معركة أولي البأس

خاص العهد

ماذا يقول الدستور اللبناني في تشكيل الحكومة؟
17/09/2020

ماذا يقول الدستور اللبناني في تشكيل الحكومة؟

فاطمة سلامة

ثمّة أسئلة بديهية تُطرح في خضم اللغط الحاصل حول ملف تشكيل الحكومة. أسئلة مُستمدّة من العملية التي يدور في فلكها التشكيل. ينقلون عن الرئيس المكلّف مصطفى أديب إصراره على تشكيل حكومة واختيار وزرائها دون مشاورة أحد. وينقلون عنه أيضاً أنّه يريد أن يُشكل سابقة يضع فيها قواعد جديدة وأسساً تُلغي كل أشكال التفاوض والمشاورات ويجري إسقاط التشكيلة بـ"الباراشوت" على الكتل النيابية. تشكيلة لا ينتمي بها الوزراء للأحزاب السياسية؛ يسمونهم بالمستقلين الكفوئين. وعليه، تعطي هذه الممارسة لأديب حق تسمية الوزراء دونما الالتفات لأحد حتى لرئيس الجمهورية الشريك الأساسي في عملية التشكيل، فهل بإمكان أي رئيس مكلّف تجاوز رأي الأكثرية النيابية التي سمّته؟. وهل يُمكن سحب حق تسمية الوزراء من يد تلك الكتل؟. من هم أولئك الوزراء المسمون بالمستقلين؟ وهل يصح مفهوم الوزير المستقل في البيئة اللبنانية؟

حسناً لنُبسّط المسألة أكثر ونعطِ مثالاً واحدا ًعلى ما نقول. في الانتخابات النيابية الأخيرة، فاز النائب أمين شري بالمرتبة الأولى من الأصوات التفضيلية في بيروت حيث نال 22.961 صوتاً متفوقاً بذلك على رئيس حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري الذي نال 20.751. وبما أنّ النائب يمثّل الأمة جمعاء فهو حكماً يُمثّل رأيها في تشكيل الوزارة، وعليه فإنّ عملية التشكيل لا يجب أن تتم بمعزل عن نتائج الانتخابات النيابية، في ذلك مغالطة كبرى. بمعنى أدق، الشعب يختار النائب والأخير يختار من يمثّله في الحكومة، فكيف يُمكن اختيار وزير يُمثّل طائفة معيّنة من خارج الإرادة الشعبية التي اختارت نواب تلك الطائفة؟. 

ماذا يقول الدستور اللبناني في تشكيل الحكومة؟

اسماعيل: نص الدستور بسيط جداً وآليته واضحة لتشكيل الحكومة 

للإجابة عما تقدّم من أسئلة، لا بد من الركون الى الدستور اللبناني ومقاربته النصية في تشكيل الحكومات. لدى سؤال الخبير المتخصّص في القانون الدستوري الدكتور عصام اسماعيل عن هذه القضية، يوضح أنّ نص الدستور اللبناني لجهة تشكيل الحكومة ليس معقداً بل بسيط جداً، وقد حدّد آلية واضحة من عدة مراحل تبدأ بالدعوة الى الاستشارات التي يجتمع فيها النواب لاختيار وتسمية رئيس حكومة مكلّف، وتنتهي بمنح أو حجب الثقة. 

المادة "64" من الدستور تفرض على الرئيس المكلف قيد الأخذ بمطالب النواب 

ويوضح اسماعيل أنه وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى وتسمية الرئيس المكلّف يبدأ الأخير بعملية التشكيل، وهنا أصل الحكاية. تنص المادة "64" من الدستور حرفياً على ما يلي: "يجري الرئيس المكلّف الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها..". ماذا يعني ذلك؟ وفق اسماعيل، ينص الدستور على أن يتشاور الرئيس المكلّف مع النواب في مسألة التشكيل خلال هذه المشاورات التي يجب أن تجرى على قاعدة الثقة. للنواب الحق في تحديد مطالبهم خلال هذه الاستشارات -التي يُشوّه البعض معناها الدستوري ويطلق عليها لقب أنها غير ملزمة بينما الدستور لا يصفها بذلك، بل على العكس هي ملزمة وواجبة على الرئيس المكلّف- يضيف اسماعيل.

الرئيس المكلّف ملزم بإنجاز تشكيلة تبعاً لمواقف النواب 

ما سبق يعني -وفق اسماعيل- أنّ النواب أمام مرحلتين من الاستشارات؛ أولى يسمون فيها الرئيس المكلف، وثانية يطرحون فيها صراحةً مطالبهم حيث يعرض النائب مطالبه على الرئيس المكلّف، والأخير مُجبر بالتشاور مع النواب على اختيار الوزراء. هذا التشاور يلزم الرئيس المكلّف باحترام إرادة النواب لأنه تشاور ملزم، بحسب اسماعيل، وعندما يترك  النواب آراءهم لدى الرئيس المكلّف يقوم بدوره بغربلتها لصياغة التشكيلة منفرداً شرط أن تبنى هذه التشكيلة تبعاً لمواقف النواب وشروطهم وليس من "عندياته". هذا الأمر ممنوع يُشدّد اسماعيل لأنّ الدستور يُملي على الرئيس المكلّف أن يشكّل الحكومة بناء على رغبات نيابية.

القرار النهائي في تشكيل الحكومة يعود لمجلس النواب

وبحسب اسماعيل، على الرئيس المكلّف الأخذ بتوجهات النواب لأنهم بانتظاره في جلسة الثقة فإذا لم يأخذ بخياراتهم لن يمنحوه إياها. من هذا المنطلق، يكون الدستور قد وضع قيداً على الرئيس المكلف باستشارة النواب قبل البدء بمشروع التشكيلة الوزراية بهدف الوقوف على مطالبهم وتطلعاتهم حول شكل الحكومة، على أن يتم لحاظ هذا الأمر في عملية التشكيل لئلا يسقط الرئيس المكلّف في امتحان الثقة. من وجهة نظر اسماعيل، اذا أصرت الكتل النيابية على تسمية ممثليها عندها يصبح لزاماً على الرئيس المكلف احترام آراء هذه الكتل، فالقرار النهائي في تشكيل الحكومة هو لمجلس النواب الذي قد يحجب الثقة في نهاية المطاف. 

لا يجوز أن يأخذ تشكيل الحكومات كل هذا الوقت في لبنان

وفيما يكرّر اسماعيل مقولته إنّ النص الدستوري لا يقرأ بعيداً عن الواقع الذي يطبق فيه، يقدّم قراءته الخاصة حيال السجال الدائر اليوم حول تشكيل الحكومة. برأيه، يقف دور النواب عند ثاني استشارات تجرى لتشكيل الحكومة، لننتقل بعدها الى المرحلة الثالثة وهي العلاقة بين رئيسي الجمهورية والمكلف. يعد الأخير التشكيلة ويوقعها رئيس الجمهورية ويذهب الجميع الى مجلس النواب. اذا لم تعجب تلك التشكيلة النواب يحجبون الثقة عنها ونذهب باتجاه تكليف جديد. يريد اسماعيل القول :"لا يجوز أن يأخذ تشكيل الحكومات كل هذا الوقت في لبنان، ويبقى البلد معطلاً". وفق المتحدّث، حتى تاريخه لم يُسقط مجلس النواب حكومة بامتحان الثقة، فما المانع من استخدام هذا الحق الدستوري؟

مصطفى أديب

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل