل لا نقول اكتفاء ذاتي، -فهذا الأمر يحتاج الى سنوات-، لكن أقله شبه اكتفاء ذاتي. 

جدعون: لدينا 11 مصنعا تستوفي الشروط الدولية

مدير عام وزارة الصناعة الأستاذ داني جدعون يتحدّث لموقع العهد الإخباري عن واقع الصناعة الدوائية في لبنان، فيوضح أنّ هناك 11 مصنعاً للأدوية تتوزع ما بين أمصال وأدوية يُضاف اليها مصنعان أنجزا حديثاً. ويؤكّد جدعون أنّ مصانع الأدوية التي تعمل حالياً تستوفي الشروط الدولية وتعمل بشكل جيد ومضبوط وعلى مستويين؛ مستوى أول تعمل فيه المصانع على تعبئة الأدوية القادمة من الخارج وتوضيبها، ومستوى ثان تقوم فيه المصانع بصناعة الأدوية مباشرةً. وبحسب المتحدّث، هناك الكثير من الأدوية الأساسية التي تصنّع في لبنان باستثناء الأدوية التي تتعلق ببعض الأمراض المستعصية كمرض السرطان. يُصنّع في لبنان أدوية لأمراض السكري والقلب والضغط، مضادات حيوية، فيتامينات، متممات غذائية، وأمصال وغيرها الكثير. 

 أكثر من ألف دواء يُصنّع في لبنان.. وهذه حصتها من السوق اللبناني

وزارة الصناعة تعمل على خطة للارتقاء بالصناعة الدوائية 

لدى سؤاله عن إمكانية الارتقاء بالصناعة الدوائية، يقول جدعون: "حكماً بإمكاننا الارتقاء، ووزارة الصناعة تعمل على خطة في هذا الصدد". لا ينكر جدعون أنّ الوصول لمرحلة فيها شبه اكتفاء ذاتي بموضوع الأدوية ممكن، ولكن الأمر يحتاج الى مراحل؛ فعدد المصانع الموجودة غير كاف للاستهلاك المحلي، مع الإشارة الى أنّ المصانع الموجودة حالياً لا تعمل بكامل طاقتها الانتاجية، اذ بإمكانها تغطية 20 الى 30 أو حتى 50 بالمئة من حاجة السوق في الأدوية التي تصنع في لبنان والبالغة نحو 1100 دواء. بهذه الطريقة نوفر نحو 250 الى 300 مليون دولار في السنة الواحدة، وهنا يأتي دور وزارة الصحة والجهات الضامنة كالضمان الاجتماعي بدعم المنتج اللبناني، فإذا كان لدينا منتج دوائي محلي لماذا نستورد من الخارج؟ يقول جدعون الذي يشدد على ضرورة أن تدعم الدولة اللبنانية المنتج اللبناني لخلق فرص العمل وزيادة الانتاج المحلي. نحن كوزارة صناعة نعمل في هذا الإطار ونبحث هذا الأمر مع بقية الوزارات المعنية.

بإمكاننا تخفيض الفاتورة الدوائية بحدود الـ50 بالمئة بشكل تدريجي

وفي المقابل يشدّد جدعون على ضرورة أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ كلفة فاتورة الدواء سنوياً تبلغ حوالى المليار و200 مليون دولار، منها حوالى المليار دولار لقاء استيراد خارجي، ومئة مليون دولار تقريباً للانتاج الداخلي، فهل نحن بحاجة لفاتورة دوائية بقيمة  مليار و200 مليون دولار؟ يسأل جدعون نفسه وسرعان ما يجيب بالقول: "طبعاً لا"، لافتاً الى أنّه وبدل أن يكون لدينا على سبيل المثال 200 نوع من المضادات الحيوية بإمكاننا أن نكتفي بمئة نوع. من وجهة نظر جدعون، فإنّ ثقافة استسهال الدواء بدأت تسود سواء بين الأطباء أو الشعب، وهذا لا يجوز. بإمكاننا وبكل سهولة تخفيض الفاتورة الدوائية بحدود الـ30 الى 40 بالمئة أو حتى الـ50 بالمئة وبشكل تدريجي، اذ بدل أن ندفع مليارا و200 مليون دولار بإمكاننا تقليص الدفع الى الـ600 مليون دولار بكل سهولة. وفيما يخص ترشيد الدعم، يلفت جدعون الى أنّ معيارنا كوزارة صناعة هو دعم المنتج الدوائي الذي لا يصنّع في لبنان اذ لا يجوز دعم الأدوية الآتية من الخارج كيفما كان، وما يصنّع في لبنان علينا دعم مواده الأولية.  

أبي كرم: للاستفادة من المستويات العالية والطاقات الانتاجية للصناعة الدوائية

نقيبة مصنعي الأدوية في لبنان الدكتورة كارول أبي كرم تشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّه وفي ظل الاتجاه نحو ترشيد الدعم، يجب أن يستفيد لبنان من المستويات العالية والطاقات الانتاجية العالية جداً التي تمتلكها الصناعة الدوائية اللبنانية. تدعو أبي كرم في هذا الظرف الدقيق المسوؤلين والمواطنين معاً للاستفادة من هذه الصناعة التي تشكل "بوليصة تأمين" للأمن الدوائي في لبنان. وفق أبي كرم، يصنع لبنان 1160 دواء، وهذه الأدوية متوفرة، ولو أفرج عن الفواتير بطريقة سريعة من مصرف لبنان بإمكاننا توفيرها بطريقة أسرع. مصنعو الأدوية يؤمنون وفراً كبيرا ًعلى حجم العملات الصعبة التي تخرج من لبنان ووفراً كبيراً على الاحتياطي المتوفر للدعم. وهنا تلفت أبي كرم الى أن المصانع في لبنان تغطي 20 بالمئة من حاجة السوق اللبناني، وبإمكانها أن تصل الى حدود الـ50 بالمئة بسهولة. نحن لا ندّعي أننا نصنّع كل المستحضرات -تقول أبي كرم- لكننا نؤمن أهم المستحضرات للأمراض المزمنة والأساسية من ضغط، سكري، قلب، أدوية سيلان، ربو وحساسية وحتى أدوية سرطان.

   أكثر من ألف دواء يُصنّع في لبنان.. وهذه حصتها من السوق اللبناني

وتؤكّد أبي كرم أن مسألة الاستفادة من الدواء المحلي طرحت اليوم خلال لجنة الترشيد التي رأسها وزير الصحة الدكتور حمد حسن حيث قدّم الجيش اللبناني -الذي يشتري أدويته محلياً- شهادة نعتز بها لافتاً الى أنّ الصناعة المحلية تضم أدوية نوعية، ودعا الجميع الى اعتماد لائحة الأدوية المصنعة في لبنان ووقف دعم الأدوية المستوردة، ما يؤمّن وفراً مهماً. وبحسب أبي كرم، أخذ وزير الصحة بهذا التوجه ووزير الصناعة أيضاً على قاعدة أنه اذ كان لدينا دواء جيد ومصنع في لبنان وذو جودة عالمية لماذا سندعم الدواء المستورد؟.

مصانعنا يتم الكشف عليها من 36 مختبراً عالمياً

وفي سياق حديثها عن جودة الدواء اللبناني، تؤكّد أبي كرم أن مصانعنا يتم الكشف عليها من وزارة الصحة في لبنان والسلطات الصحية للدول التي نصدّر إليها الأدوية ويُكشف عليها من 36 مختبراً عالمياً، بينما المصانع المصدرة للبنان لا يتم الكشف عليها قبل الاستيراد، فأي منتج دوائي يكون أضمن؟ تسأل أبي كرم التي توضح أن الدواء اللبناني وقبل أن يتم وضعه في السوق يتم فحصه في مختبرات عالمية وفق القانون ومعتمدة من منظمة الصحة العالمية. وهنا تلفت أبي كرم الى أننا وبكل فخر لدينا مصنع في لبنان حاز على الاعتماد من منظمة الصحة العالمية فأي جودة تكون أفضل المحلي أو المستورد؟. وتتوجه الى المصطادين في الماء العكر لقطع الطريق على الصناعة المحلية بالقول:" كفى مزايدات ممن يجهل الصناعة المحلية. في هذا الوقت من المفترض أن نفتّش عن طريقة للوقوف على رجلينا لا أن نتهجم على الصناعة اللبنانية وأهميتها".

سكرية: الانتاج لا يزال محدوداً 

رئيس "الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية – الصحة حق وكرامة" الدكتور اسماعيل سكرية يرى أنّ عدد المصانع الموجودة في لبنان غير كافٍ للارتقاء بالصناعة الدوائية المحلية. وفق حساباته، فإنّ الانتاج لا يزال محدوداً والقدرة الصناعية الداخلية لا تزال 8 بالمئة من حاجة السوق، اذ لدينا 11 مصنعا؛ القسم الأكبر منها يعمل على تعليب الأدوية. وفق سكرية، بإمكان هذه الصناعة التمدد والتطور، لكن هذا الأمر يحتاج الى القليل من الوقت، والأهم أنّه يحتاج الى وجود مختبر يُقيّم جودة ونوعية الأدوية وإلا فإننا ننتقل من مشكلة الى مشكلة أكبر. 

 أكثر من ألف دواء يُصنّع في لبنان.. وهذه حصتها من السوق اللبناني

"كارتيل" الدواء جنى أكثر من 10 مليارات دولار كأرباح غير شرعية 

وفي معرض حديثه، يشدّد سكرية على أنّ هناك هدراً ضخماً في الفاتورة الدوائية، مستنداً الى دراسة قام بها بيّنت أنه منذ عام 1996 حتى 2019 ارتفعت فاتورة الدواء من 362 مليون دولار حتى مليار و950 مليون دولار . وفق سكرية فإنّ السعر الذي يباع به الدواء لا يقل عن ضعف السعر الشرعي، وهناك أكثر من 10 مليارات دولار هي أرباح غير شرعية تقاضاها العاملون في هذا السوق. 

عرض إيراني ميسّر رفض لأسباب سياسية 

وفيما يبدو من غير المفهوم رفض العروض الإيرانية المهمة التي قدّم فيها الإيرانيون أدوية بـ"البلاش" كما يقال، وأعربت فيها إيران استعدادها لنقل تقنيات إنتاج الدواء وتصنيعه إلى لبنان على قاعدة "سنعطي لبنان صنارة، عوضاً عن إعطائه سمكة"، يستحضر سكرية العرض الإيراني الذي قدّم للبنان منذ نحو عامين، واصفاً إياه بالعرض الميسّر، اذ قدّمت إيران للبنان عروضا للأدوية المستعصية كأمراض السرطان والتهابات الكبد الفيروسي والتصلب اللويحي، لكنّ العرض الإيراني رفض لأسباب سياسية، وقبله جرى تقديم عرض سويدي للأمراض السرطانية ورُفض أيضاً لأسباب تتعلّق بالـ"سمسرات". 

لا بد من وجود قرار سياسي جدي لتفعيل الصناعة الدوائية 

ما المطلوب للارتقاء بالصناعة الدوائية في لبنان؟ يجيب سكرية عن هذا السؤال بالتأكيد أننا نمتلك القدرات البشرية اذا وجد القرار السياسي. برأيه، لا بد من وجود قرار سياسي جدي لتفعيل الصناعة الدوائية في لبنان. برأي سكرية، هذا القرار يجب أن يكون مصحوباً بتحفيزات تتعلق برسوم الجمارك للمواد الخام التي تستورد، وفي الوقت نفسه نحتاج الى وجود مختبر مركزي يراقب الصناعة الدوائية لتحسين سمعتها ولتكوين الثقة بها.

الدواء

إقرأ المزيد في: خاص العهد