خاص العهد
الفقر في لبنان ينتشر: هل يصبح ثلثا الشعب فقيراً؟
فاطمة سلامة
عندما نتحدّث عن مسألة الفقر، فإننا نتحدث عن أهم المشكلات وأكبرها في لبنان. الفقر ليست كلمة تُقال عرَضاً، بل هو مصطلح له ما له من آثار وتداعيات تُهدّد بخطورتها بنية المجتمع اللبناني. وليس سراً على أحد لا في لبنان ولا في الدول المطّلعة على أحواله أنّ الفقر في بلدنا قطع أشواطاً تتخطّى بنسبتها كل الحدود المعقولة. ففي العديد من البلدان قد نجد مجموعة فقيرة من هذا الشعب أو ذاك، إلا أنّه وعندما يصبح أكثر من نصف سكان أي بلد فقيراً كما هو الحال في لبنان -حيث تبلغ نسبة الفقر 55 بالمئة-، ما يشير الى أن نصف السكان لا يتمكّنون من تأمين الاحتياجات الأساسية البديهية، ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا حكماً في خضم كارثة حقيقية وإن لم تتظهّر مختلف جوانبها في الوقت الحالي. فالفقر يعني حاجة الفرد إلى الموارد الماليّة والأسس الضروريّة للتمتُّع بأدنى مستوى من الحياة، وهذا ما بات يفتقده كثيرون. وللأسف، فإنّ ما يزيد الأزمة سوءاً في لبنان هو غياب نظام الحماية الاجتماعية وافتقاد المواطن لأبسط حقوقه.
وبموازاة تفشي الفقر في المجتمع اللبناني، أجريت العديد من الدراسات لإحصاء نسب الفقر، وقد كان آخرها ما صدر عن منظمة "الإسكوا" والتي اعتبرت فيها أنّ نسبة الفقر في لبنان ارتفعت من 28 بالمئة عام 2019 الى 55 بالمئة في أيار عام 2020. فهل يُعقل أن تتضاعف نسبة الفقر خلال أشهر قليلة؟ ما أسباب الفقر في لبنان؟ وما خطّة وزارة الشؤون الاجتماعية للتخفيف من حدته؟.
أحمد: الفقر نتيجة حتمية لتراكم سياسات خاطئة
مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبد الله أحمد يشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ الفقر في لبنان هو تراكم للسياسات الخاطئة ولمقاربات غير سليمة تتعلق بالأسر. ويوضح أحمد أن هناك الكثير من الدراسات التي أجريت لإحصاء نسبة الفقر في لبنان منها ما صدر عن "البنك الدولي" والتي تحدثت عن أنّ الفقر في لبنان تخطّى نسبة الـ50 بالمئة، 22 بالمئة منه في عداد الفقر المدقع. وهنا يلفت المتحدّث الى أن ما أنجز مؤخراً في إطار المفاوضات مع البنك الدولي لحصول لبنان على مبلغ 600 مليون دولار كان مبنيا على أساس الدراسة التي أجراها البنك قبل أزمة 17 تشرين الأول.
وفي معرض حديثه، يلفت أحمد الى أنّ قضية الفقر في لبنان ليست وليدة اليوم بل عمرها سنوات طويلة، فالفقر المدقع كان يتراوح بين 8 و12 بالمئة قبل عام 2017، وعلى ضوء هذه الأرقام أُنجز مشروع الأسر الأكثر فقراً، والذي كان من المفترض أن يستهدف حوالى 50 الى 60 ألف أسرة. لكن مع الوقت، وعندما بدأت الأمور تتدهور اقتصاديا بدءاً من منتصف عام 2017 حتى نهاية عام 2019 تبيّن أنّ الفقر المدقع ارتفع كثيراً. وهنا يتحدّث أحمد صراحةً عن عدم وجود دراسات مسحية دقيقة تقدّم النسبة الصحيحة، اذ إنّ مختلف الدراسات مبنية على مؤشرات وأرقام جمعتها المنظمات الدولية التي تبيّن لها أنّ الفقر المدقع في لبنان وصل حد الـ22 بالمئة، أي ان ما بين 150 الى 180 ألف أسرة تقبع تحت خط الفقر المدقع، أما الفقر المطلق فقد وصل حد الـ 55 بالمئة.
ما أساس مشكلة الفقر؟
ما تقدّم يصف واقع الفقر في لبنان، لكن ما أساس هذه المشكلة؟ يسأل مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية هذا السؤال ويجيب نفسه بالإشارة الى أنّ أساس آفة الفقر في لبنان هي عدم وجود نظام حماية اجتماعية، فلو امتلكنا هذا النظام يستحيل أن نصل الى هذه الأرقام حتى ولو فقدنا فرص العمل وزادت نسبة البطالة. لكن للأسف، فإنّ المواطن اللبناني اليوم يفتقد للحد الأدنى من الحقوق من طبابة واستشفاء وتربية وتعليم وغيرها من أدنى مقومات العيش. وفق الأحمد، إذا لم يصَر الى تدخل سريع ستزداد بالتأكيد نسبة الفقر. ما المطلوب؟ يشدد الأحمد على أنّ المطلوب فوراً إيجاد فرص عمل للمواطنين وتحريك بعض القطاعات. على سبيل المثال، فإنّ قطاع البناء توقّف بشكل كلي وأحد الأسباب هو عدم وجود قروض لتحريك عجلته من جديد. كما يتناول المتحدّث الأزمة التي يعيشها القطاع الزراعي. الأخير يحتاج دعماً لتخفيف الأكلاف والأعباء، فنسبة الزراعة في لبنان انخفضت 39 بالمئة وهي نسبة كبيرة جداً والسبب الأساسي كان في الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار ما ألقى أعباء كبيرة على المزارع الصغير. وعلى المعنيين أيضاً -بحسب الأحمد- تفعيل القطاع السياحي وخاصة السياحة الدينية مع الإشارة الى أنّ أزمة "كورونا" فاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان.
ما خطّة وزارة الشؤون الاجتماعية؟
هل من خطط لدى وزارة الشؤون الاجتماعية للتخفيف من واقع الفقر في لبنان؟ يؤكّد أحمد أن الوزارة لديها الكثير من الخطط أبرزها:
-استراتيجية الحماية الاجتماعية التي أطلقت منذ نحو عام، واليوم تشهد هذه الاستراتيجية تقدماً حيث يتم جمع المعلومات والمعطيات لتقديم مجموعة خدمات للمواطن عبر مقاربة حقوقية. بتقدير أحمد، فإنّ كل المواطنين دون استثناء يجب أن تلحظهم الاستراتيجية فهذا حقهم الطبيعي. ويتطرق أحمد الى نقطة مهمة تبيّن سوء التخطيط وما ينتج عنه من هدر في الدولة اللبنانية، فلو أردنا أن نجمع الأرقام التي تُدفع في القطاع الصحي، نجد مثلاً أنّ وزارة الصحة تقدم بدل صحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية تفعل ذلك، كما وزارة التربية والكثير من الوزارات والادارات والأجهزة الأمنية وصناديق التعاضد والتأمين. برأي أحمد لو جُمعت كل هذه المبالغ باستطاعتنا تغطية 80 بالمئة من اللبنانيين صحياً، في الوقت الذي لدينا فيه حوالى مليونين أي نصف الشعب اللبناني ليس لديهم ضمان صحي.
مثال آخر يقدّمه الأحمد. اليوم أصبح لدينا أزمة اقتصادية كبيرة ما سيدفع كثيرا من المواطنين الى نقل أولادهم من المدرسة الخاصة الى الرسمية. الأخيرة لا قدرة استيعابية لديها، أضف الى ذلك أن هذا النزوح من الرسمي الى الخاص يُدمّر قطاعات بأكملها أي القطاع الخاص الذي ينتج فرص عمل. وهنا يسأل أحمد:" هل المطلوب تدمير هذا القطاع أو الذهاب الى آلية لدعم الأطفال في لبنان عبر رقم معينّ؟.
- مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً. بحسب أحمد من اليوم وحتى شهرين قادمين يجب أن يغطي هذا المشروع 50 ألف أسرة في لبنان. هذه الأسر يجري دعمها عبر تلقيها خدمات تربية وصحة وخدمة مالية لم يتحدد نوعها بعد وهي إما مالية عبر إعطاء مبلغ من المال، أو غذائية، وسيكون هناك اجتماعات قريبة لحسم هذا الموضوع.
وفي الوقت نفسه، يوضح أحمد أن الوزارة ستعمل على إجراء مسح من هي الأسر التي تقبع تحت خط الفقر للإتيان بتمويل لها وتحسين أوضاعها. وهنا يدرج مثالاً، فلو أنجزت الدولة حضانات للأسر الأكثر فقراً على أساس مبلغ 20 ألف شهرياً للطفل الواحد فإننا سنوفر كثيرا على المواطنين.
-مشاريع لحماية الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
-مشروع برنامج متطور جداً يتعلق بالمسنين بالتعاون مع عدة جمعيات لاستهداف هذه الفئة خاصة فيما يتعلّق بالخدمات الأساسية.
وفي الختام، يؤكّد أحمد أنّ هناك العديد من المشاريع الأخرى التي تعمل عليها الوزارة. هذه المشاريع تساهم كثيراً بلا شك في التخفيف من نسبة الفقر في لبنان.
شمس الدين: نسبة الفقر لم تتضاعف خلال سنة واحدة
الباحث في الدولية للمعلومات الأستاذ محمد شمس الدين يوضح أنّ الفقر في لبنان ليس وليد اللحظة أو الأشهر الأخيرة، بل هو نتيجة سنوات من التراكم. يتّفق شمس الدين مع "الاسكوا" لناحية نسبة الفقر التي وصلت حد الـ55 بالمئة لكنه يختلف معها في إشارتها الى ارتفاع نسبة الفقر من 28 بالمئة عام 2019 الى 55 بالمئة عام 2020. وفق شمس الدين فإنّ هذا الارتفاع كبير ويستحيل أن يتم بهذه الفترة القصيرة. بحسب حسابات شمس الدين، فإنّ نسبة الفقر اليوم تبلغ 55 بالمئة لكنها لم تصل الى ذلك فجأة بل هي تراكم لسنوات، حيث بدأت نسبة الطبقة الوسطى ومنذ عام 2000 تشهد تراجعاً ما أدى الى ازدياد نسبة الفقر، وبالتالي لم ينقلب الواقع الاقتصادي والاجتماعي رأساً على عقب في سنة واحدة.
أرقام الدولية للمعلومات
وبحسب دراسة أجرتها الدولية للمعلومات مطلع العام الحالي، يُدرج شمس الدين الأرقام على الشكل التالي: 5 بالمئة من اللبنانيين هم أثرياء وأغنياء، نسبة الطبقة الوسطى تراجعت من 70 بالمئة الى 40 بالمئة خلال 15 عاماً، نسبة الفقراء كانت 25 بالمئة عام 2005 وأضحت اليوم 55 بالمئة بحيث ان الثلاثين بالمئة الذين خسروا مكانتهم في الطبقة الوسطى انضموا الى لائحة الفقراء. 25 بالمئة من نسبة الـ55 بالمئة ينتمون الى لائحة الفقر المدقع أي أن دخلهم أقل من دولار (سعر صرف 8000 الاف ليرة) ولا يكفي لتأمين الغذاء الصحي والسليم. 30 بالمئة منهم فوق خط الفقر أي أنّ دخلهم يكفي لتوفير الغذاء الصحي والسليم ولكنه لا يكفي لتوفير السكن الصحيح والطب والتعليم والأمور اللائقة.
ويلفت شمس الدين الى أن هناك أسباباً متعدّدة للفقر، ولعل البطالة هي السبب الأول والرئيسي حيث سجّلت 25 بالمئة في حزيران 2019، لتبلغ اليوم ما يقارب الـ 32 بالمئة أي ان هناك نحو 430 ألف عاطل عن العمل، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع حتى الـ 65 بالمئة في نهاية العام. ويوضح شمس الدين أن الفرد عندما يصبح عاطلاً عن العمل فإنه حتماً سيفقد دخله لينضم الى لائحة الفقراء، فيما يرجّح أن ترتفع نسبة الفقر مع ارتفاع نسبة البطالة خصوصا في ظل عدة أزمات منها "كورونا"، تفجير المرفأ، الوضع الاقتصادي الصعب فضلاً عن إقفال المؤسسات وحالات الصرف التعسفي التي نشهدها بكثرة. وعليه، كلما ارتفعت البطالة سترتفع نسبة الفقر بشكل تلقائي.
ويرى شمس الدين أننا اذا استمررنا على هذه الحالة سنكون للأسف أمام انهيار الكثير من مؤسسات المجتمع اللبناني، داعياً لإيجاد فرص عمل عبر تحرير الاقتصاد من القيود والضرائب واعادة الانتظام للقطاع المصرفي والمالي