خاص العهد
الأمن الغائب عن بعلبك.. مؤامرة ظالمة على مدينة الشمس
خاص العهد
بعلبك تتصدر أخبار العالم، ليس بقلعتها السياحية، بل بمسلسل المعارك اليومية والفوضى الأمنية التي تعيشها. غياب شبه تامّ لرجالات الدولة تشهده محافظة بعلبك -الهرمل المحرومة على مرّ الزمان ومع تعاقب الحكومات.
حوادث السرقة في المنطقة باتت شبه يومية، آخرها وأغربها سُجّل أمس، إذ طالت البوابة الحديدية لإحدى المقابر في مدينة بعلبك. غير أن الأيام الماضية شهدت أيضًا سرقات متنوعة تارة لمضخات مياه، وتارة لملابس وسجاد وصولًا الى الأموال، هذا بموازة عمليات الخطف وسلب السيارات بقوة السلاح.
هذا المسلسل أصبح بالنسبة لأبناء محافظة بعلبك الهرمل روتينيًا، لكنه لا يقلّ خطورة عن حالات الرعب التي اعتاد قسمٌ منهم عليها، فيما يعيش قسم آخر على أعصابه لا يعلم متى تُصيبه رصاصة طائشة قد تنهي حياته.
الاشتباكات شبه يومية في بعلبك، وإطلاق النار والقذائف الصاروخية لا يتوقّف في الحدّ الأدنى أسبوعيًا، فيما الأضرار المادية تزداد مع كلّ معركة تنشب فجأة، الأمر الذي يبثّ الرعب في نفوس الأهالي والنساء والاطفال والشيوخ والمرضى، ومن لم يكن يشكو من شيء سابقًا، أصبح اليوم مريض سكري أو ضغط.
في الهرمل، الحال نفسه إشكالات بطابع ثأري يسقط نتيجته ضحايا وجرحى. صورة قاتمة تدلّ على أن لا دور لا للجان الاصلاح ولا حتى لأجهزة الدولة، فالقوى الأمنية تحرّك 200 عنصر عندما تريد هدم بناء، ولا تحرك عنصرًا واحدًا عند إطلاق نار.
الموسوي: الأمن لا يتم بتقبيل اللحى
النائب ابراهيم الموسوي تحدّث لموقع "العهد الإخباري" عن الأمن المتدهور في منطقة البقاع ومحاولات نواب المنطقة حلّ هذه المشكلة، فقال إن "المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على الدولة اللبنانية بأجهزتها كافة، ونحن كنواب حزب الله وإخواننا في حركة أمل وكل الجهات المعنية لم نألُ جهدًا في متابعة هذا الموضوع مع الدولة وأجهزتها"، وأضاف "هذه المنطقة هي جزء من لبنان ومسؤوليتها تقع على عاتق الدولة وقوى الأمن الداخلي والجيش وكل المعنيين بضبط الأمن ووقف الفلتان فيها".
الموسوي أشار الى أن نواب المنطقة أجروا أكثر من 10 اجتماعات للغاية، وتابع "ذهبنا لقيادة قوى الأمن وتحدّثنا معها حول الموضوع، كما ذهبنا لقيادة الجيش وتناقشنا معها 3 مرات، وأيضًا ذهبنا الى وزيرة الدفاع وتداولنا في المشكلة وكذلك فعلنا مع رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي.. تابعنا هذا الموضوع على الأرض عبر لقاءات حصلت مع محافظ بعلبك الهرمل في المحافظة مع قادة الألوية والفرق والقوى الامنية الموجودة في المنطقة على مستوى سرايا ومستوى فصائل وعلى كافة المستويات".
وأردف "لطالما حمّلنا المسؤولية للدولة وأجهزتها كافة، وكان هناك من يقول هناك من يغطي هؤلاء.. ما من أحد من حركة أمل أو حزب الله ولا أيّ من الجهات المحلية تغطي هذا الموضوع"، لافتًا الى أن "القوى الأمنية كانت تتحجّج دائمًا بوجود نقص لعديدها وعناصرها وبأنها لا تملك الآليات للمواكبة".
وردًا على سؤال بشأن أداء القوى الأمنية، أجاب "الأمن لا يتمّ بتقبيل اللحى بل يجب أن يضرب بيد من حديد وأن يأخذ قرارات واضحة، وصلنا لمكان كدنا نيأس لنقول وكأنه يجب ألّا يفرض الأمن في هذه المنطقة وألّا تتمتّع بحد أدنى من الأمان لتوصف بأنها خارجة عن القانون وبأنها مكان لكل المخالفات القانونية والتفلت".
وسأل الموسوي " كيف يتمّ إيجاد عديد عناصر أمنية بسرعة عندما تقوم مُسنة ببناء عمود لبناء خيمة في الرويمة في أعالي جرود الهرمل، ولا توفّر هذه العناصر عند حصول إطلاق نار ويُروّع الناس لساعات طويلة ولا تتدخل حتى؟".
وشدّد الموسوي على أن الدولة موجودة بكافة أجهزتها وقواها وعلى أن هناك جيوشًا من المخبرين والمستعلمين والمتقصّين"، وسأل "لمَ يُترك هؤلاء الناس الذين يروعون الآمنين في بيوتهم".
ولفت الى أن الأمور تجاوزت كل الخطوط الحمراء على صعيد ترويع الناس وتعطيل الأرزاق والاعتداء على الممتلكات واطلاق النار والقذائف ما يُرتّب أعباءً ضاغطة على أهلنا الى جانب مشاكلهم الاقتصادية والمالية.
وصارح الموسوي أبناء المنطقة فقال "هناك أناس يقولون إننا جزء من الدولة، نعم صحيح نحن نواب لكن النائب ماذا يمكنه أن يفعل؟ نحن لسنا سلطة تنفيذية ولا يمكننا أخذ قرار اجرائي على الارض. يمكننا لفت النظر وطرح الأسئلة وقد طرحناها في الأمن والإنماء، ودائمًا نكون صوت المواطن عند المسؤول، قد نصل الى أن ننفّذ اعتصامًا ونعتكف أمام الاجهزة الامنية وأمام المقرات المولجة بالأمور الاجرائية التنفيذية، مع الأسف هذه حدود قدرتنا ونحن نعمل عليها".
وكشف الموسوي لـ"العهد" أن العمل جارٍ على خطة بديلة من خلال التشاور مع القوى الأمنية لبدء وضع حد نهائي لهذه الاشتباكات المتنقلة بين منطقة وأخرى، آملًا أن تُثمر هذه المساعي في وضع خطة حقيقية تتولاها القوى الامنية بتفعيل وحضور وتسهيل أكبر عسى أن يخفّف عن أهلنا قليلا".
الساحلي: مؤامرة بحقّ المنطقة
النائب السابق نوار الساحلي وهو أحد وجوه المنطقة البارزين عبّر من ناحيته عن غضبه من الحال الأمني الصعب في بعلبك الهرمل، فقال لـ"العهد": "الوضع أصبح لا يُطاق ونحن نحمّل المسؤولية الكاملة للدولة بكل اجسادها الامنية والسياسية"، مؤكدًا أن "هناك مؤامرة بحق هذه المنطقة لا نعرف سببها، فالكل يتنصل من مسؤوليته وكأن هذه المنطقة متروكة لقدرها".
وأوضح الساحلي أن "المسؤولين الأمنيين وبعد مراجعتهم يعدون ولا نرى تحقيقًا لهذه الوعود"، وتابع "أنا أقولها بالفم الملآن نحن فيما نمثل لا تغطي أحدًا من المرتكبين ونحن من يطلب من القوى الامنية أن تتدخل عند اللزوم وان تلقي القبض على اي مرتكب ايًا كان انتماؤه، لأن أحدًا لا يدعم المخلين بالامن".
وأردف "الناس باتوا يريدون مغادرة المحافظة وتركها للخارجين عن القانون"، وأشار الى أن موضوع إطلاق النار بسبب مشاكل سخيفة يجب ألّا يمر مرور الكرام، ورأى أن المصالحات يجب ألّا تكون سببًا لعدم تطبيق القانون ، بل يجب إلقاء القبض على مطلقي النار ومفتعلي المشاكل ليكونوا عبرة لغيرهم وبالتالي أن يطبّق القانون على الجميع، مشدّدًا على أن المكان الطبيعي للخارجين عن القانون الطبيعي هو السجن، يجب أن يُحاسبوا على أفعالهم ويجب أن يتحملوا نتيجة الأضرار".
لهذه الأسباب الدولة عاجزة عن الحلّ!
إزاء ما تقدّم، أين هي فعلًا الأجهزة الأمنية ممّا يجري على الأرض؟ مصدر أمني رفيع شرح لـ"العهد" أن مسؤولية الأمن تتوزّع في مدينة بعلبك بين قوى الامن الداخلي، الأمن العام ، الجيش اللبناني وأمن الدولة، فيما يقتصر دور بعض الأجهزة على جمع المعلومات وتنفيذ مهمّات محددة.
وبيّن أنه يجب التمييز بين الأجهزة الأمنية الموزعة في المدينة والتي يعاني معظمها من نقص العديد في العناصر ما ينعكس سلبًا على تنفيذ مهام حفظ الأمن، لافتًا الى أن "الحامي الاساسي في هكذا المكان هو الجيش".
وأكد المصدر الرفيع أن "الجيش هو من يملك القوة الضاربة والقوة العسكرية الكبيرة والملالات، لأن حجم هذه المشاكل ونوعية الاشخاص ونوعية السلاح التي تستعمل تحتاج لجيش كي يردعها او يوقفها".
الأقسى في كلام المصدر هو اعترافه بأن "قوى الامن الداخلي غير قادرة على القيام بهكذا مهمّة، لأنه في مكان معيّن طبيعة الأشخاص والمشاكل بحاجة لعملية أمنية خاصة ولا يمكن التصرف معهم بهذه الطريقة، والأجهزة عانت كثيرًا من هذه الأزمة"، وقال "عندما يكون العسكري من المنطقة فهو يحسب ألف حساب لتنفيذ أيّة مهمة خاصة مع الأشخاص الخطرين، لجهة ردّة فعل أهل المطلوب، فيُقتل الجندي الذي قام بمهمّته ويُلفّ بالعلم اللبناني ويُدفن دون أيّة ردّة فعل من الدولة".
ورغم ذلك، أكد المصدر أن "منطقة البقاع هي منطقة عسكرية منذ العام 1998 والجيش فيها هو الآمر الناهي والدور الأساسي له".
المصدر الأمني أشار الى أن هناك أخطاء وأشياء مُبهمة حيال ما يجري، ربما يحتاج الأمر إلى قرار سياسي غير متاح، وأضاف "لا ندري ما هي الأسباب ولا احد يعلم ربما غطاء سياسي يحل المسألة، أو أن هناك تورطًا لبعض الاجهزة الأمنية.. الجيش عادة يتحرك بأوامر عسكرية وهذه تحتاج لضوء من غرفة العمليات العسكرية في بيروت التي تعطي الأوامر".
وتابع "ما يحدث أنه ليس هناك أمر، ما يشير الى وجود خللٍ إمّا عند المخابرات أو بالعمليات.. ليس هناك أمر هنا المشكلة فالأسباب ربما تكون سياسية أو شخصية، أو ربما تكون لغاية معيّنة أو لتعاطف البعض.. أحيانا نصل لفكرة أن مؤامرة تستهدف المنطقة، وأحيانا نصل للتفكير في أنه لماذا في منطقة ما تحدث جريمة وفي أقل من 24 ساعة يتمّ توقيف كل مرتكبيها وصولًا الى كشف تفاصيلها، فيما الأمر مغاير تمامًا في منطقة البقاع".
ورأى المصدر أن "للحدود المتفلتة دورًا في هذه المشكلة، لأن بإمكان مرتكب الجريمة الهرب الى سوريا أو الى المناطق التي تعتبر خارج سيطرة الدولة، حيث يعتبر أن لديه ملجأ ومأوى".