خاص العهد
العدوان على أحراج اللبونة.. ماذا تخفي "اسرائيل" وراءه؟
سامر الحاج علي
بين مقصود لم يُقصد، ومعلوم صار وفق سلَّم أولويات البعض في لبنان مجهولاً، تضيع قضايا وتُسلب حقوق وتُنتهك حدود. وبين هذه وتلك تُهدر سيادة وطن أينعت فيه رؤوس تعرف جيداً كيف تحيد عن السيادة رغم أن الحياد في ظروف كهذه يسهّل أمام العدو - أياً كان اسمه أو شكله - مهمة الاعتداء أو ربما الذهاب أبعد من ذلك أنّى استطاع سبيلاً. وعلى سبيل الاعتداء كان الحريق الذي أشعله جنود العدو الإسرائيلي في منطقة اللَّبونة جنوبي بلدة الناقورة الحدودية صباح الثلاثاء، وسط غيابٍ تامٍ لأي مواقف رسمية ممن لا يفوّتون مناسبة إلا ويتشدّقون فيها بكل أبيات الوطنية واحترام سيادة البلاد.
من أولى نقاط التماس الحدودية إذاً أراد العدو أن يبرهن عن خوفه المتواصل منذ أسابيع من رد المقاومة على استشهاد أحد مجاهديها بغارة صهيونية في سوريا، فدفعته هستيريا الرعب التي دخل في غيبوبتها إلى إشعال النار قرب نقطة الاعتلام (B9) جنوب الخط الأزرق المحاذي لمنطقة اللبونة العقارية التابعة لبلدة الناقورة والمقابلة لمستعمرة شلومي. وهي منطقة تعد وفق الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل "ذات طابع أمني حساس" نظراً لموقعها المحاذي للحدود الدولية من جهة ولعدد من المواقع العسكرية الإسرائيلية من جهة أخرى. ولأن المنطقة حرجية بامتياز وذات مسالك وعرة يصعب الوصول إليها، امتدت النيران بشكل سريع لتصل إلى عمق احراج السنديان والملول والصنوبر المعمّرة محققة الهدف الإسرائيلي بإحراقها والقضاء على جزء منها ما يسهل عليه عمليات الرصد والاستطلاع ويكشف المكان لكاميراته المثبتة مقابله، ويكمل مسلسل الاعتداء الذي كان قد بدأه هناك تحديداً قبيل غارة دمشق عندما قام بأعمال تجريف واسعة واقتلاع للأشجار.
عدوان "اسرائيل" على أشجار لبنان، قابله تدخل لفرق الإطفاء الموجودة في المنطقة والتي لم تستطع أن تسيطر على النيران إلا بعد ساعات من اندلاعها أول مرة وفق ما تؤكد مصادر متابعة لموقع "العهد" الإخباري، والتي أشارت إلى أن الوضع كان يستدعي تدخل مروحيات الجيش اللبناني إلا أنها لم تتمكن من ذلك نظراً لموقع الحريق والذي يحتم عليها العبور فوق الأراضي المحتلة أو التحليق فوقها، فجرى عندها التواصل مع قيادة قوات اليونيفيل لإشراك مروحياتها ولكن الطلب قوبل بمماطلة دامت لأكثر من ساعتين كانت فيها النيران قد توسعت، فوصلت أولى المروحيات وألقت حمولتين من المياه فوق اللبونة اللبنانية، بينما حصرت عملها بعد ذلك بإطفاء الأحراج داخل الأراضي المحتلة في تصرف فيه الكثير من الريبة والاستغراب خاصة وأن فريق الإطفاء التابع لليونيفيل والذي حرك خراطيمه وآلياته على الأرض كان قد حصر عمله أيضاً داخل الأراضي المحتلة.
وبعد أن تمت السيطرة على الحريق الأول غروب الثلاثاء عادت النيران لتشتعل مساءً فعادت الفرق إلى العمل المتواصل حتى أولى ساعات فجر الأربعاء فاستنزفت قدراتها وعديدها خاصة وأن المشاركين كانوا يقطعون المنطقة من أعلى نقطة فيها إلى عمق الوادي سيرا إلى الأقدام وفي مسالك وشيّارات عميقة وخطرة لتمديد الخراطيم والقيام بالأعمال المطلوبة لمنع تمدد النار كالتشحيل إضافة إلى التبريد والإطفاء وباقي إجراءات التأمين التي لم تحُل دون أن تتجدد النيران أو يجددها العدو بعد ظهر الأربعاء عندما عادت النار لتأكل الأشجار وتتمدد فبُذل جهد مضاعف لمحاصرتها مع استدعاء فريق إطفاء من خارج المنطقة بقي ينفذ الإجراءات التي تؤدي لمحاصرة ألسنة اللهب واخمادها حتى منتصف الليل.
ومع تحول ما يزيد عن مئة ألف متر من الأحراج في المنطقة إلى ما يشبه الرماد، كانت ترتفع صرخة الأهالي وفعاليات المنطقة للمطالبة بتحقيق رسمي حول ما جرى والتقدم بشكوى للأمم المتحدة عبر وزارة الخارجية والمغتربين ضد العدو الإسرائيلي وممارساته العدوانية. وقد علم موقع "العهد" أن لجنة رسمية من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل ستباشر الخطوات العملية لإجراء تحقيق ومسح ميداني حول الحريق الذي كان قد سبقه بيوم واحد - أي يوم الإثنين - اعتداء صهيوني آخر على السيادة اللبنانية في المنطقة نفسها، عندما أقدمت مدفعية العدو على إطلاق ست قذائف ضوئية في أجواء اللبونة سقطت إحداها داخل موقع لليونيفيل، وثلاث منها قرب نقطة للواء الخامس في الجيش اللبناني، واثنتان داخل الأحراج المحيطة وأحدثت حرائق موضعية جرى التدخل على الفور لإخمادها.
وما يكشف النوايا المبيتة للعدو بإحراق هذه الأحراج وما يحيط بها من أراضٍ زراعية وحرجية، هو أنه وقبل أن يلقي قذائف الإثنين كان قد أعلم المستوطنين في مستعمرتي شلومي وحانيتا المقابلتين بانه سيقوم بإطلاق هذه القذائف في إجراء لا يتعلق بـ"حدث أمني طارئ"، وهو كان قد استهدفها أيضاً قبيل أيام بأكثر من عشر قذائف مضيئة.
ومع احراقه لأحراج اللبونة يضيف العدو إلى سجل اعتداءاته على لبنان بنداً جديداً، يدخل إلى قائمة الحساب التي فتحها مع المقاومة بقتله للشهيد علي محسن وبقصفه لأكثر من منطقة حدودية زاد باستهدافها من توثيق العقد التي يربطها حول أعناق عساكره الذين سيدفعون - في ساعة تحددها المقاومة - ثمن حماقة قادتهم الذين يدركون أنهم باتوا أمام واقع جديد يصح فيه القول: وُجدت الجيوش لمقاومة الطلقات وجيشُهم عاجز أمام طلقة!