خاص العهد
طفل يكتنز مواهب "غريبة".. حديث الشارع الحمصي
محمد عيد
لا يزال الطفل عبد الرحمن حديث الشارع الحمصي والسوري بعدما تكشفت شخصيته المنطوية عن مواهب فريدة وخاصة لم يجد العلم لها تفسيرًا حتى اللحظة، ابتداء بكتابته ولفظه للغة الإنكليزية وهو في عمر الأربع سنوات دون أن يعلمه أحد ذلك وصولًا إلى القدرة على عمل رسومات هندسية يعجز عنها المتخصصون وليس انتهاء بإجادته لأربع لغات دفعة واحدة بينها الروسية والتشيكية دون أن يعلم أهله كيف تسنى له نيل هذه المعارف وهو لا يزال طفلا صغيرا.
من أين لك هذا؟
هب حسان الأسعد من فراشه مذعورًا وهو يسمع صوت ابنته تنادي بابا شوف "عبودي" شو عامل. اعتقد الموظف البسيط في دائرة الكهرباء والحائز على الشهادة الإعدادية أن خطرًا قد حاق بابنه عبد الرحمن صاحب السنوات الأربع قبل أن تقع عيناه على ما أصابه بالذهول والحيرة.
لم يكن أحد في المنزل قد حاول تعليم الطفل الصغير عبد الرحمن اللغة الإنكليزية فكيف به الآن وعلى مرأى من والده وبقية أخوته يرسم حروفها ويلفظها بشكل سليم وهو الذي يتكلم العربية الركيكة بحكم سنه الصغير.
استشار حسان طبيب العائلة وصديقها حول وضع ابنه شارحًا له أن الطفل يدرك أشياء لم يتح لأحد أن يعلمه إياها، تبسم الطبيب وشخص لحسان الحالة باعتبار عبد الرحمن هو طفل اضطراب توحد فئة "أسبرجر" متلازمة الموهوب، مضيفا أن هؤلاء الأطفال بحاجة لرعاية خاصة.
لم يكن لدى حسان أية خلفية عن مرض التوحد فسارع إلى الدخول على النت حتى تتبلور لديه آلية للتعامل مع طفله ليجد أن الكثير من أعراض هذا المرض موجودة لديه.
لكن مزيدًا من المواهب الخفية في شخصية الطفل راحت تظهر على العلن تباعاً. يروي حسان لموقع "العهد" الإخباري أنه كان يسير بابنه على دراجته النارية في شارع الدبلان بحمص قبل أن يطلب منه عبد الرحمن الوقوف وبإلحاح مشيرا إلى المبنى الذي أمامه، وبعد أن تفحصه قليلًا عاد مع والده إلى المنزل ليتفاجأ مساء بأن عبد الرحمن قد رسم البناء الهندسي المعقد الذي كان قد شاهده في الصباح وبالحبر الأسود الناشف.
لم يكن لدى حسان أيضًا أي فكرة عن الرسم الهندسي، فراح ينمي هذه المسألة عند طفله فيصطحبه إلى حيث يطلب منه، كأن يقفا أمام آثار حمص وكنيسة حي الدبلان حيث كان الصغير يدخل لمشاهدة الرسومات والأيقونات الصعبة والمعقدة ليعود ويرسمها في المساء.
يؤكد حسان لموقع "العهد" الإخباري أنه وبعد فترة من الزمن تفاجأ بأن طفله يتحدث بلغة جديدة: "ما كان يتكلم به ليس باللغة العربية ولا هو باللغة الانجليزية، فقمت بتوثيق ما يتحدث به حتى يصدقني الناس إذا رويت لهم ما يجري وأخذت كلام الطفل إلى المترجم الذي قال لي بأن طفلك يتحدث وينطق اللغة الروسية وبالتحديد بعض كلمات الاتحاد السوفييتي السابق، وأنا ليست لدي خلفية للغة الروسية فلم أستطع أن أنميها لديه".
يضيف حسان: "أنا من حرقة أب، صرت أدور به في الأمكان التي يقال لي بأنه يمكن أن أحصل فائدة فيها، فأخذته باتجاه رجال الدين وقصدت الأب ميشيل نعمان في الحميدية ومعي الدكتور شادي ورحت أشرح له ما يرسمه ولدي وما يتكلم به، وهناك كان يوجد ضيف مغترب قادم من جمهورية التشيك، فنادى الطفل وراح يتحدث معه ليخبر بعدها الأب ميشيل بان الطفل يتحدث لغة تشيكية، وأنا هنا ذهلت، فقال لي الضيف اسمع وراح يسأل عبودي باللغة التشيكية وعبودي يجيب بشكل نظامي، وبات لدي علم بأن الطفل ينطق اللغة التشيكية والروسي والإنكليزي ولغته الأم العربية".
مسابقة الكلية
لم يكن أمام حسان وفي مسعى منه للبحث عن طريقة للتعامل مع مواهب ولده المتعددة والمجهولة المصدر سوى أن يسأل في كل مكان عن آلية للتعامل معه وهو الأمر الذي وجده عند بعض المسؤولين.
يروي عميد كلية الهندسة المعمارية في حمص نضال سطوف لموقع "العهد" الإخباري أنه ومنذ حوالي سنتين زارهم الأستاذ حسان ومعه طفله عبد الرحمن في كلية العمارة فدخل وهو يصطحب معه دفاتر ورسوما احب أن يعرضها عليهم: "نحن لاحظنا أن هذه اللوحات متميزة فنيا وممتازة معماريا وبالصدفة كانت هنالك دورة لمسابقة العمارة فأنزلنا الطفل عبد الرحمن على المراسم التي يقوم بها طلاب حاصلون على شهادة البكالوريا وهم يتأهلون لمسابقة العمارة فجلس معهم وصار يرسم التمارين التي أعطيناهم إياها، والحقيقة أن النتيجة اتت مبهرة لأنه تفوق زمنيا وتقنيا على الطلاب الذين كانوا تقريبا في نهاية الدورة".
يؤكد سطوف أن "هذه الرسوم جرت أمامي ولولا ذلك لشككت بأن الرسوم السابقة يمكن أن يكون أحد قد رسمها له".
مضيفا بأنه ومنذ حوالي الأربعة أشهر، اهتم وزير التعليم العالي الدكتور حسان ابراهيم شخصيا بالموضوع وأمر بتشكيل لجنة فنية اختصاصية تدرس رسوم الطفل عبد الرحمن من الناحية المعمارية وهذه اللجنة كانت من كلية العمارة بجامعة البعث: "تكلمنا مع والد الطفل وأحضر كل شيء لديه ودرسنا الرسوم المميزة التي تفوق الـ 500 رسمة مضافة إلى حوالي 2000 رسمة على دفاتر ورقة عادي وأخذت المدة بالنسبة للجنة حوالي أربعة أشهر ويعتقد البعض أنها مدة زمنية طويلة ولكن يستحق الطفل هذه المدة الزمنية، ونحن الآن في المراحل الأخيرة إن شاء الله وسنرفع الدراسة والمقترحات الى وزير التعليم العالي وهو سيراها ويقرر".
يؤكد عميد كلية العمارة أن عبد الرحمن يبدع في الرسوم المعقدة أكثر من الرسوم البسيطة كحال الرسوم التي فيها الكثير من التفاصيل الزخرفية "وحقيقة نحن حتى الآن لا نعرف التفسير العلمي لذلك والسرعة التي يرسم بها أشبه بطابعة يبدأ من خط متتال لنهاية الرسمة ومن دون توقف ".