خاص العهد
لماذا توجّه مساعدات الدول للمنظمات غير الحكومية في لبنان؟
فاطمة سلامة
ما إن حلّت كارثة 4 آب، حتى تحوّل لبنان الى محجّة لكثير من الدول. سيلٌ من التضامن الدولي شهدته بيروت "المنكوبة" غداة الانفجار الكبير. تضامنٌ أعربت فيه العديد من الدول عن مساعدات وهبات للعائلات المتضرّرة. ولهذه الغاية، عُقد مؤتمر المانحين الذي نظّمته فرنسا لدعم لبنان وأعلن فيه عن مساعدات مالية. إلا أنّ ثمّة أسئلة كثيرة تُثار على هامش هذه المساعدات الدولية. أسئلة مستمدة من عقلية بعض الدول الداعمة ونظرتها للبنان، وطبيعة مصالحها فيه. طبعاً، ثمة نوعان من المساعدات برزا فور حلول كارثة 4 آب. أول ذو طابع انساني بحت وقد عبرت عنه بعض الدول التي لا تملك مصالح سياسية في لبنان كسريلانكا وبنغلادش وموريتانيا وغيرها من الدول، وثان ذو طابع سياسي تقوده بعض الدول التي تبحث عن موطئ قدم سياسي لها في لبنان وعلى رأسها أميركا وبعض الدول الغربية. فمن يتابع حركة الزيارات والاتصالات الغربية التي تلت نكبة بيروت، يُدرك جيداً أنّ الاهتمام الدولي بلبنان وتقديم المساعدات لن يكون بالمجان. يُمكن الاستدلال على هذا الأمر بالالتفات قليلاً الى تاريخ هذه الدولة أو تلك ودورها في لبنان. فهل يُعقل أن تقدّم الولايات المتحدّة الأميركية مساعدات لأهداف انسانية بحتة وهي التي مارست خناقاً اقتصادياً غير مسبوق على الشعب اللبناني وفرضت عقوبات؟! هل لنا أن نُصدّق أن واشنطن تقدّم مساعدات مجانية للبنان وهي التي سحبت الدولارات من السوق اللبنانية لخلق أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ لبنان وتجويع شعبه؟!.
ولعلّ أكثر ما يثير التساؤلات على هامش توزيع المساعدات هو اشتراط الدول المانحة وجوب إيصال المساعدات بشكل "مباشر" إلى الشعب اللبناني، الأمر الذي يُفسّر بروز جمعيات من المجتمع المدني في ساحة المساعدات وتوليها مهمّة التوزيع، ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة عمل هذه الجمعيات وأهدافها وارتباطها بالخارج، فضلاً عن مدى قدرتها على "أداء الأمانة" كما هي بلا أي نقصان لا سيما وسط الحديث عن تسلم مساعدات وبيعها في الأسواق، ولا سيما أيضاً أنّ للبنان تجربة مع بعض هذه الجمعيات التي تندرج في إطار المنظمات غير الحكومية والتي أدّت أدواراً مشبوهة في أكثر من محطة زمنية.
الكاتب والمحلّل السياسي غسان جواد يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن ملف الجمعيات، فيلفت الى أنّه ملف شائك ومحفوف بالكثير من الشبهات لناحية بعض الجمعيات وسلوكها ودورها. الأداء المشبوه لهذه الجمعيات -برأي جواد- سابق لتاريخ 4 آب. طبعاً، لا ينكر المتحدّث أنّ هناك جمعيات نزيهة وتتعاطى بشفافية، لكن هناك الكثير من الجمعيات التي تثار حولها علامات استفهام لناحية مدى شفافيتها في ملف صرف المساعدات وإيصالها للمتضررين، وهذا ما بدا واضحاً خلال الأزمة السورية، حيث ساد الخلاف حول المساعدات الآتية للنازحين السوريين، وانطلاقاً من هنا فإنّ المشهد يتكرّر اليوم من حيث إعطاء الجمعيات مساعدات لإيصالها للمتضررين من نكبة بيروت. يكرّر جواد إشارته الى أنّ هناك جمعيات تتعاطى بشفافية، ولكن هناك جمعيات أخرى يجب أن يحذر اللبنانيون منها ويفكروا ملياً في التعاطي معها.
وفي معرض حديثه عن علاقة الدول الغربية ببعض الجمعيات التي تقود المساعدات اليوم على الأرض، يوضح جواد أنّه وبعد أزمة 17 تشرين الأول برز دفع غربي وبالتحديد أميركي لإنتاج نخبة جديدة من الوجوه، والدفع بها نحو السياسة كنموذج النائب بولا يعقوبيان ولكن أكثر تطوراً. ويعتبر جواد أننا لا زلنا اليوم بنفس الإطار الذي عملت فيه تلك الدول إبان أزمة 17 تشرين الأول. وفي المقابل، يرى جواد أنّ الدولة ولشدة ما قام به مسؤولوها ومن كانوا يتحكمون بالمؤسسات الرسمية من فساد وهدر وضعت كل المبرات أمام الغرب لإعطاء المساعدات للجمعيات. ووفق جواد، فإن هذه الجمعيات تضم قوى وناشطين وعناصر يُراد لهم التحول الى نخب عبر عمل هذه الجمعيات على الأرض ما سيساعدهم للتحول الى نخب سياسية جديدة على أنقاض قوى "14 آذار". وفق تقدير جواد، يبدو للغرب والأميركيين أن هناك فشلا ذريعا في منظومة "14 آذار" وقياداتها التقليدية ما دفع بهم الى العمل على إنتاج نخب من الشارع تحت غطاء ما يسمى بالمجتمع المدني لتشكيل قوى سياسية بديلة وقيادات بديلة.
وبحسب جواد، يُراد لهذه النخب أن تنفّذ أجندات سياسية. برأيه، هذا هو هدف الدعم. لا بل أكثر من ذلك، هؤلاء يعملون اليوم على تنفيذ أجندة على أنقاض الانفجار مستفيدين من أوضاع الناس السيئة ووجودهم في دائرة الضوء. وعما اذا كانت هناك مخاوف من اختلاس بعض الجمعيات للمساعدات المالية والعينية، يقول جواد "هذا ما رأيناه بملف مساعدات النازحين السوريين وبهذا المعنى هناك مخاوف طبعاً من أن تتكرّر التجربة في نكبة بيروت".
وفيما سادت معلومات عن ارتفاع أعداد طلبات "العلم والخبر" في وزارة الداخلية للحصول على تراخيص لتأسيس جمعيات ذات منفعة عامة لا تبغي الربح بغية الإفادة من المساعدات الدولية، يقول جواد "ربما هذا مؤشر على ما نقوله من أنّ هناك إحباطاً من قبل القوى الداعمة لـ"14 آذار" بعد فقدان قدرتها على تمثيل المصالح الغربية في لبنان وبالتالي يجري العمل على تحقيق أهدافها عبر المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ما يُفسّر طلبات الترخيص الكثيرة".
من هي الجهة التي من المفترض أن تكون مؤتمنة على توزيع المساعدات؟ يجيب جواد عن هذا السؤال بالإشارة الى أننا أمام معضلة جدية، اذا هناك فقدان ثقة بمؤسسات الدولة التقليدية وبالمقابل ثمّة علامات استفهام كبرى حول الكثير من الجمعيات وأهدافها. بالنسبة لجواد، نواجه معضلة تضعنا أمام تحد لإعادة بناء الدولة وفق الشفافية والحوكمة الرشيدة والاستفادة من التجارب السابقة للوصول الى دولة فيها مستوى عال من الشفافية.