خاص العهد
قانون الانتخاب مفتاح الإصلاح وبناء الدولة
فاطمة سلامة
لا نبالغ إذا قلنا إنّ قانون الانتخاب هو من أهم القوانين في لبنان لا بل أهمها. يستمد هذا القانون أهميته من كونه بوابة العبور نحو إنتاج السلطة بكافة مستوياتها، ووفقاً لإرادة الشعب. بكل بساطة، يُحدّد قانون الانتخاب هيكلية مجلس النواب، والأخير يتولى مهام عدة. ينتخب بدوره رئيس الجمهورية، كما يتولى إنتاج السلطة التنفيذية، حيث يُصوّت أعضاؤه لتكليف رئيس، ليصار بعدها الى بلورة تشكيلة حكومية بإمضاء الكتل النيابية التي تحجب أو تمنح الثقة لأي رئيس حكومة مكلّف. وللأسف، فإنّ قانون الانتخاب السابق أي قانون الستين -وقبل إقرار القانون الحالي- يعتبر المسؤول عن الكثير من العلل التي تنخر عظام الدولة اللبنانية. ولا داعي للتوسع في هذه النقطة التي تبدو واضحة في الكثير من الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقدية وما الى هنالك.
عز الدين: المعايير المطلوبة لأي قانون انتخابي تتجسّد في عدالة التمثيل وصحته وفعاليته
اليوم، يعود النقاش حول قانون الانتخاب الى الواجهة، فالانتخابات النيابية من المفترض أن تجرى عام 2022، ومن الأهمية بمكان البحث في مكامن الضعف التي يعاني منها القانون الانتخابي الحالي. وفي هذا الإطار، يُشدّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عز الدين على أنّ قانون الانتخاب هو أحد مفاتيح الإصلاح السياسي، لافتاً الى أنّ القانون الحالي النافذ والذي اتفق عليه اللبنانيون لا يزال صالحاً للاقتراع، لكن بوجود هذا القانون لا مانع -وفق عز الدين- لدى من يرى مصلحة للبنان من طرح قانون انتخابي أكثر تطوراً في عملية الإصلاح. وهنا، يؤكّد عز الدين أنّ حزب الله يعتبر أن المعايير المطلوبة لأي قانون انتخابي تتجسّد في أن يحقّق أي قانون عدالة التمثيل وصحته وفعاليته. هذه المسلمات ينطلق منها حزب الله لدى نقاش أي قانون انتخابي.
ويؤكّد عز الدين أننا اذا أردنا أن ندخل في عملية الإصلاح السياسي، فهذا الإصلاح أنواع. تارةً يكون إصلاحاً شاملا في كل النظام السياسي، وتارةً أخرى يكون إصلاحاً جزئياً كما حصل في المرة الأخيرة لدى إقرار قانون الانتخاب، حيث تمكّن اللبنانيون - وفي ظل القانون الطائفي- من إيجاد صيغة مرضية لمعظم القوى السياسية. تجربة القانون الانتخابي الأخير كانت معقولة ومقبولة، لكن هذا لا يمنع من إبقاء الباب مفتوحاً أمام تطوير أي صيغة، طالما أننا لم نذهب للإصلاح السياسي الشامل. وفق عز الدين، فإنّ وثيقة الطائف واتفاق الطائف كان محطة أساسية لإصلاح النظام السياسي، لكن لم يحرك أحد ساكناً في هذا السياق على مدى ثلاثة عقود مضت. وهنا يشدّد عز الدين على أنّ الجميع بات اليوم أمام استحقاقات ملحة باعتبار أنّ مجموعة الأزمات التي يمر بها البلد ويعاني منها النظام السياسي تشكّل محطات أساسية تستدعي إيجاد مخارج لها، لكن للأسف تصطدم بعقبات دستورية تمنع من حلحلتها.
ليقف الجميع أمام مسؤولياته
لذلك، يحث عز الدين على ضرورة إيجاد إرادة فعلية وجدية للانخراط في تطوير وتطبيق الطائف مع إمكانية تطوير النظام وإيجاد حوار بناء سواء في ظل هذه الأزمة أو أي أزمة أخرى لتطوير كافة المسائل. بحسب المتحدّث، فإنّ الجميع يجب أن يقف أمام مسؤولياته وواجباته في ظل الواقع السياسي المأزوم والذي يعبُر من أزمة الى أزمة، معتبراً
أن المجلس النيابي هو المكان الأفضل للحوار ولصياغة قانون الانتخاب.
نحتاج لإطلاق حوار وطني مسؤول وجاد لتطوير صيغة القانون الانتخابي
ورداً على سؤال، يُذكّر عضو كتلة الوفاء للمقاومة بموقف حزب الله التقليدي من قانون الانتخاب والذي يؤيّد إنجاز قانون انتخابي على أساس الدائرة الواحدة مع اعتماد النسبية. وفيما يشير الى أن قضية قانون الانتخاب مطروحة للنقاش، يوضح بكل شفافية وصراحة أن البلد لا يزال منقسماً حول هذا الموضوع، وبالتالي نحتاج الى اختيار الوقت المناسب لإطلاق حوار وطني مسؤول وجاد لتطوير صيغة القانون الانتخابي حتى في ما يتعلق بصيغة النظام السياسي القابلة للحوار والنقاش للخروج بصيغة توافقية تشكل منعطفاً لتطوير الحياة السياسية وتعبيد الطريق للخروج من النفق الذي يحترق فيه لبنان، فالأزمة التي نعيشها واحدة من أهم المبررات لذلك، يختم عزالدين.
سعد: يستحيل بناء دولة دون اعتماد الدائرة الواحدة مع النسبية
لدى سؤاله عن القانون الانتخابي الأمثل، يؤكّد الخبير الانتخابي ورئيس "مركز بيروت للأبحاث والمعلومات" الأستاذ عبده سعد لموقع "العهد" الإخباري أنه يستحيل بناء دولة دون اعتماد الدائرة الواحدة مع النسبية لدى صياغة قانون الانتخاب. وفق قناعاته، فإن أي قانون آخر حتى ولو كان قائماً على النسبية لا يعطي مفاعيل النسبية الحقيقية. البعض يدعو الى اعتماد النسبية وفقاً للمحافظات، وهذا الأمر غير "شريف" فنحن نريد لبنان دائرة واحدة. لماذا؟ وفق سعد، اعتماد الدائرة الواحدة مع النسبية يؤمّن بروز قوى سياسية شابة وتغييرية، وأي قانون دون الدائرة الواحدة يستحيل أن يأتي بشخصيات تغييرية، وإذا أتى بذلك يأتي بعدد نادر قد لا يتعدى الشخصية الواحدة. لكن الدائرة الواحدة تشجّع على لائحة انتخابية واحدة تجمع كافة الشخصيات التغييرية. عندها، تسود الحماسة بين أوساط الجمهور لانتخاب هذه اللائحة بعد أن يرى فيها جدوى. صحيح أنّ القانون الحالي والذي يقسم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية يعتمد على النسبية، لكن يستحيل -وفق سعد- من خلال هذا القانون الحصول على قوى تغييرية تجتمع في ما بينها لإنتاج لائحة واحدة لأن الدوائر صغيرة.
قانون الانتخاب كان من الأسباب التي منعت قيام الدولة
وفي معرض شرحه، يوضح سعد أنه ومنذ نشأة لبنان جرى الاعتماد على قانون انتخابي أكثري، وهذا النظام الأكثري لا يعكس صحة التمثيل أبداً. بحسب سعد، فإن الطبقة السياسية الموجودة سببها قوانين الانتخاب التي تعاقبت والتي تشبه بعضها البعض، اذ كان يصار الى تصغير الدوائر في بعض المناطق، وتكبيرها في مناطق أخرى، بمعنى كانت تتم وفقاً لقياس البعض وحجمه. للأسف -يقول سعد- فإن قانون الانتخاب كان من الأسباب التي منعت قيام الدولة لأن البرلمان هو منشأ كل السلطات في لبنان. وبالتالي، فإن أي خلل في قانون الانتخاب سينعكس على كل شيء حولنا. ويستند سعد الى خبرته في السياسة اللبنانية ليعرب عن قناعته باستحالة اعتماد قانون انتخابي نسبي على أساس الدائرة الواحدة بسبب رفض البعض لهذا النموذج خوفاً من عدم حصوله على مقاعد نيابية وازنة.