خاص العهد
دمشق تستضيف مؤتمر عودة النازحين.. والسفير السوري لـ"العهد": مصلحة لبنان قبل كل الدول في إعادتهم
فاطمة سلامة
ثمّة من لا يريد عودة النازحين السوريين الى سوريا خاصةً من لبنان. هذه الحقيقة تنطبق على بعض الداخل، كما تنطبق على المجتمع الدولي. الأخير لا يزال يراوغ لقطع الطريق على العودة رغم كل ما يتخبّط به لبنان من أزمات. أزمات يُشكّل النزوح السوري جزءاً منها. ومهما قيل ـ بعد مرور أكثر من تسع سنوات على النزوح السوري إلى لبنان ـ عن تداعيات هذا النزوح على الاقتصاد والبنية التحتية والظروف الاجتماعية وغيرها يبقى قليلاً. التدقيق بالأرقام يُثبت أنّ لبنان خسر ما يفوق العشرين مليار دولار على مدى 9 سنوات. لسنا هنا في صدد المنّ، فمن واجب لبنان أخلاقياً استقبال النازحين وتقديم كل أنواع المساعدة لهم. لكن وجود النازحين السوريين في لبنان وغيره ينتفي مع تغير الحال في سوريا، ومع الظروف التي تعمل دمشق على إيجادها لتأمين عودة آمنة لهؤلاء النازحين. وفي سياق هذه العودة، يأتي المؤتمر الذي تنظّمه روسيا في دمشق يومي 11 و12 تشرين الثاني/ نوفمبر لبحث عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، مع ما يمكن أن يعكسه هذا المؤتمر من نتائج إيجابية شرط أن تصفو نوايا الدول للعمل على تسهيل هذه العودة.
السفير السوري: نجاح المؤتمر يستدعي الإجابة عن عدة أسئلة
لدى سؤاله عن أهمية المؤتمر الذي سيعقد، يؤكّد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي لموقع "العهد" الإخباري أنّ الإجابة عن هذا السؤال تستدعي قراءة المشهد والعودة فيه الى المقدمات. برأيه، فإن نجاح المؤتمر تحكمه ظروف يجب أن لا يستثنى منها أي عنصر أساسي في توليد أزمة النازحين وتفجيرها واستثمارها وصولاً الى الآمال التي يمكن أن تبنى على المؤتمر. هل المجتمع الدولي بالقوى التي صنّعت الأزمة واخترعت قضية الربيع العربي وصدرتها الى سوريا واستخدمت الاعلام لقلب الحقائق ووظفت المنظمات الدولية التي لها طابع إنساني، وحرضت السوريين على عدم العودة، وقبلها حرضتهم على الخروج من سوريا قبل أن تكون الأزمة تستدعي هذا الخروج حيث نصبت الخيم والمساكن في تركيا قبل أن يكون هناك نازح واحد، وفي لبنان أيضاً كان هناك من يراهن على استثمار النازحين في معارضة الدولة السورية، هل هؤلاء جميعهم باتوا في مراجعة جدية؟. وفق علي، يعرف الجميع أنّ سوريا ولغاية تفجير الأزمة على أراضيها كانت الأكثر أماناً في الشرق الأوسط وفي مقدمة ثلاث دول في العالم، وكانت متقدمة على كل دول المنطقة في الاكتفاء وحرية العبادة.
نجاح المؤتمر رهن تغيير العقلية القائمة وامتلاك الدول جرأة التعبير عن قرارها
ويعيد علي التأكيد أنّ نجاح المؤتمر يتوقف عند الإجابة عن هذه الأسئلة: هل توقف العالم عن شيطنة القيادة السورية؟ هل باتوا يفكرون في الإرهاب الذي صنّعوه وأثره عليهم سواء في فرنسا وبروكسل وأميركا وكل البلدان التي كانت رأس حربة في تصنيع الإرهاب وتوريده وتسليحه؟. هل أعيد النظر بالاعلام الذي شكّل أحد أدوات الإرهاب التي استخدمت؟. برأي علي، لا بد من دراسة كل المحطات خصوصاً أننا نحكي عن أزمة في بلد يعيش تماسكاً بين الجيش السوري والقيادة السورية، فهناك أكثر من 90 بالمئة من الأرض السورية باتت تحت سيطرة الدولة السورية. وهنا يسأل علي:" هل أعادت أميركا وأوروبا النظر بالعقوبات الأحادية التي فرضت على سوريا ولبنان والصين وإيران وغيرها من الدول؟. وفق علي، فإنّ نجاح المؤتمر رهن تغيير العقلية القائمة وامتلاك الدول جرأة للتعبير عن قرارها.
المنظمات الدولية تراوغ وتحرّض السوريين على عدم العودة
ويُشدّد علي على أنّ الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد لطالما شدّد على عودة أبناء سوريا لإعمارها، لافتاً الى أنّ السوريين في كافة أماكن اللجوء يعيشون أوضاعاً مزرية باستثناء قلة تملك رأس مال. وفق حساباته، فإنّ المبالغ الزهيدة التي تأتيهم كمساعدات في دول اللجوء لا تساوي شيئاً، بينما اذا قدمت نفس هذه المبالغ للسوريين في سوريا فإنها تصبح أضعافا مضاعفة، حيث تزداد قدرتهم الشرائية لأن دمشق تقدّم للسوريين الكثير من التقديمات كالطبابة والتعليم وغيرها، ومع هذا فالمنظمات الدولية تراوغ وتحرض السوريين على عدم العودة.
النازحون السوريون أكبر من طاقة لبنان على الاحتمال
ويتطرق علي الى العلاقة بين سوريا ولبنان. سوريا تمثل رئة لبنان على العالم، وشعباهما واحد، وهناك عمق تاريخي وعائلي وجغرافي. واذا فكر لبنان بالوصول الى دول العالم لا بد أن يعبر سوريا، وبالتالي فالتكامل بين البلدين تكامل مصلحة. وهنا يشدّد السفير السوري على أن النازحين السوريين أكبر من طاقة لبنان على الاحتمال، لافتاً الى ضرورة دراسة الأمان المصرفي الذي افتقد في لبنان الذي لا يعد مفلساً حتى الآن. ويؤكّد علي على ضرورة تطوير الصناعة والزراعة في لبنان فرؤوس الأموال الموجودة في البنك المركزي تسمح بذلك، ولكن يحتاج الأمر للابتعاد عن الكيدية والمحاصصة في التفكير والتعبير.
مصلحة لبنان قبل كل الدول في إعادة النازحين
ويشدّد السفير السوري على أنّ" مصلحة لبنان قبل كل الدول في أن يكون جاداً وساعياً لعودة النازحين الى ديارهم. لذلك، من غير المفهوم أن يكون مستوى التمثيل غير عال في المؤتمر القادم ـ يقول علي ـ خاصة أنّ العبء الذي يشكله السوريون يكاد يكون خطاباً على لسان كافة المسؤولين اللبنانيين، وعندما أتى المؤتمر نرى الارتباك والتردد وهذا شيء غير مفهوم".
الأمان نسبي في العالم
هل الأجواء في سوريا باتت آمنة لعودة السوريين؟ يجيب السفير السوري عنى هذا السؤال بالإشارة الى أنّ الأمان بات نسبياً في العالم، فكورونا شكّلت تهديداً لكل الكون. وحتى الخلايا الإرهابية ـ التي شغلتها قوى معروفة ـ باتت موجودة في أميركا وأوروبا ولبنان وسوريا وإن كنا انتصرنا على الإرهاب بنسبة كبيرة في سوريا ولبنان والعراق وهذا شيء مطمئن يبنى عليه، ولكن هذا الأمر يحتاج الى تضامن وتكامل وعمل جدي وليس استعراضيا. برأي علي، نحن نصنّع الظروف فكل الظروف القاسية التي نعيشها تصبح فرصة اذا ما تكاملنا كما يجب. وفق علي، بإمكان سوريا ولبنان أن يكملا بعضهما البعض في الكثير من الأمور. وهنا يستغرب علي الكلام الكبير الذي يقوله البعض بأحقاد غير مفهومة، مؤكداً أن لا أحد بإمكانه حذف الإيجابية العالية لعملية المقاومة في ردع الارهاب "الاسرائيلي" والتكامل السوري اللبناني في الانتصار على الارهاب التكفيري.
اذا ما فُعّلت المشاركة وتوحّدت المواقف قد يعطي المؤتمر نتائج جيدة
ويتابع علي: "نحن نتفاءل بأي نسبة يقدمها المؤتمر القادم، واذا ما فعّلت المشاركة والرؤى الاقتصادية لإيجاد حلول، وتوحدت المواقف لمواجهة الضغوط الدولية لرفع العقوبات الأحادية عن سوريا وغيرها من الممكن أن يعطي المؤتمر نتائج جيدة". وفق علي، بات الإرهاب عبئاً على الدول التي استثمرته. تلك الدول يجب أن تكون قد وصلت الى طريق مسدود، فمن مصلحة أوروبا وأميركا الخروج من المكابرة ومراجعة حساباتهم لمصلحة شعبهم. ويضيف: "الأديان عندما تقرأ بمعنى وفاقي تصبح عنصر سلام. السيد المسيح (ع) والنبي محمد (ص) كلاهما رمز للرحمة والتسامح وحتى الرموز الفكرية بالأحزاب العلمانية هي رموز توافق وحماية، وبالتالي اذا عقد المؤتمر وفق هذا المنظور يصبح فاعلا ومنتجا ويعود السوريون الى وطنهم سعداء لأنهم في وضع مزرٍ. كل هذا يستدعي تفكيرا مسؤولا ومراجعة نقدية جادة تضع النقاط على الحروف بشكل سليم".
كل الشعوب لها مصلحة في أن تأخذ قراراً يرتد عليها أماناً
ويرى علي أنه "في حال تكامل سوريا ولبنان ومعهما دول الجوار بإمكاننا العمل كثيراً"، متمنياً أن يكون القرار بيد الجميع، فكل الشعوب لها مصلحة في أن تأخذ قرارا يرتد عليها أمانا في الاقتصاد والاجتماع. وهنا يشدد علي على أن السوريين يريدون العودة، وهم شعب مبدع وعندما تسمح لهم الظروف ـ بمساعدة المقتدرين ـ يبنون وطنهم.
وفي الختام، يؤكد علي على ضرورة أن يقرأ لبنان وسوريا بعيون مفتوحة مصالحهما المشتركة الواحدة ويمتلكان الجرأة على تسمية الاشياء، ما سينعكس على المؤتمر ليعطي نتائج جيدة. يجب أن ينجح هذا المؤتمر رغم كل الكلام الذي يزرع الاحباط ـ يضيف علي ـ وعلينا أن نعرف أن أحدا من البلدين في سوريا ولبنان لا يمكنه أن ينجو بنفسه في مواجة الكيان "الإسرائيلي" والارهاب التكفيري والأزمات الاقتصادية وغيرها.
بالأرقام..كلفة النزوح السوري
وفي سياق متصل، يتحدّث مستشار وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور عاصم أبو علي لموقعنا عن كلفة النزوح السوري على لبنان، فيستهل حديثه بالتأكيد أن الدولة اللبنانية لا تملك أرقاماً دقيقة حول كلفة النزوح السوري نظراً لوجود أكلاف مباشرة وأخرى غير مباشرة. واذا أردنا احتساب هذه الأكلاف فالرقم سيتألف من عشرات مليارات الدولارات منذ تسع سنوات حتى اليوم. وفق أبو علي، لدينا ما يقارب المليون ونصف الى مليوني نازح يستخدمون البنى التحتية ويستفيدون من المنتجات المدعومة وغيرها من التفاصيل التي تصب في خانة الأكلاف المباشرة. أما غير المباشرة فعديدة ومنها على سبيل المثال استحصال نازحين على فرص عمل كان من الممكن أن يحصل عليها لبنانيون.
أبو علي ـ وهو المشرف الأساسي على ورقة وزارة الشؤون الاجتماعية حول عودة النازحين السوريين ـ يلفت الى أنه ووفق البنك الدولي بلغت كلفة النزوح على لبنان أكثر من 15 مليار دولار حتى عام 2015. ووفق تقديرات الدولة اللبنانية فإن التكلفة أكثر من ذلك بكثير. وهنا يلفت أبو علي الى أنّ الدعم الدولي للبنان بلغ 8.7 مليار دولار. هذا الدعم كبير ـ يقول أبو علي ـ لكنه غير كاف لأنّ الكلفة الحقيقة أكثر من ذلك بكثير وتفوق العشرين مليار دولار بحسب أبو علي الذي يشير الى الحياة غير اللائقة للنازحين السوريين الموجودين في الخيم ما يدعو الى ضرورة العمل لعودتهم الى بلدهم من المنطلق الانساني لأن ظروف العيش لا تليق بهذا الشعب العزيز. وفق أبو علي، فإن ما يدفعنا للعمل على ملف العودة التي هي مقدّس لهم ليس فقط مصلحتنا الوطنية وهذا أساس، ولكن أيضا مصلحة السوريين لما لهذا الأمر من تبعات كبيرة عليهم ومنها نفسية.