خاص العهد
هل من طريقة للتمييز بين الانفلونزا العادية و"كورونا"؟
فاطمة سلامة
منذ فترة يُحذّر عاملون في الجسم الطبي من أنّ فصل الشتاء هذا العام سيكون أشد إيلاماً في حرب "الكورونا". تشابه العوارض بين الانفلونزا العادية والرشح والـ"covid 19" ستكون له تداعيات "مرهقة" ومتعبة للمواطنين والجسم الطبي والمستشفيات. لنتخيّل معاً حالة الهلع التي قد يخلقها مصاب برشح عادي لمجرّد تطور حالته المرضية وظهور عوارض لديه شبيهة بمصابي "الكورونا". من جهة، لا يستطيع هذا المصاب إصدار اجتهاد ذاتي والقول إنّه غير مصاب بـ"كورونا" حتى يثبت العكس طالما ظهرت عليه أعراض شبيهة. ومن جهة أخرى، فإنّ أعداد المصابين سنوياً بالانفلونزا العادية في فصل الشتاء تكاد تكون كبيرة، وبالتالي فإنّ توجه هؤلاء الى المستشفيات قد يحدث إرباكاً وبلبلة مرهقة للجسم الطبي بأكمله. وعليه، هل من طريقة للتمييز بين الانفلونزا العادية و"كورونا"؟ ما المطلوب من أي شخص يشعر بعوارض غير اعتيادية؟. وماذا عن الأطفال الفئة المعرّضة لأنواع فيروسية عدة في فصل الشتاء؟ .
البزري: من الصعب التمييز بين الفيروسات التنفسية
لدى سؤال عضو اللجنة العلمية المتابعة لـ"كورونا" الدكتور عبد الرحمن البزري عن الطريقة التي يميز بها الشخص بين الانفلونزا العادية أو الرشح و"كورونا"، يشير الى أنّ "الكوفيد 19" هو فيروس من فيروسات الرشح. لدينا ستة أنواع من فيروسات الكورونا عدا الـ"الكوفيد 19". أول أربعة أنواع من الفيروسات تحدث الرشح العادي، لذلك من الصعب التمييز في فصل الشتاء بين الفيروسات التنفسية سواء أكانت الانفلونزا أم فيروسات الرشح العادية الأقل خطورة والأكثر شيوعاً وبين "الكوفيد 19"، والذي هو نوع من أنواع "الكورونا" المنتشر حالياً بكثرة.
لا بد من استشارة الطبيب هاتفياً
ما المطلوب اذاً؟، يدعو البزري أي شخص يشعر بعوارض غير اعتيادية للاتصال بالطبيب لتقييم هذه العوارض. الأخيرة تتوّزع بين آلام عضلية شديدة غير مبرّرة يرافقها ارتفاع في الحرارة، أو صداع يرافقه ارتفاع في الحرارة، بالإضافة الى علامات رشح بالأنف والتهاب بالبلعوم، وضيق تنفس. وفق البزري، أي علامة لا نختبرها بشكل يومي أو عادي تستحق استشارة الطبيب. التغير في النظام العادي للأعراض يستحق استشارة الطبيب ولو عبر الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ وفي حال شعر الطبيب أن هناك حاجة للتوجه اليه يطلب ذلك أو يعطي النصائح عبر الهاتف ويوجهه للخطوات التي يجب أن يفعلها في حال تطوّرت حالته. وهنا يُشدّد البزري على ضرورة أن يتابع المريض مسألة مرضه بشكل سليم ومركّز عبر مراجعة سجل لقاءاته ومعرفة ما اذا كان مخالطا لمصابين بـ"كورونا". ويشدّد البزري على جملة إرشادات لا بد من الالتزام بها بدءاً من وضع الكمامة والالتزام بأساليب الوقاية الصحية الشخصية و"اتيكيت" العطس والسعال، والتباعد الاجتماعي لأن هذه التدابير لا تحمي فقط من فيروس "كورونا" بل من الكثير من الفيروسات الأخرى.
حاسة الشم قد تكون المفتاح الوحيد للتمييز
بناء على ما تقدّم يبدو من الصعوبة بمكان التمييز بين الانفلونزا العادية والرشح و"كورونا" يقول البزري الذي يلفت الى أنّ شيئاً وحيداً من الممكن أن يميّز بين هذه الأنواع يتعلّق بحاسة الشم التي يفقدها مريض "الكورونا"، ولكن تبقى هذه المسألة رهن تقييم الطبيب.
تشابه العوارض سيربك الجسم الطبي
ولا يخفي البزري أنّ تشابه العوارض سيربك الجسم الطبي كثيراً خصوصا أنّ القطاع الاستشفائي يعاني نقصاً في الإمكانيات لأسباب عدة منها ما يتعلّق بالفساد السياسي والهدر مقابل واقع اقتصادي صعب ناتج عن انهيار الليرة اللبنانية وتهريب الأموال وعرقلة فتح الاعتمادات حتى للمواد الطبية اللازمة، يضاف الى ذلك الضغط الحاصل على الأسرة والجسم الطبي. ويلفت البزري الى أنّه وبعد شهر ستزداد حالات من لديهم أعراض تنفسية. في فصل الصيف تكون "الكورونا" هي السبب بدون منازع لهذه الأعراض، ولكن في الشتاء قد تكون فيروسات أخرى هي السبب ما يصعّب على الأطباء مسألة تشخيص الحالات، وعليه قد يضطرون للجوء الى بعض الفحوصات المخبرية غالية الثمن لتحديد ما اذا كانت أنفلونزا عادية أو رشحاً أو "كورونا"، لأن العلاجات أحياناً قد تكون مختلفة.
وفي الختام، يشدّد البزري على أنّ مفتاح الانتصار على "الكورونا" والتخفيف من شدة الفيروسات التنفسية يكمن في التقيد بالتعليمات الطبية من وضع الكمامة الى النظافة الشخصية وعدم زيارة المرضى والتأكد من سلامة المسنين، الى إعادة صياغة علاقاتنا الاجتماعية خاصة في العمل لأن فيروس "كورونا" باق لمدة لا تقل عن سنة وعلينا أن نتعود على نظم طبيعية جديدة تحمينا وتحمي مجتمعنا من الفيروس.
عجور: للتمييز بين هذه العوارض لدى الأطفال
وفي الوقت الذي تزداد فيه حالات الرشح والانفلونزا لدى الأطفال في فصل الشتاء خصوصاً المعرّضين للخروج من المنزل والاختلاط بأطفال آخرين، تثار لدى الأهل الهواجس من احتمال التقاط عدوى فيروس "كورونا" ما يحدث إرباكاً لديهم، اذ من الصعوبة لدى الأهل التمييز بين عوارض الرشح والانفلونزا و"كورونا". وفي هذا الصدد، يميّز دكتور الأطفال المتخصّص بأمراض الربو والحساسية مصطفى عجور بين أنواع عدة من العوارض قد تساعد الأهل في عملية التمييز الى حد ما، ويختصر عجور الحالات بالآتي:
الحالة الأولى تسمى بالزكام، الذي يبدأ بالظهور مع كل موسم خريف وشتاء نتيجة تعرض الفرد الى تغيير في درجات الحرارة من حار وساخن الى طقس معتدل البرودة الى بارد مما يؤدي الى نوع من تكييف مجاري التنفس العليا أحياناً الى نوع من السيلان الأنفي والاحتقان ولكن من دون حرارة أو أوجاع في الجسم. هذا الأمر لا يستوجب سوى بعض الأدوية البسيطة مثل بخاخة ماء وملح.
أما الحالة الثانية، فهي عبارة عن حساسية أنفية "allergic rhinitis"، حيث تصاحب العوارض المذكورة أعلاه حالات تعطيس أو حكة في الأنف أو العينين وأحياناً تكون مصاحبة لبعض السعال التحسسي. علاج هذه الحساسية يكون بمضادات الحساسية وتتألف من أدوية شراب للحساسية وبخاخات أنفية للحساسية.
في الحالة الثالثة، نتحدث عن فيروس الانفلونزا الموسمية وهنا تختلف العوارض وقد يكون من الصعوبة بمكان التمييز بينها وبين الانفلونزا العادية. العوارض تبدأ من سيلان أنفي يصاحبه ارتفاع في الحرارة واحتقان بالمجاري الهوائية مع الآم بالجسم. وفق عجور، تستمر هذه العوارض لعدة أيام، ولأنّ سبب الانفلونزا فيروسي تتشابه عوارضها مع عوارض باقي الفيروسات ومنها "الكورونا".
هل لقاح "الكريب" ضروري؟
وفي الوقت الذي يعتبر فيه بعض الأطباء أنّ لقاح الانفلونزا العادية أو ما يعرف بطعم "الكريب" غير ضروري للأطفال لتقوية مناعتهم، يقدّم عجور مقاربة مختلفة مشدداً على أنّ هذا اللقاح ضروري خاصة لمن هم تحت الخمس سنوات والكبار بالسن لأنّ مناعة هذه الأعمار تكون ضعيفة، ويجب مساعدتها باللقاح لإعطائها مناعة أكبر. ويُشدّد عجور على أنّ هذا اللقاح-الذي يؤخذ سنوياً في لبنان ابتداء من شهر أيلول لغاية بدء فصل الشتاء- لا يعطي مناعة ضد "كورونا" إنما يستمد أهميته انطلاقاً من أنّ هناك بعض التشابه بالعوارض بين الفيروسين، وبناء عليه يتم أخذ اللقاح خاصة لمن لديهم أمراض ربو وحساسية أنفية وأمراض رئوية مزمنة أخرى حتى نتمكّن من تأمين المناعة قدر الإمكان لهم.