خاص العهد
الحاج وفيق صفا يكشف لـ"العهد" سر صمود تفاهم "مار مخايل"
فاطمة سلامة
ثمّة قناعة استطاع حزب الله تكريسها في عقلية الخصوم قبل الحلفاء. قناعة استمدّت قوامها من صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالالتزامات. وهي قيم لطالما طبعت مسيرة العمل السياسي للحزب منذ تأسيسه حتى اليوم. قيمٌ كرّست ما اصطلح على تسميته "الأخلاق في السياسة"، مع ما يُقدّمه هذا النموذج من مواقف تتخطى المعنى الضيق للممارسة السياسية وترتقي الى مستوى المصلحة الوطنية. ومع ما يُقدّمه من تحالفات "راسخة" لا تُبنى على مصالح آنية، فتسقط أرضاً بانتفاء هذه المصلحة أو تلك. تحالفات جذورها ثابتة في عمق المبادئ والقيم. تفاهم مار مخايل في 6 شباط/ فبراير 2006 مصداق بارز على قوة التحالفات التي ينسجها الحزب ومتانتها. فرغم مرور ثلاثة عشر عاماً على هذا التفاهم لا تزال ورقته "ناصعة" البياض رغم كل ما قيل ويُقال عن اهتزاز في العلاقة، لمجرد تباين في بعض القضايا.
محاولات الاصطياد بالماء العكر لم تفلح من قبل بعض المنزعجين من التلاقي الفريد والمميّز لحزبين آمنوا بوطنهم، فالتقوا عند منتصف الطريق. فما سر صمود هذا التفاهم رغم هذه السنوات الطوال؟.
يتحدّث مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا لموقع "العهد" الإخباري عن تفاهم مار مخايل ومقومات صموده، فيشير الى أنّ العلاقة بين الحزبين عميقة جداً وليست سطحية. يدخل في قلب التفاصيل ليكشف أنّ أكبر خلاف على أية قضيّة ينتهي في أرضه وتصبح الأمور سهلة ولينة لمجرّد التواصل سواء المباشر أو غير المباشر. كيف ذلك؟. لا يُخفي صفا وهو الذي يتولى التواصل والتنسيق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أنّ الأخير تربطه علاقة صداقة قوية مع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله. هناك ثقة متبادلة بين الطرفين، وأي اختلاف في وجهات النظر ينتهي لمجرّد التواصل. المميّز في هذا التواصل ـ يقول صفا ـ يكمن في الصراحة المطلقة التي نتحدّث بها مع بعضنا البعض. والمميّز أيضاً يكمن في كميّة الحب التي يختزنها باسيل للسيد نصرالله الذي لم يكن كلامه في الإعلام عن صداقة تجمعه بباسيل مجاملة سياسية، بل هو توصيف واقع وحقيقة. وهنا يُوضح صفا أنّ باسيل "شقفة" من الرئيس ميشال عون لجهة المشاعر الجياشة التي يُكنها للسيد نصرالله. فكما هو معروف أن الرئيس عون لا يستطيع إخفاء بريق عينيه في أي لقاء يجمعه بالسيد. تماماً فإنّ باسيل ينظر الى السيد نصرالله على أنه من "القديسين"، وعندما يلتقي باسيل بالسيد فـ"إنّ أكبر مشكلة تنتهي بكلمتين".
يغوص صفا في الحديث عن العلاقة الخاصة بين الحزبين، والتي بدأت مع العلاقة المميزة بين السيد نصرالله والرئيس عون، ثم استُكملت بعلاقة الصداقة بين السيد وباسيل. وهنا يرى صفا أنّ الرئيس عون أعطى قوة لورقة التفاهم عند الرأي العام المسيحي، وباسيل نجح في أنه عمّق هذه القيمة في عقل جمهور التيار الوطني الحر ومناصريه. ويستذكر صفا الكلمة التي ألقاها باسيل مباشرة عقب الانتخابات النيابية وتحدّث فيها عن وفاء السيد نصرالله، ما عمّق العلاقة أكثر فأكثر. يكشف صفا أن هناك لقاءات يعقدها السيد نصرالله مع باسيل لا تظهر أبداً الى الإعلام وهي في سياق التنسيق المستمر والذي قد نشهده أكثر في المستقبل. ويوضح أنّ هناك اتصالات بين السيد والجنرال دائمة وفي أوقات ليست متباعدة.
يتحدّث مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق عن محطّة التفاهم التي لا تزال حيّة في ذاكرته كأنها بالأمس. بالنسبة اليه، إنها محطّة مشرّفة لن تنتهي لمجرّد بعض التباينات، والدليل يتمثّل بمرور كل هذه السنوات الـ13 والكفيلة بأن تدعو القريب والبعيد من في الداخل والخارج الى اليأس من محاولات التفرقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر. يُشدّد صفا على أنّ مرور السنوات يعمّق التفاهم أكثر فأكثر لدى الطرفين، وكل الذين يعملون على وضع عوائق أمام الحزب والتيار لإفشال التفاهم فشلوا وسيفشلون. برأيه، لا يزال مشهد كنيسة "مار مخايل" الجامع شاهداً على الحدث الاستثنائي والمميز. لماذا وقع الخيار حينها على كنيسة "مار مخايل"؟.
يستذكر صفا تلك اللحظة فيعزو اختيار الحزبين لهذا المكان، سعياً وراء نقطة تلاق تُشكّل قاسماً مشتركاً بين الحزبين. فهي من جهة تحمل رمزية هامة للتيار الوطني الحر، وتعني الكثير لهم كمكان للعبادة. ومن جهة أخرى، يُشكّل موقعها الجغرافي دلالة لحزب الله حيث تقع في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومن هنا كان الجمع ـ وفق صفا ـ بين الضاحية كموقع والكنيسة كدار عبادة، ولكي نقول للجميع أن هذا التفاهم مكلّل ببركة الكنيسة مع ما تحمله من رسالة.
لدى سؤاله عن سر صمود التفاهم. يجيب صفا بلا تردد "الصدق في العلاقة". برأيه، فإنّ الصدق هي العلامة المميّزة التي طبعت العلاقة بين الطرفين. هي التي جعلت الحزبين يثقان ببعضهما البعض، ومنعت ورقة التفاهم من أن تهتز. يُشدّد صفا على هذه النقطة التي تأسر الاتفاق المميّز. لهذه الميزة الفضل في تطوير ورقة التفاهم ـ التي كان عمادها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ـ تطويرها من ورقة تفاهم على مبادئ محدّدة الى مرحلة جديدة قائمة على التعاون والتنسيق في الكثير من الملفات. يشرح كيف تطوّر التعاون الى أن أصبحنا أمام تحالف استراتيجي ما يرسم المعادلة التالية (من ورقة تفاهم الى تعاون الى تحالف).
يتوقّف مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق عند النقطة الأخيرة، فيوضح أنّ حزب الله والتيار وجدا نفسيهما في صلب التحالف بلا حاجة الى كتابة أية ورقة، على غرار التفاهم. الالتزام في العلاقة دفعنا تلقائياً الى التعاون والتنسيق في القضايا الداخلية، لنجد أنفسنا في صلب تحالف إزاء الكثير من القضايا الاستراتيجية. "يستعير" مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق موقفاً للرئيس عون، قال فيه "أنا والسيد نصرالله "واحد. وهناك تكامل وجودي بيننا". بالفعل علاقة الحزبين تحوّلت الى تكامل وجودي، يقول صفا، ويؤكّد أن التكامل الوجودي بين الطرفين لا يعني أن هناك قضايا لا نختلف بشأنها. بالعكس، فنحن بالنهاية حزبان، والاختلاف طبيعي، لكنّ القوة تكمن في أن لا تُحدث الاختلافات أي شرخ في العلاقة المميزّة.
لا يرى صفا أن هناك ضرورة أو حاجة لتطوير ورقة التفاهم. التنسيق دائم لا ينقطع بين الحزبين، حتى أن هناك بعض الاجتماعات لا نعلن عنها. يلفت الى أن التواصل المستمر كفيل بتذليل كل العقبات تلقائياً. يُعطي مثالاً على ذلك، استحقاق الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومة. في الأول، لم يجد حزب الله حرجاً في الاتفاق مع التيار على فك التحالف ببعض الدوائر. تماماً في الموضوع الحكومي، شدّدنا على أننا لا نمانع بأن يحصل التيار على 10 و11 و12 وزيراً. وفي هذا الصدد، يشدّد صفا على أنّ العلاقة القادمة ستسير باتجاه المزيد من التعاون في السياسة والأمن والاقتصاد ومحاربة الفساد وملف النازحين، لما نحمل من نظرة تكاملية حيال الكثير من الملفات، يختم صفا.