معركة أولي البأس

خاص العهد

فنيش يتحدّث لـ
30/09/2020

فنيش يتحدّث لـ"العهد" عن تجربة حزب الله الحكومية: لهذه الأسباب شاركنا وهذه قواعدنا الأساسية 

فاطمة سلامة

ثمّة حاجة وطنية لوجود حزب الله في قلب السلطة التنفيذية. حاجة ضرورية مستمدة من الممارسة التي قدّمها وزراء هذا الحزب على مدى عقد ونصف من الزمن. وكما قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله فإنّ مشاركة الحزب في الحكومة تأتي للحفاظ على ما تبقى من لبنان اقتصاديا وماليا وعلى مختلف الصعد. صحيح أنّ علة وجود حزب الله داخل الحكومة كانت لحماية ظهر المقاومة، لكن أضيف اليها اليوم سبب آخر تمثل بالخوف على لبنان وشعبه ومستقبله. والحق يقال، إن من يراقب أداء وزراء حزب الله في الحكومة منذ لحظة المشاركة في السلطة التنفيذية عام 2005 الى اليوم يلتمس كم وقف هؤلاء الى جانب الشعب وكم جنّبوه قرارات مُرّة من فئات امتهنت سياسة "الترقيع" على حساب المواطن. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة اذ كثيراً ما كنا نسمع ونحن ننتظر مقررات جلسة مجلس الوزراء أن هذا البند وذاك المتعلق بفرض الضرائب على الشعب لم يمر، والسبب يكمن في "الفيتو" الذي رفعه وزراء الحزب داخل الجلسة ومعهم بعض الحلفاء.

لذلك، ليس مستغرباً أن يسمع وزراء حزب الله مدحاً يليق بالأداء الذي يقدمونه حكومياً. يشهد لهم الخصوم قبل الأصدقاء للمستوى الذي يقدمونه حيال المسؤوليات التي يتولونها. مستوى يليق بثقة الناس، وتُرفع فيه البطاقات الحمراء في وجه أي محاولة لتدفيع المواطن ثمن السياسات العوجاء. هذه القاعدة الثابتة لطالما شكّلت الأساس في سياسة حزب الله، الحزب الحريص على الدولة ومقدراتها، والحريص على الناس ومطالبهم. الحزب الذي عمل لسنوات وسنوات بصمت خارج الضوضاء وبعيدا ًعن الاستعراضات الإعلامية التي لطالما شكّلت هدفاً للكثير من الأحزاب. 

فنيش: لهذه الأسباب دخلنا العمل الحكومي عام 2005 

عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد فنيش كان من أوائل وزراء حزب الله الذين شغلوا أكثر من وزارة وفي أكثر من حكومة متعاقبة. يروي في حديث لموقع "العهد" الإخباري تجربة حزب الله الحكومية. ولدى سؤاله عن فلسفة وجود حزب الله ومشاركته في السلطة التنفيذية، يؤكّد فنيش أنّ دخول حزب الله الى السلطة التنفيذية عام 2005 كان بسبب ظروف سياسية وأمنية مرّ بها لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصدور القرار 1559 والاضطراب السياسي والأمني الذي مر به البلد نتيجة متغير كبير تمثل بخروج القوات السورية من لبنان. تلك القوات كانت تشكل صمام أمان سياسيا وضابط إيقاع لأداء السلطة التنفيذية ولموقع لبنان ودوره، وقد وجد حزب الله نفسه بهذه التحولات -يقول فنيش- أمام مواجهة سياسية أمنية يراد من خلالها استغلال دم الرئيس الحريري لإحداث تغيير بموقع لبنان والمس بقدراته في مواجهة العدو "الإسرائيلي"، وهذا الأمر أتى ترجمة للسياسة الأميركية التي كانت تفكر -منذ غزو القوات الاميركية لأفغانستان والعراق- في إعادة رسم الخريطة في المنطقة. لذلك كان هذا هو السبب الأساسي من مشاركة حزب الله الساعي لأن يكون هناك مشاركة في القرار والتزام بما تم التوافق عليه ولو نظرياً وظاهرياً من قوى سياسية أساسية قادت الانتخابات عام 2005 على قاعدة الشراكة وعدم المس بالمقاومة وعدم السماح للأميركيين باستغلال الوضع الناشئ في لبنان لإحداث تغيير في موقعه ودوره. 

هذا في البداية، ولاحقاً تطور دور حزب الله -يضيف فنيش- من خلال اقترابه أكثر فأكثر من صميم المشكلة المالية والاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً مع بدء ظهور مؤشرات تدهور الوضع الاقتصادي، لذلك ركّز حزب الله وعلى الدوام في أدائه على ضرورة إيقاف الهدر قبل التفكير في وسائل أخرى لتأمين إيرادات للدولة بدءاً من ضبط عملية المناقصات والتلزيمات وحصرها -خصوصا المناقصات الكبيرة- في إدارة المناقصات لإيقاف مشكلة "العمولات" والتي كانت محل شكوى دائماً. وبحسب فنيش، أراد حزب الله من خلال تعزيز دور المؤسسات والأجهزة الرقابية أن يضع حداً لمثل هذه الممارسات لضبطها من أجل دفع الأمور نحو الاستقامة وتقليص ما أمكن من الهدر ومحاولة مكافحة الفساد. 

حزب الله ملتزم بقواعد أساسية داخل الحكومة

بعدها، يوضح فنيش تطوّر موقف حزب الله نحو طرح مسألة الأوضاع التي يمر بها البلد والأفكار التي كانت تقدم من أجل مواجهة العجز في الموازنة ومن أجل معالجة المشكلة الاقتصادية. وهنا يلفت فنيش الى أن حزب الله كان ملتزماً بقواعد أساسية تشكل ضابطاً لمواقفه على رأسها عدم استسهال فرض أعباء ضريبية على الفئات الأكثر حرماناً أو ذوي الدخل المحدود. هذه القاعدة جعلت حزب الله ينطلق دائماً في مواقفه من حماية هذه الفئات. الالتزام بالدفاع عنها كان خطا مبدئيا بالنسبة الينا، اذ لا بد من حماية هذه الشرائح الاجتماعية الأكثر حاجة والأكثر تأثراً بالأوضاع المالية والاقتصادية. بناء على ما تقدم، يقول فنيش :"كان ينظر حزب الله الى المقترحات على قاعدة أنه اذا كانت ستساهم هذه المقترحات في تحقيق نوع من توزيع الأعباء وإقامة نوع من العدالة الاجتماعية وعدم المس بحقوق ذوي الدخل المحدود أو التأثير سلباً على قدراتهم الشرائية والمعيشية، فلا معارضة لها". 

المفهوم الاجتماعي شكّل هاجساً لدينا

وفق الوزير الذي نفذ سياسه حزب الله داخل الحكومة، فإنّ المبادئ آنفة الذكر كانت تشكل نقطة الانطلاق بالنسبة الينا في مختلف النقاشات، فالمفهوم الاجتماعي شكّل هاجساً لدى حزب الله الذي رفض أن تأتي المقترحات أو المعالجات الاصلاحية على حساب الفئات الأكثر حاجة. كنا نسعى -يقول فنيش- لكي لا نزيد العبء أكثر فأكثر، وكلنا يعلم أن الهندسات المالية السابقة استفادت منها طبقات وشرائح ازدادت ثراء لتتسع الهوة بين الفئات الاجتماعية، وبالتالي، فالمعالجات لا تكون على حساب من هم في أدنى السلم الاجتماعي، بل ينبغي أن تُحمّل للذين استفادوا أكثر والذين يتمكنون من تحمل الأعباء. وعلى هذا الأساس، لطالما ركّز حزب الله -والكلام لفنيش- على ضرورة أن يكون هناك شراكة مثلاً بين مسألة المصارف لتحمل التصحيح المالي نتيجة الاستفادة التي جنتها من سندات الخزينة والفوائد العالية والسياسة النقدية، وبين أن تتحمل الدولة جزءاً من تخفيض العجز في موازنتها وبين تحميل جزء من العبء للشرائح ذات المعيشة الجيدة والدخل العالي. وهنا يشدد فنيش على أن البعد الاجتماعي كان أساسياً في نهج حزب الله، فهذا البعد نابع من التزامه الرسالي ومعرفته بالتضحيات الكبيرة التي تحملتها الفئات الأكثر حاجة؛ فمن جهة هو يدافع عن مصالحها وتضحياتها، ومن جهة أخرى ينفّذ التزامه الرسالي، اذ ان مفهوم العدالة لدى حزب الله ينص على وجوب أن تراعي سياسات الدولة العدالة الاجتماعية.

لم نقبل بإجراءات ضريبية لا تراعي مبادئنا والتصحيح لا يكون على حساب الناس

بالإضافة الى الأبعاد سابقة الذكر والتي تشكل قواعد ومبادئ لأداء حزب الله، يضيف فنيش بعداً اقتصاديا تنموياً، فالضريبة مثلاً لها وظيفة، وأحياناً قد يتطلّب الأمر تخفيضها وليس زيادتها. بتقدير فنيش، عندما يكون الوضع الاقتصادي في حالة ركود فإنّ المطلوب هو تشجيع الاستثمار وليس زيادة الأعباء على المستثمرين لما لهذا الأمر من تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي خصوصاً في ظل الوضع الحالي. واذا أردنا تقييم الوضع المعيشي الذي يمر به البلد والذي تدهور لأسباب عديدة، نرى أن الرواتب والأجور تآكلت نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وجراء ارتباط الوضع الاقتصادي بالدولار وارتفاع التضخم، ويكاد لا يوجد أجر الا وفقد صاحبه ما لا يقل عن أربعة أضعاف من قيمته. طبعاً هذا حسابياً، فما بالنا بالفوضى التي تزيد في السوق أكثر وأكثر وتنعكس على الناس؟ وبحسب فنيش، اذا أردنا الذهاب الى سياسات ضريبية فالمواطن لم يعد يحتمل وكل المؤشرات تقول إن الفقر زاد بشكل كبير، ومن هنا يأتي موقف حزب الله من المقترحات الضريبة اذ بدءاً من حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة حتى اليوم، لم نقبل -يقول فنيش- أن يكون هناك اجراءات ضريبية لا تراعي القواعد التي وضعناها كخطوط مبدئية. التصحيح -بنظرنا- لا يكون على حساب نمو الاقتصاد ولا على حساب ذوي الدخل المحدود. وفق فنيش، التزم حزب الله بهذه المبادئ وكان يؤدي دوره ومواقفه في السلطة التنفيذية على هذا الأساس.

ويؤكّد فنيش أن هناك مقترحات كثيرة للضرائب كانت تناقش مع الموازنات خصوصاً في الحكومة الأخيرة وما قبلها أي ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي التزم فيها حزب الله ببرنامج اصلاحي وزاد من منسوب اهتمامه بمكافحة الفساد سواء بمقترحات قوانين أو بملفات تحال الى القضاء، كما أعطى أهمية خاصة لهذا الأمر لما له من تأثيرات اجتماعية واقتصادية وانعكاسات على الاستقرار المالي والاقتصادي. ومن هنا، فإن حزب الله وبمسار مشاركته في السلطة التنفيذية تطور من الدور السياسي لحماية المقاومة ولبنان بأكمله لأن حماية المقاومة هي حماية للبنان، والمقاومة عندما تتصدى للعدون "الاسرائيلي" والارهابي فهي تحمي لبنان سواء اعترف البعض بهذه الحقائق أم لا، فلا أحد باستطاعته أن ينكر وجود الشمس. تطور دورنا -يقول فنيش- في المشاركة بالسنوات الاخيرة من خلال مناقشة الاوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الى حضور فاعل سواء في المجلس النيابي أو الحكومة، انطلاقا من القواعد التي ذكرناها. 

لا يوجد رجالات دولة 

سألناه: أكّد سماحة السيد الاصرار على الدخول الى السلطة التنفيذية من منطلق الحفاظ على ما تبقى من دولة والخوف من بيع أملاكها، هل لمستم هذه العقلية والخفة في التعاطي مع مقدرات الدولة لدى البعض؟. فأجاب فنيش:" بكل صراحة وتواضع لا يوجد رجالات دولة في لبنان. رجل الدولة مسؤول أن يتجرد من حساباته الخاصة، ومسؤول عن تطبيق القانون واحترامه وتعزيز دولة المؤسسات وتطويرها. مهمة السياسي أن يأخذ موقعا تمثيليا بعيدا عن الذاتية بحيث يفكر بمصالح الوطن". وفوق هذا الكلام يضيف فنيش: "عجز من تولى الشأن العام عن تطوير الإدارات التي تولاها وأصاب المؤسسات بعطب. طبعا هذا الأمر له أسباب خارجية تتعلق بالصراعات التي احتدمت في المنطقة ولا يزال تأثير هذه الضغوطات قائماً، حيث يتعرض لبنان لضغوطات سياسية واقتصادية ولا نفشي سرا اذا قلنا إن للسياسة الأميركية تأثيراتها السلبية على الوضع الاقتصادي في ظل الحصار المالي للبنان بذريعة معاقبة المقاومة، لكنها واقعاً تعاقب الشعب اللبناني بأسره، فهي من جهة تتبجح بأنها تدفع للجمعيات الأهلية لتشكيل أدوات لإحداث اضطرابات اجتماعية وأهلية خدمة لأهدافها وسياستها، ومن جهة أخرى تحاصر الاقتصاد". 

نموذج حزب الله مختلف تماماً لجهة حسن الأداء

وفي معرض حديثه، يردف فنيش: "بكل تواضع قدم حزب الله نموذجا لكل من يراقب أداءنا، اذ تولينا حقائب ذات أهمية بالغة والكل يشهد سواء كان صديقا أم خصما في السياسة داخلياً وخارجياً أن النموذج مختلف تماما لجهة حسن الاداء ومصداقيته في احترام القوانين وعدم الولوج بأي طريقة من طرق الفساد ومراعاة المصلحة العامة والنظر الى مصالح اللبنانين كافة بغض النظر عن الانتماءات السياسية او غيرها والسعي ما أمكن لتطوير حسن إدارة الوزارات التي توليناها". 

حزب الله قوة مقاومة لحفظ البلد

ولا ينكر فنيش أنه في الموضوع العام، لا يقف الأمر على قرارات حزب الله، فنحن نحاول أن نقول مواقفنا وندافع عنها بما أوتينا من قدرة ضمن آليات النظام التي ليس بإمكاننا الخروج عنها. صحيح أننا قوة مقاومة -يقول فنيش- لكننا قوة مقاومة لحفظ البلد، أما في الداخل فنحن كنا أكثر الناس احتراما والتزاما بالقوانين، وأكثر الناس سعيا لتطوير القوانين والادارات والمؤسسات دفاعا عن مصالح لبنان، لكنّ المشكلة الكبيرة تكمن في هذا البلد المتعدد الصلاحيات والمواقع والذي يتضمن خللا بنيويا وعطبا داخليا نتيجة هذه القواعد الطائفية والمحاصصة الطائفية وجعل الطائفة غطاء وستارا لمن يمثل هذه الطائفة في النظام للاستنجاد بها بحجة أن الطائفة مستهدفة لحماية من يسيء بأدائه أو يستغل موقعه على حساب المال العام. هذا العطب الداخلي والبنيوي لا يمكن التخفيف من أضراره الا بوجود رجالات دولة يتجردون من هذه الحسابات ويأخذون بعين الاعتبار التنوع ويحسنون إدارة البلد والوصول الى تسويات، ولكن مع الأسف عندما فقدنا عام 2005 الناظم السوري للايقاع دخل البلد في فوضى أمنية وسوء أداء لإدارة البلد أكثر حتى وصل الى ما وصلنا اليه. 

تعميم الفساد هدفه إسقاط هالة وصدقية الناس الأكفاء ونظيفي الكف

وحول اتهام البعض حزب الله بالفساد لمشاركته بالحكومة، يرد فنيش بالإشارة الى أن هذا الكلام جزء لا يتجزأ من الحملة الممنهجة. هذا التعميم -بنظره- يشكل محاولة للتغطية على المرتكب الحقيقي لأنه عندما لا يكون هناك تحديد للمسؤوليات بحسب الصلاحيات والوقائع يتم التعميم ويجري التركيز عليه في الاعلام خصوصاً من قبل من لديهم خيوط مع مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل والدعم الأميركي. وفق فنيش، هذا الشعار هدفه إسقاط هالة وصدقية الناس الأكفاء ونظيفي الكف والمضحين المخلصين كي يكون هناك صياغة لعقل الرأي العام لينسجم مع المشروع السياسي لهذه الأدوات المتصلة بالحسابات الخارجية الأميركية. وبحسب فنيش، فإن الفساد له توضيح، ونحن تحدّينا خصومنا في السياسة -داخلياً وخارجياً- لو وجدوا خلال تولينا الحقائب أي خلل بمعنى مخالفة قانون وليس فقط فساداً مباشرا أن يظهروه للناس. وفق فنيش، نحن لدينا هذا الأداء المنضبط ويحاولون تكذيبنا وتشويه الصورة، ولو لديهم شيء أو دليل لكانوا عملوا منه قضية كبرى. 

في الختام، يُشدّد فنيش على أنّ هذا الاتهام مردود على أصحابه، قائلاً:" لدينا تحالفات سياسية لكننا لسنا مسؤولين عن أداء حلفائنا بل عن أدائنا وأي شخص لديه دليل -وهذه ملفاتنا موجودة- فليبحث وليأتِ بدليل ليقول للرأي العام إن كلامه ليس كذبا أو تجنيا".

محمد فنيش

إقرأ المزيد في: خاص العهد