خاص العهد
"كورونا" يتمدّد..وهكذا يبدو واقع المستشفيات في لبنان
فاطمة سلامة
على سبيل المزاح الممزوج بالخوف، تقول إحدى السيدات "لو أُصاب بكورونا اليوم أفضل من الغد، فمن يدري قد لا أجد موطئ قدم لي في المستشفى بعد أيام". خوف هذه السيدة ومثلها كُثر ينبع مما يُقال اليوم حول واقع المستشفيات في لبنان. أسئلة كثيرة تُطرح حول قدرة هذه المستشفيات الاستيعابية وسط أعداد الإصابات الهائلة والتي تطّرد يوماً تلو آخر، الأمر الذي يضع لبنان أمام سيناريوهات صعبة ومرّة تشبه بقساوتها "النموذج الإيطالي"، حين امتلأت ممرات المستشفيات بالمصابين دون القدرة على استيعاب الجميع، وحين ساد مبدأ المفاضلة بين مريض وآخر. هذا السيناريو لا يستبعده من هم في موقع المسؤولية وعلى تماس مباشر مع واقع المستشفيات وقدراتها. برأيهم، اذا بقي الاستهتار سيد الموقف وبقيت الإجراءات الرسمية الصارمة خارج التنفيذ ستضج المستشفيات بالمصابين وسيتعذّر على كُثر الحصول على سرير واحد للعلاج.
فكيف يبدو واقع المستشفيات اليوم وسط الأرقام الصادمة التي يُسجّلها عداد "كورونا" يومياً؟ كم تبلغ قدرتها الاستيعابية؟ وما خطّة وزارة الصحة لتدارك الأسوأ؟.
الحلو: وضع المستشفيات غير مطمئن
مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو يختصر لموقع العهد الإخباري واقع المستشفيات في لبنان، فيستهل حديثه بالإشارة الى أنّ الصعوبات بدأت تتسلّل الى الواقع الاستشفائي بالتأكيد، لكنها لم تصل الى مرحلة الانهيار بعد. صحيح أنّنا ذاهبون نحو المهوار اذا بقيت الأمور على ما هي عليه، لكن اذا تمّ تدارك الواقع عبر اتخاذ قرارات سليمة وصارمة منها إقفال البلد لأسبوعين تستقيم الأمور ونتدارك الأسوأ. لا يُخفي الحلو أنّ وضع المستشفيات غير مطمئن، فالمستشفيات الحكومية التي تستقبل مرضى كورونا بلغت قدرتها الاستيعابية وامتلأت ولنا أن نتصوّر ماذا يعني هذا الأمر.
90 الى 95 بالمئة من المستشفيات ممتلئة
بالتفاصيل، يعرض الحلو واقع المستشفيات الحكومية، فيوضح أنّ لدينا ما يقارب الـ14 مستشفى حكوميا في لبنان مجهزة لاستقبال مرضى "كورونا، جزء منها مخصّص للحجر، وآخر للعلاج. وبالأسماء يُدرج المتحدّث المستشفيات الحكومية، في محافظة النبطية: مستشفى بنت جبيل، مستشفى النبطية. في محافظة الجنوب: مستشفى صيدا. في محافظة بيروت: مستشفى رفيق الحريري، في محافظة عكار: مستشفى حلبا الحكومي. في محافظة الشمال: مستشفى طرابلس الحكومي. في محافظة البقاع: مستشفى زحلة الحكومي، مستشفى مشغرة الحكومي. في محافظة بعلبك الهرمل: مستشفى بعلبك الحكومي والهرمل الحكومي. في محافظة جبل لبنان: مستشفى بعبدا الحكومي، مستشفى ضهر الباشق بالمتن، مستشفى البوار في كسروان، وسبلين في الشوف. الأخيرة (سبلين) ستبدأ العمل بملف كورونا بعد أيام. ماذا عن القدرة الاستيعابية لهذه المستشفيات؟ يوضح الحلو أنّ 90 الى 95 بالمئة من هذه المستشفيات ممتلئ، وأكثر ما لفتنا في هذه المرحلة -يقول الحلو- هو امتلاء غرف العناية الفائقة.
لم يتبقّ سوى عدد قليل شاغر من أجهزة التنفس في المستشفيات الحكومية
انطلاقاً من هذا الواقع، دقّ وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن ناقوس الخطر، وطلبنا - يضيف الحلو- من المستشفيات الخاصة المجهّزة بأقسام لاستقبال مرضى
"كورونا" والتي أقفلت هذه الأقسام عندما انخفضت أعداد الإصابات، طلبنا منها إعادة استقبال المرضى. وفيما يتعلّق بأعداد أجهزة التنفس، يلفت الحلو الى أنّ لدينا حوالى 1250 جهازا موزّعة بين مستشفيات حكومية وخاصة. في المستشفيات الحكومية حالياً لم يتبق سوى عدد ضئيل من أصل 450 جهازا، مع الإشارة الى أنّ لدينا أجهزة تنفس أخرى في الوزارة.
وعلى قاعدة "الوقاية خير من قنطار علاج" وخوفاً من سيناريو الخارج في لبنان، يُناشد الحلو عبر موقعنا المواطنين الحذر ثمّ الحذر. حراجة الوضع تصل به حد الرجاء من المواطنين التقيد بإرشادات وزارة الصحة لناحية ارتداء الكمامة وغسل اليدين والالتزام بالتباعد الاجتماعي. وفق الحلو، الأوضاع لم تعد تحتمل والمطلوب إلغاء كافة أشكال التجمعات من أعراس واحتفالات الى المآتم. هذه الأمور بسيطة وبإمكاننا التحكم بها للسيطرة على الأوضاع -يضيف الحلو- الذي يوضح أنّ المشاهد التي نراها اليوم لناحية التجمعات تجعلنا نتحسّر على التعب الذي بذله الجهاز الطبي ومعه العديد من القطاعات خلال الأشهر الماضية. ذهاب كل الجهود التي بذلت على مدى ستة أشهر سدى يُعد جريمة كبرى. علينا أن نحمي أنفسنا ونحافظ على من نحبهم. قد يأتي يوم لا نجد فيه موطئ قدم في المستشفى، فلنتخيل -يقول الحلو- قساوة ذلك المشهد المحتمل أن يقع الخلاف بين أب وابنه على جهاز تنفس. وفق الحلو، اذا بقينا على هذه الحال سنصل الى هنا.
ويلفت المتحدث الى أنّ حادثة تفجير المرفأ فاقمت الأزمة، اذ لم يعد بإمكاننا ضبط الأمور كما في السابق وسط الزحمة التي شهدناها في المستشفيات. يُكرّر الحلو دعوته الناس للالتزام بالاجراءات وعدم الخروج من المنزل الا للاضطرار.
خطة وزارة الصحة: المستشفيات الحكومية بكاملها لمرضى الكورونا والخاصة للطبابة والاستشفاء والحالات الطارئة
ماذا عن خطة وزارة الصحة لتدارك تدهور الواقع الاستشفائي أكثر؟ يجيب الحلو عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّه في الخطوة القادمة ستتحوّل المستشفيات الحكومية بكامل أقسامها الى مستشفيات تعنى باستقبال مرضى "كورونا". هذه الخطوة ضرورية لرفع قدرتنا الاستيعابية وزيادة الأماكن المخصّصة لاستقبال مرضى كورونا، وعليه لا حل -برأي الحلو- سوى بتحويل المستشفيات الحكومية الى مستشفيات لمعالجة مصابي "كورونا" فقط. على سبيل المثال، يوضح الحلو أنّ مستشفى بعبدا مثلاً لديه 12 الى 13 سريرا لمعالجة مرضى "كورونا" أما بقية المستشفى فهي أقسام تعنى بالاستشفاء والطبابة، اذ هناك مرضى لا يمكن عدم استقبالهم كمرضى القلب أو الحالات الاضطرارية. وعليه، لا بد -وفق الحلو- من تحويل المستشفيات الحكومية الى مستشفيات تعنى بمرضى "الكورونا" فقط مع ترك أماكن لمرضى الحالات المستعصية والطارئة وغيرها في المستشفيات الخاصة، بحيث يتم تحويل كافة مرضى الطبابة والاستشفاء والعمليات الطارئة الى المستشفيات الخاصة التي لم تجهّز أقساماً للكورونا وليس لديها الإمكانية لذلك. أضف الى ذلك أنّ هناك مشروعا لدى الوزارة لإمكانية الاستفادة من المستشفيات الميدانية التي وضعت خاصةً المستشفى القطري المجهّز بشكل جيد لاستيعاب أعداد الإصابات.
الحذر وإلا ذاهبون الى المهوار
هذه الخطة -وفق حسابات الحلو- تؤمّن لنا أماكن كبيرة جداً لاحتواء المصابين، ولا ننسى أننا خلال مهلة شهرين قادمون على فصل الشتاء، الأمر الذي سيزيد أعداد الحالات بحيث تشترك الانفلونزا العادية مع الكورونا والخطر يصبح أقوى وأصعب، بحسب الحلو. لذلك، كانت الدعوة لإقفال البلد أسبوعين كي يتم احتواء الأوضاع نوعا ما. ويرى الحلو أنه اذا ما التزم المواطنون خلال هذين الأسبوعين بكافة التدابير الضرورية، وطبّقت الدولة القرارات والإجراءات المتخذة بحزم ومئة بالمئة بإمكاننا تدارك الوضع. يبدي الحلو عتبه على التقصير الرسمي الذي نشهده اذ لم نشهد محضر ضبط واحدا بحق مخالف لم يرتد الكمامة كما يحصل في الخارج. بالنسبة للحلو على الدولة تطبيق الاجراءات كما يجب وكل من يُسبّب العدوى للآخرين يجب أن يتم سجنه ويدفع غرامة. برأيه، اذا لم يجر تنفيذ هذه القوانين سنذهب الى المهوار، فنحن بلد ضعيف وتلفه المشاكل من كل حدب وصوب من اقتصادية الى صحية ومالية. يضيف الحلو: لبنان لا يتحمّل، محذّرا ومكّررا رجاءه من الشعب اللبناني الالتزام وإلا ذاهبون الى الكارثة.
هارون: 30 مستشفى من أصل 127 استحدثت أقساماً لكورونا
نقيب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ 30 مستشفى خاصا -من أصل 127- استحدثت أقساماً خاصة لاستقبال مرضى "كورونا". وفق هارون فإنّ استقبال أي مستشفى لمرضى "كورونا" مرهون باستحداث قسم خاص منفصل عن بقية الأقسام سواء عبر جناح له مدخل خاص أو مبنى منفصل عن المبنى الذي يتم فيه استقبال المرضى العاديين، وهذا شرط ليس بمقدور كافة المستشفيات تلبيته. فقط 30 مستشفى تمكّن من تنفيذ هذا الأمر وتأمين 500 سرير لمرضى كورونا، بينها ما يفوق المئة سرير في العناية الفائقة. بتقدير هارون، فإنّ استحداث قسم للكورونا داخل المستشفيات يحتاج الى تهيئة وأعمال هندسية معينة وتدريب للأطقم التمريضية، أما إجراء أقسام للكورونا بلا فصل وبدون اتخاذ التدابير اللازمة فيعني ذهابنا الى كارثة صحية، لأن مبنى أي مستشفى يضم مرضى العناية الفائقة والعلاج الكيميائي والكثير من الحالات الحرجة والتي تستدعي عناية خاصة ولا يجوز تعريضهم للخطر. وهنا يلفت هارون الى أنّ المستشفيات الخاصة الأخرى غير المجهزة بأقسام للكورونا، بإمكانها أن تستقبل في قسم الطوارئ لديها الأشخاص المشكوك بإصابتهم بكورونا بحيث توفّر لهم غرفة معزولة وتجري لهم الفحوصات اللازمة بانتظار النتيجة، وفي حال كانت إيجابية يتم إرسال الأشخاص الى مستشفى مجهز. بحسب هارون، يُمنع على المستشفيات أن ترفض استقبال أي مريض مشكوك بأمره لناحية إصابته بكورونا.
للحد من انتشار العدوى وإلا مقبلون على مشكلة كبيرة لاحقاً
وفي المقابل، يتوقّف هارون عند أوضاع المستشفيات الحكومية، فيلفت الى أنها غير مجهزة بكاملها لاستقبال مرضى كورونا كما جرى الحديث سابقاً. وفق قناعاته، اذا تم تجهيز المستشفيات الحكومية التي جرى الحديث عنها، إضافة الى الـ500 سرير في القطاع الخاص بإمكاننا أن نستوعب الإصابات مؤقتاً شرط أن لا تزداد الحالات بالشكل الذي نشهده اليوم. طبعاً، بالتوازي مع إجراءات صارمة للحد من زيادة الحالات بالشكل الذي نراه منذ أيام، يضيف نقيب المستشفيات الخاصة.
وفي الختام، يؤكّد هارون أننا أمام واقع صعب فيما يخص المستشفيات اذا بقيت الأمور على ما هي عليه. برأيه، لا يجوز ترك الأمور هكذا بل يجب العمل للحد من انتشار العدوى وإلا مقبلون على مشكلة كبيرة لاحقاً.