معركة أولي البأس

خاص العهد

05/09/2020

"عقد عمل موحّد" للعاملات الأجنبيات وهذا ما تقوله لـ"العهد" يمين

فاطمة سلامة

لطالما خضعت قضية العاملات في الخدمة المنزلية في لبنان للكثير من المزاجية. لا قواعد وقوانين واضحة تُنظّم طبيعة العلاقة بين العاملات وأرباب الأسر. غالباً ما نسمع عن قصص فيها الكثير من المشاكل بين الطرفين. ثمّة شكاوى بالجملة تحصل جراء هضم حقوق عاملات يتعرّضن لشتى أنواع الجشع والطمع والاستعباد ربما. وفي المقابل، ثمّة أصوات ترتفع من قبل أرباب العمل تشكو هروب خادمات من منازلهن بلا أي مسبّب، كما تشكو عناداً لا مبرّر له وتصرفات غير لائقة. 

والحقيقة ان الغوص في غمار هذا الملف وتفاصيله ليس بالأمر السهل، خصوصاً أن الظروف تختلف باختلاف كل عاملة وكل أسرة. وخصوصاً أنّ أعداد العاملات في لبنان كبيرة، فرغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة، يبلغ عدد العاملات اللواتي سجلن في وزارة العمل 187 ألف عاملة. وعلى كبر أرقامهن نسمع الكثير من القصص. بعض العاملات يصفن أنفسهن بالمحظوظات لاختيارهن من قبل أرباب عمل يراعون مبدأ الانسانية، والعكس صحيح. كما أنّ بعض أرباب العمل  يتحدّثون عن حظهم الجيد في اختيار عاملة تعمل بضمير بعيداً عن العناد، والعكس أيضاً صحيح. 

ومن هذا المنطلق، وفيما تكثر المشاكل والتجاوزات في المنازل، أطلقت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين أمس الجمعة "عقد العمل الموحّد" لتنظيم العمل بين العاملات وأرباب الأسر ليعرف كل طرف حقوقه وواجباته تفادياً للكثير من المشاكل. فهل ينصف عقد العمل الجديد الطرفين؟ هل من إمكانية لتطبيقه؟ ماذا لو لم يُطبّق؟. 

يمين: "عقد العمل الموحّد" سيُعمّم الإثنين 

الوزيرة يمين تؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الواقع بيّن وجود الكثير من المشاكل والتجاوزات بالجملة في ملف الخدمة المنزلية، اذ ليس المهم فقط دفع الراتب آخر الشهر، بل هناك ترتيبات كثيرة وتقديمات تحتاج اليها العاملة كإنسان يعيش معنا في المنزل. ومن هنا جاء إصدار "عقد العمل الموحد" الذي يُشكّل -برأي يمين- خطوة متقدمة ومهمة جداً باتجاه إلغاء نظام الكفالة، فالعمل على هذا العقد جار منذ سنوات طويلة حتى تمكّنا في هذه الحكومة من إصداره بعدما شكّلنا لجنة مشتركة مع الأمن العام، وأنشأنا لجنة خاصة لتفكيك نظام الكفالة مع منظمة العمل الدولية والعديد من المنظمات كمنظمة الهجرة و"كاريتاس" وغيرها. قناعةً مني بأهمية هذا العقد -تقول يمين- أصدرته بعدما انتهى العمل عليه قبل بدء فترة تصريف الأعمال، ليصار الى تعميمه على كتاب العدل بدءاً من الإثنين المقبل ويصبح قابلاً للتطبيق. وبحسب يمين يحتوي العقد -الذي يجب أن يوقّع من قبل الطرفين- على 15 مادة، وقد تمّت ترجمته الى كافة اللغات كي تعرف كل عاملة حقوقها وواجباتها.

للعاملة الحق بتغيير صاحب العمل وللأخير الحق بفسخ العقد 

ما المقصود بتفكيك نظام الكفالة؟ تجيب يمين عن السؤال بالإشارة الى أنّ أهم نقطة في "عقد العمل الموحّد" هي أن تمتلك العاملة حرية تغيير صاحب العمل. هذا البند مطلوب كإصلاح أساسي من قبل المنظمات الدولية بعدما تناولت عدة وسائل إعلامية في العالم مسألة "عبودية" العاملات في لبنان. وفق يمين، يعطي العقد الحق للعاملة بتغيير الكفيل متى شاءت اذا لم تتفق معه، لافتةً الى أن تفكيك النظام سيمر بعدة مراحل ولكل مرحلة تداعيات، ففي حال كان التغيير قبل الستة أشهر يختلف الأمر لجهة المسؤولية عن المدة الأطول. وتلفت يمين الى أننا أنشانا لجنة خاصة لتفكيك نظام الكفالة بالتعاون مع الأمن العام، بحيث ينص العقد -الذي سيصدر إعلامياً نهار الإثنين- على حق العاملة في تغيير الكفيل وبالتالي تغيير مكان العمل، تماماً كما يحق لرب الأسرة فسخ العقد، اذ ينص المشروع الجديد على أنه "يحق لأي طرف فسخ العقد بشكل أحادي على أن يعلم الفريق الآخر قبل شهر على الأقل".  

العقد يحد من ظاهرة هروب العاملات

وتتوقّف يمين عند نقطة تعتبرها جوهرية، فهذا العقد من المفترض أنه سيحد من ظاهرة هروب العاملات طالما بإمكانها تغيير صاحب العمل، لافتةً في السياق الى أنه ليس دائماً رب العمل هو السيئ. والأهم برأيها، أن يتشدد الأمن العام لكي لا يكون لدينا عاملات يعملن بطريقة غير نظامية، وهنا يقع جزء من المسؤولية على عاتق المكاتب لجهة طريقة الاستقدام. وتشير يمين الى أنه سيكون هناك عمليات رقابية من قبل الأمن العام الذي يجب أن يأمر بترحيل العاملات اللواتي يرفضن العمل بطريقة نظامية. 

للعاملة الحق بالاحتفاظ بجواز سفرها والتنقل 

وتسلّط يمين الضوء على الجانب الإنساني من العقد الجديد. وفق قناعاتها، يحتوي العقد على بعد إنساني يؤمّن للعاملة حقها الطبيعي في التنقل والاحتفاظ بأوراقها وجواز سفرها، وحق حصولها على مكان خاص بها للنوم وعلى الهاتف المحمول. برأي يمين، العقد الجديد هو خطوة أساسية للاعتراف بحقوق العاملات ولكن الأمر -بطبيعة الحال- رهن التطبيق والتنفيذ، ولهذه الغاية سيكون هناك حملات توعية على وسائل الإعلام كي يعي أرباب العمل حقوق العاملات بعيداً عن العبودية، اذ ليس باستطاعتنا الدخول الى كل منزل منفرداً لنعلم كيف يتصرف أصحابه مع العاملات، ولكن مع التوعية تصبح بنود هذا العقد بمثابة ثقافة لدينا. 

ساعات العمل ثمانية يومياً و15 يوماً عطلة سنوية 

وفيما ينص عقد العمل الموحّد على أن تحدد ساعات العمل الأسبوعية بـ48 ساعة كحد أقصى أي بمعدّل ثماني ساعات يومياً، تلفت يمين الى أنّه وفي حال اضطرت العاملة الى العمل ساعات إضافية، يجب على صاحب العمل أن يدفع ثمنها، وذلك باحتساب 50 بالمئة من قيمة الساعة بدل كل ساعة إضافية. وبحسب يمين، يحق للعاملة أن تستفيد من الإجازة السنوية المدفوعة الأجر لمدة 15 يوماً بعد مرور عام على بدء العمل. كما يحق للعاملة الحصول على عطلة نهاية الأسبوع أي يوم الأحد، ولكن بالاتفاق مع صاحب العمل من الممكن تبديل الأحد بيوم آخر وذلك برضى الطرفين. وفق قناعاتها، فإنّ الهدف من هذا العقد هو إلغاء التمييز تجاه هذه الفئة من الناس بحيث تصبح معاملتهم كأي عامل. تنظيم هذه المهنة ضمن مشروع سيشجّع -برأي يمين- اللبنانيين للعمل في هذه المهنة بحيث يصبح لديهم دوام للعمل ونظام صحي، اذ تصبح هذه المهنة لائقة، وهذا هو الهدف الثاني من العقد، تضيف وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال.  

لإدخال العاملات في الخدمة المنزلية ضمن قانون العمل

وتوضح يمين أن دراسة قانون العمل أخذت وقتاً، آملة أن تتمكّن الحكومة القادمة من تعديل المادة 7 المتعلقة بإخضاع العاملات في الخدمة المنزلية ضمن قانون العمل، وهذا ما يجب التصديق عليه في البرلمان. وفق تقديرها، عندما تدخل هذه القضية في قانون العمل فإننا نحل بذلك الكثير من المشاكل لأنها تصبح مهنة كسائر المهن محمية بقانون العمل. 

خط ساخن لتلقي الشكاوى والمطلوب تفعيل التفتيش والرقابة 

ما عقوبة عدم تطبيق العقد المذكور لا سيما أنه ليس باستطاعة أحد ضبط قواعد التعامل خلف الأبواب الموصدة؟ تجيب يمين بالإشارة الى أننا وضعنا الخطوط الساخنة كخطوة مكمّلة لهذا العقد وهناك ست عاملات من الأخصائيات الاجتماعيات يتلقين الشكاوى ويقدّمن الاستشارة  على الخط الساخن 1741 على مدار الساعة. ولا تنكر يمين أنّ هذا الأمر يحتاج للتطوير فمتفشو وزارة العمل لا يحق لهم حالياً الدخول الى المنازل ما يحتم ضرورة التطوير لتفعيل الرقابة والتفتيش لتطبيق العقد. 

وتلفت يمين الى أنّ أي تجاوزات نتلقاها يصار الى التحقيق بها من قبل وزارة العمل، وأي عمل إجرامي سيضع الشخص على اللائحة السوداء بحيث لا يحق له استقدام عاملة مرة جديدة، كما قد نضطر الى رفع شكوى بحقه لدى النيابة العامة في حال كان هناك تجاوزات معينة. 

يحق لصاحب العمل تكليف العاملة بأي مهمة طالما مذكورة في عقد العمل 

سألناها: البعض يعتبر أنّ هناك بنوداً في متن عقد العمل الموحّد تنصف العاملات، فما البنود التي تنصف أرباب العمل؟ فأجابت أنه يحق لرب العمل فسخ العقد ساعة يشاء، كما يحق له تكليف العاملة بالعمل الذي يريد ما يحتّم عليها إنجازه بلا تردد بحيث تصبح العاملة كأي موظّف. وتوضح يمين أن العقد ينص في المادة الأولى منه على المهام المنوطة بالعاملة إنجازها كتربية الأطفال، الاعتناء بالمسنين والحيوانات الأليفة وغيرها من المهام. وبحسب يمين تختار العاملة قبل التوقيع على العقد مهامها لتعرف ما المطلوب منها. 

وفي الختام، تقول يمين: "يبقى التطبيق هو الأساس، مع الإشارة الى أن هناك بعض الأسر تطبق بنود هذا العقد قبل أن يقر"، مؤكّدةً على ضرورة أن يتم إخضاع العمل المنزلي لقانون العمل اللبناني عبر البرلمان، ما يحول مهنة الخدمة المنزلية الى مهنة لائقة.

عبد الله: العقد بمثابة حبر على ورق 

لا يتفق رئيس الاتحاد الوطني لنقابات ​العمال​ والمستخدمين​ كاسترو عبد الله مع وجهة نظر يمين، فهو يعتبر أن عقد العمل الموحّد لا ينصف الطرفين، اذ لدينا تجربة في هذا الصدد، فالاتفاقية التي تُعقد حالياً عند كاتب العدل هي عبارة عن "عقد عمل"، مع فارق أنّ العقد الجديد يحدّد أكثر. لكننا نفضّل -يقول عبد الله- أن يحمي قانون العمل اللبناني الحالي العلاقة بين العاملة وصاحب العمل لأنه الأنسب والأفضل. برأي عبد الله، لو أنّنا سننجز اتفاقية خاصة لكل فئة فنحن نضرب بذلك كل ما له علاقة بالاستقرار والقوانين والحقوق. 

 

"عقد عمل موحّد" للعاملات الأجنبيات وهذا ما تقوله لـ"العهد" يمين

ويشير عبد الله الى أنه حتى ولو وقّعت العاملة الأجنبية وبلغتها عقد العمل الموحّد -وبعضهن أميات لا يجدن القراءة- فإنّ صاحب العمل قد لا يعطي إجازة أسبوعية وقد لا يحدد ساعات العمل، سائلاً: من سيراقب ما الذي يحصل داخل المنزل؟. وهنا يصف عبد الله عقد العمل الموحّد بمثابة "الحبر على الورق"، فالعقد الذي يتم حالياً عبر كاتب العدل يحدد الحقوق والفرصة وتقاضي الرواتب آخر الشهر ورغم ذلك يجري رمي العاملات في الشارع. 

لتطبيق المادة 7 من قانون العمل والأخذ بالاتفاقيات الدولية 

وعليه، يرى عبد الله أن إصدار عقد العمل الموحّد ليس سوى استهلاك للوقت، داعياً الى  تطبيق المادة 7 من قانون العمل لإلغاء الإجحاف اللاحق بحق العاملات في الخدمة المنزلية واللواتي استثناهن قانون العمل. فضلاً عن ذلك يجد عبد الله من الضرورة إصدار المراسيم التطبيقية في هذا الموضوع والعمل على الأخذ بالاتفاقيات الدولية وخاصة الاتفاقية 189 المتعلقة بالعمل اللائق للعاملات في الخدمة المنزلية والتي صوّت عليها لبنان في جنيف عام 2011 ولم يتم التصديق عليها في مجلس النواب حتى اللحظة.

عاملات الخدمة المنزلية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل