خاص العهد
"كورونا"..لبنان في مرحلة الانتشار الوبائي: الوضع خطير وخارج السيطرة
فاطمة سلامة
ثمّة قناعة تامة لدى المعنيين والمسؤولين بأنّ التدابير والإجراءات وحدها غير كافية لكبح جماح أحجية "كورونا". ثمّة مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقنا نحن المواطنين حيال هذا الفيروس. على كل فرد منا أن يكون خفيراً يتعامل مع من حوله كما لو أنه مصاب يخشى نقل العدوى لهم، كما يتعامل مع الآخرين كما لو أنهم مصابون فيتّخذ كافة أساليب الوقاية المطلوبة. تلك الوقاية لا شك أنها غير سهلة، فكل ما حولنا يستدعي الحيطة والحذر. ولعلّ المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق القادمين من الخارج. أولئك، عليهم أن يخضعوا لفترة الحجر الكاملة. ثمّة مسؤولية وطنية وأخلاقية وشرعية في هذا الصدد. الأرقام القياسية التي يُسجّلها لبنان يومياً -عقب فتح مطار بيروت-، والتي وصلت أمس الأربعاء الى الـ 124 إصابة، تطرح الأسئلة حول المرحلة التي وصل اليها البلد في ظل ارتفاع عداد الإصابات، وحول السيناريوهات المطروحة للتخفيف من حدة انتشار الوباء. فهل الوضع في لبنان خرج عن السيطرة؟ وما المطلوب لتدارك الأسوأ؟.
عمار: لعدم الاتكال على وعي المواطن
مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الوضع خطير ولم يعد تحت السيطرة، فلبنان انتقل من المرحلة الثالثة التي كانت تقتصر فيها عدوى "الكورونا" على مجموعة محدّدة يمكن حصرها الى المرحلة الرابعة بحيث أصبح لدينا مجموعة عدوى مجهولة المصدر ولم يعد بإمكان لبنان حصرها في مجموعات. برأي عمار، باستطاعتنا الرجوع الى الوراء ولكن على الدولة أن تتخذ تدابير صارمة وأن لا تتكل فقط على وعي المواطن. الأخير- بنظره- أثبت أنه لا يلتزم، ما يصبح لزاماً على الدولة أن تضع كل من سجّل نتيجة إيجابية في فحص "الكورونا" إما بمستشفى أو في مركز للعزل. ويُشدّد عمار على ضرورة تفعيل إمكانيات الوزراة للقيام بالتشخيص لأنّ الأعداد تتخطى الإمكانيات، وهذا ما نادينا به حيث حذرنا سابقاً من استقبال قادمين بأعداد تتخطى الإمكانيات.
هل هناك خوف من عدم قدرة الأسِرّة على احتواء أعداد المصابين؟ يجيب عمار عن هذا السؤال بالإشارة الى أنه وفي حال تفشى الوباء أكثر سنصل الى هذه المرحلة، فما شهدته بعض الدول سينسحب علينا، وكلنا رأينا كيف أن هناك دولاً غنية توفي مصابوها في ممرات المستشفيات بسبب عدم وجود أماكن لهم في الغرف.
الوضع لم يعد تحت السيطرة
ويُشدّد عمار على أنّ الفيروس شرس وعلينا ملاحقته أينما كان للسيطرة عليه، وإلا سيتغلب علينا. هل لا يزال الوضع تحت السيطرة؟ يجيب عمار بالقول لا لم يعد الوضع تحت السيطرة، ولكن بالإمكان أن يعود تحت السيطرة اذا قمنا بتدابير جدية وصارمة تُلزم أصحاب النتائج الايجابية بالخضوع لفترة العزل. وهنا يُشدّد عمار على ضرورة تفعيل 40 مركزا للعزل وليس فقط 2 أو ثلاثة. وفق عمار، يجب توجيه المواطنين لاتخاذ الاحتياطات لحماية أنفسهم، خصوصاً أن لا عودة الى الوراء لجهة الطلب من الناس ملازمة منازلها. المواطنون يريدون الذهاب الى أعمالهم ولكن هناك الكثير من الأمور ذات الطابع الترفيهي غير ضرورية. هذه الأمور يجب أن تتوقّف بأكملها كالملاهي الليلية والحفلات والتعازي والأعراس. يُكرّر عمار أنّ على الدولة أن لا تتكّل على وعي الناس بل أن تبادر لمنعها. وفي قضية المغتربين، يرى عمار أنّ لبنان يجب أن لا يستقبل قادمين من البلدان التي لا تجري فحوصات الـpcr، أو أقله يجب أن يتم عزل القادمين بمراكز عزل حتى تصدر نتيجة الفحص.
الوضع خطير
وفي الختام، يُشدّد عمار على أنّ الوضع خطير وعلى المواطنين التنبه الى هذا الأمر واتباع كافة أساليب الوقاية للمحافظة على سلامتهم.
حمية: لهذه الأسباب نحن في مرحلة الانتشار الكامل
نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) والمتخصّص في علوم الجزيئيّات الذرية والنانوتكنولوجيا الدكتور محمد حمية يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أننا نعيش اليوم في مرحلة الانتشار الوبائي. التأكد من هذه الحقيقة يستند الى عدة مؤشرات يمكن إدراجها كالآتي:
- عدم التمكن من معرفة مصدر الحالات التي برزت مؤخراً
-دخول تعديلات جديدة للفيروس على الجينات الانسانية قادمة من الخارج ما يُمهّد لعدوى جديدة، لأن هذه التعديلات ستوسّع أطر الانتشار. وفق حمية فإنّ أرقام الإصابات شهدت ثباتاً في الفترة السابقة بعدما تعرّف الفيروس على أجسامنا، ولكن مع فتح المطار دخلت هذه التعديلات الجديدة من الخارج الى لبنان ما أدى الى انتشار العدوى بشكل سريع لأنّ الجسم الذي تعوّد سابقاً على تعديل فيروسي محدّد، بدأ يتعرف على هذه التعديلات مجدداً.
نتائج الـpcr غير مثبتة من المرة الأولى والثانية
وفي سياق حديثه، يُحمّل حمية القادمين من الخارج جزءاً لا بأس به من مسؤولية الانتشار. وفق تقديره، فإنّ نسبة تدخل القادمين من الخارج بمفاقمة الأزمة تخطى الخمسين بالمئة ووصل حد الستين بالمئة، مع عدم التزام جزء من القادمين بمسألة الحجر. وهنا يطرح حمية فكرة وضع مشاف ميدانية خاصة لحجر هؤلاء القادمين، على أن يعاد فحص الـpcr لهم أكثر من مرة. وفق حمية، اذا كنا نريد ضبط أرقام الإصابات، علينا أن نحصر القادمين من الخارج، وبهذه الحالة لا نقفل البلد نهائياً، بل نحجر القادمين 14 يوماً، إذ لا شيء يضمن أن لا ينتقل الفيروس في الطائرة، وهذا ما لا يظهر في فحص الـpcr. الأخير نتائجه غير مثبتة من المرة الأولى والثانية، فكثيرة هي الطائرات التي أجريت فيها فحوص الـpcr لكن نتائجها لم تكن صحيحة ما أدى الى انتقال العدوى الى المقيمين.
الإصابات تزيد وهيكلية الفيروس تضعف
ويشير المتحدّث الى أنّ مناعة القطيع من الممكن أن تُطبّق داخلياً أي أن يطبّقها جميع المجتمع اللبناني، بحيث تنحصر العدوى في الداخل اللبناني، أو خارجياً أي أن العدوى تنتقل من المجتمع ومحيطه من الدول الأخرى وهو ما يحصل اليوم حيث تعرّض المجتمع اللبناني الى تعديلات جديدة للفيروس ما أدى الى الانتشار السريع. ويستطرد حمية بالقول" لكنّ البعض يقول إن هذا الأمر غير خطير طالما أن نسبة الوفيات قليلة. وأنا أقول صحيح فهذا الأمر طبيعي لأنّ جميع التعديلات الفيروسية في الجسم ضعفت، فالاصابات تزيد وهيكلية الفيروس تضعف، وهذا مبدأ من مبادئ مناعة القطيع. تماماً كما أن هذه التعديلات ضعفت في الخارج نتيجة مناعة القطيع التي اعتُمدت نسبيا ولكن المشكلة أن هذه التعديلات الجديدة سوف تسجل أرقاما هائلة وكلما قلّت الأرقام كلما ضعفت قوة الفيروس".
الى أين ذاهبون؟ يؤكّد حمية أننا حالياً في المرحلة الرابعة وهي مرحلة إعادة ثبات الارقام بعدما كنا في المرحلة الثالثة بمرحلة الثبات الرقمي. برأي حمية، فإنّ الأرقام ثبتت في السابق نتيجة ضعف الفيروس، أما اليوم فالأرقام تزداد بعد دخول التعديلات الجديدة. وبحسب نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا، لن تثبت الأرقام ويتراجع عداد الإصابات قبل شهرين أو ثلاثة. وفق حساباته، لدينا مدى زمني حتى آخر العام، لأنّ أي فيروس يحتاج ما لا يقل عن عام حتى يضعف في هيكليته الثانية.
وفي الختام، يختصر حمية الوضع بالآتي: دخلنا في مرحلة الانتشار الوبائي. الأرقام ستبقى في ازدياد أقله حتى نهاية العام. من يجب أن يتحمل المسؤولية ليس فقط المجتمع، بل كل الوزارات المعنية، مشدداً على ضرورة القيام بفحوصات عامة وسريعة أينما ظهرت بؤر الانتشار لإحصاء الأرقام الأولية وضبط مسار الامور.
مخباط: لإقفال البلد
البروفيسور المتخصص بالأمراض الجرثومية جاك مخباط يستغرب حالة "الفلتان" والاستهتار التي أبداها المجتمع حيال ظاهرة "كورونا"، والتي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من حالة وبائية كاملة. ويُشدّد على ضرورة خضوع القادمين الى لبنان لفترة الحجر الكاملة (14 يوماً) مهما كانت نتيجة الفحوصات.
ويعتبر مخباط أن لبنان دخل اليوم في مرحلة الانتشار الكامل، ولا حل أمامه لإنقاذ نفسه سوى بالإقفال التام وإيقاف السفر الى لبنان. وفق قناعاته، فإن الوضع حرج وخطير جداً وعلينا جميعاً أن نتحمّل المسؤولية لإنقاذ هذا البلد.