خاص العهد
الشيخ قاووق: سليماني عرّض حياته للخطر مرّات حمايةً للسيد.. والصواريخ الدقيقة من لمساته
للمرّة الأولى تحضر ذكرى حرب تموز 2006 في ظل شهادة القائد الذي خبر منعطفاتها، وخاض أخطارها، وكان مُلازٍمًا للعماد، والسيّد، والقادة المشرفين على مسار الحرب والمواجهات. قائد قوة القدس في الحرس الثوري الاسلامي الحاج قاسم سليماني، هو اليوم الحاضر الأقوى رغم الغياب الشكلي الطارئ.
يستذكر عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ نبيل قاووق دور الحاج قاسم خلال الحرب، ويكشف في مقابلة مع موقع "العهد" الاخباري أن "
الحاج قاسم بحسب الشيخ قاووق "
بعض كلام الشيخ قاووق يفسر كثيرًا من العلاقة الروحية المتبادلة بين الأمين العام لحزب الله وقائد قوة القدس: "أحد هموم الحاج قاسم الأساسية خلال العدوان الحفاظ على سلامة الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله وهو لأجل ذلك واجه الموت مرات عدة".
في الحديث عن القائد سليماني ونصر تموز الالهي تحضر تلقائيًا قدرات المقاومة، فهي "اليوم في ذروة القوة والقدرة والجهوزية، ولا يمكن للعدو إطلاقاً أن يستهين أو يتجاهل أو يتجاوز قوة وقدرة ومفاجآت المقاومة"، يعد الشيخ قاووق "أن ساحة المواجهة مع العدو ستسجل مفاجآت كبرى ليست مدرجة في حساباته، وستكتب بإذن الله انتصارنا الأكبر".
وفي ذكرى الحرب، يتوجه الشيخ قاووق عبر موقع "العهد" الاخباري" بالتبريك، رافعًا تحايا الرحمة لأرواح الشهداء الذين حققوا هذا الانتصار العظيم وللجرحى الأعزاء الذين لا زالت جراحهم شاهدة على البطولة وهمجية العدو.. وللمقاومين رجال الله الذين لا زالوا ـ ومن خلف الأضواء ـ يحمون هذه الأمة وهذا الوطن ويشكلون ذخر العزة ورصيد الكرامة.. ولشعبنا الأبي الوفي.. أشرف الناس وأطهر الناس المباركة لهم ذكرى صمودهم المشرف، وانتصارهم الشامخ.
في ما يلي النص الكامل للمقابلة:
* للمرة الأولى تحضر ذكرى عدوان تموز 2006 في ظل غياب الحاج قاسم سليماني، ماذا تتذكرون عن دوره الى جانب الحاج عماد مغنية في تلك الحرب؟ هل التقيتم به في الأيام الثلاثة والثلاثين للحرب؟
- اسم الحاج قاسم له صخبٌ وعنفوان، ينضح بالكرامة والعز، للاسم وقعه لدى العدو ولدى الصديق، للعدو الاسم مقلق، كابوس يُحسب له كل حساب، وللصديق رمزُ مواجهة وعنوان إرادة وتحد ومقاومة.
مع ذكر الحاج قاسم تحضر مواسم الانتصارات على طول مساحة المنطقة والعالم.. أستحضر ذكريات جميلة أغلبها كانت في الميادين، وساحات المواجهة والخطوط الأمامية.
في الحقيقة، شخصية الحاج قاسم شخصية حاضرة فينا دائماً لأنها شخصية نموذجية فريدة تمتلك كل مواصفات القائد الاسلامي المتميز.
الحاج قاسم حاضر في كل الانجازات الكبرى، هو الذي عزز وطور قدرات المقاومة، وهو الذي قاد انتصاراتها التي غيرت وجه المنطقة.
إن الصواريخ الدقيقة التي أرست معادلات جديدة في الصراع مع العدو، وكشفت عمق هذا الكيان للمرة الاولى منذ الـ 48، والتي تطوّق هذا الكيان الغاصب هي إنجاز استراتيجي يُسجل للحاج قاسم سليماني.
* عندما يُذكَر اسم الشهيد سليماني، ما هو أوّل ما تستحضرونه في الذهن؟
- للتذكرة، فإن الحاج قاسم رفض مغادرة لبنان أثناء عدوان تموز2006 رغم إصرار الإخوة على مغادرته حفاظاً على حياته..
أبى إلا أن يبقى في قلب الميدان إلى جانب الأمين والحاج عماد مغنية وباقي الإخوة، كان واحداً منهم في قيادة المعركة.
لقد وضع حياته في قلب الخطر.. وكان جاهزاً للشهادة في كل ساعة وكل لحظة.. وضع كل تجربته الجهادية في خدمة المقاومين، وسخّر كل قدراته من أجل الدفاع عن لبنان وهزيمة العدو.
لقد كان رضوان الله عليه شريكاً في انتصار عام 2006 كما كان شريكاً في انتصار العام 2000.
إن أحد همومه الأساسية خلال العدوان كان الحفاظ على سلامة الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله وهو لأجل ذلك واجه الموت لمرات عدة.
* بعد 14 عامًا على عدوان تموز 2006، تفتقد المقاومة قادة كبارًا كالحاج قاسم، والحاج عماد، والسيد ذو الفقار.. هل أحدث هذا الفقد تراجعًا في القدرات العسكرية قد ينعكس على جهوزية المقاومة في أي حرب مقبلة؟
- دائما كان استشهاد القادة، وعلى طول هذه المسيرة الجهادية، يعزز زخم المقاومة، ويصلّب عودها، ويقوي عزمها، ويشحذ إرادتها.
في البدايات استشهد العديد من القادة وفي مقدمتهم شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب، وسيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي وغيرهما. لكن مسيرة المقاومة لم تنكسر، ولم تضعف، ولم تخسر وإنما نمت وامتدت، وتعمقت وأضحت خياراً، وتجذرت في وجدان الناس ووعيهم وضمائرهم.
اليوم، وبعد سنوات على استشهاد الحاج رضوان، والسيد ذو الفقار، نسأل: هل المقاومة عام 2008 كانت أقوى وأعظم وأقدر أم اليوم بعد استشهادهما؟ من البديهي أنها اليوم أقوى وأشد وأقدر.
ماذا نستنتج من ذلك؟ نستنج أن المسيرة التي ترتبط بالله، قادرة مع التسديد الإلهي أن تتجاوز كل الصعاب وأن تتخطى كل جراحاتها.. وأنها باستشهاد قادتها لا تتراجع وإنما تتقدم وتصبح أكثر قدرة مما مضى.
وهكذا الامر مع استشهاد الحاج قاسم، نحن لا نقلق من غياب الحاج قاسم على مسيرته لأن المنبع موجود. إن الاسلام المحمدي الأصيل الذي صنع الحاج قاسم والحاج عماد والسيد ذو الفقار وإخوانهم قادر على صنع الكثير من قاسم سليماني وعماد مغنية ومصطفى بدر الدين (ره).
وعلى هذا الأساس فإن استشهاد القادة لم يشكل أي تراجع على مستوى قدرات المقاومة وجهوزيتها وروحيتها. تلك الروح التي اعترف العدو أنها هزمته في تموز لا زالت حاضرة وهي اليوم أكثر تأججاً.
المقاومة اليوم في ذروة القوة والقدرة والجهوزية ولا يمكن للعدو إطلاقاً أن يستهين أو يتجاهل أو يتجاوز قوة وقدرة ومفاجآت المقاومة.
إن ساحة المواجهة مع العدو ستسجل مفاجآت كبرى ليست مدرجة في حساباته. وستكتب بإذن الله انتصارنا الأكبر.
* كنتم خلال فترة العدوان في الجنوب، ما أكثر ما تتذكرونه من تلك الحرب؟
- لا شك أن الحروب تحفر عميقاً في الوجدان الانساني صورتين تبقيان في أعماق كل من شهد الحرب وعاينها؛ صورة الدم المسفوك ظلماً، والمجازر التي يندى لها الجبين والتي لا يمكن أن تغيب. لا يمكن لأحد أن ينسى دماء أهله وشعبه، إن صورة التدمير التي مارسها العدو لا تنسى وإن كانت - بحمد الله - قد عادت بيوتنا وديارنا أفضل مما كانت.
أما الصورة الأخرى فهي صورة الصمود المذهل لشعبنا، والانتصار المخضّب بالإباء والشموخ. إنه النصر الأول للأمة في مواجهة مباشرة وجهاً لوجه مع العدو. إن انتصار تموز وثّق رسميًا للتاريخ وأمام العالم كله أن "اسرائيل" هزمت، وأنها أوهن من بيت العنكبوت.
ماذا يعني أن تنتصر المقاومة المحدودة الامكانيات في وجه حرب كونية شنتها أشرس دولة غاصبة في المنطقة؟
ماذا يعني أن يسحق جيش العدوّ الذي هزم الجيوش العربية خلال أيام - على أعتاب عيتا الشعب ومارون الراس؟ وأن يعجز - وخلفه الدنيا - من الوصول إلى بنت جبيل التي تبعد عن كيانه مئات الأمتار؟
إنه النّصر المؤزّر.. إنه النصر الإلهي التاريخي الذي يجب أن نفتخر به إلى الأبد، وأن نشكر الله تعالى على عظيم نصره، ليل نهار.
* بعد عدوان تموز 2006، واجهت المقاومة الاسلامية أكثر من تحدٍّ مفصلي داخلي وخارجي، وخاضت معارك وقدمت شهداء على أكثر من جبهة، كيف استفادت المقاومة من هذه الخبرات لرفع مستوى جهوزيتها؟ وبماذا تعدون العدو في أي حرب مقبلة؟
- بالتأكيد إن خبرات وقدرات وتقنيات المقاومة بعد معاركها الدفاعية في وجه الإرهاب التكفيري سواء في لبنان أو سوريا لا يمكن مقارنتها بما كانت تمتلكه قبل تلك المواجهات.
ويجب أن لا ننسى أن قدرات الارهابيين وأساليبهم هي خلاصة إمكانيات وأفكار وأساليب أجهزة مخابرات دولية كبرى تم تسخيرها في تلك المواجهات لنصرة الارهابيين.
المقاومة من خلال معاركها حصدت نتاج كل تلك القدرات والأساليب والخبرات، وهذا بحد ذاته انجاز هائل، ولذلك نسمع بشكل دائم ونتلمّس القلق الإسرائيلي من الكمّ والنوع الهائلين للانجازات التي حققتها وكسبتها المقاومة في تلك المواجهات.
يمكن - اليوم - التأكيد وبكل ثقة أن كل هذا النتاج حاضرٌ وبقوة في جهوزية المقاومة. إن المقاومة توظف كل هذه الخبرات لتزخيم جهوزيتها المرتفعة والمقتدرة والتي تعتبر العقبة الأكبر والأوحد في وجه العدو وأطماعه. ولأن أعداء لبنان والمقاومة لا يستطيعون تخطّي المقاومة ومعادلتها، عمدوا اليوم إلى أساليب أخرى في المواجهة ومن هنا كان العدوان الاقتصادي، وكما تحقق الوعد الصادق بالمقاومة العسكرية سيتحقق الوعد الصادق بالمقاومة الاقتصادية.
* كيف سيكون شكل الحرب المقبلة؟ هل تكون ثنائية بين لبنان والكيان الصهيوني أو ترون ما هو أكبر؟
- صحيح أن التوحش والعدوانية سمة أصيلة من سمات العدو منذ نشأته إلا أننا لا نستطيع أن نقارب الواقع على أساس هذه السمة وحسب، ولذلك لا نرى أن الحرب الاسرائيلية على لبنان مسألة حتميّة على الإطلاق.
إنّ ما بعد 2006 ليس كما قبله!
منذ أربعة عشر عاماً والمقاومة تسجّل الانتصارات، وتراكم قدراتها على مرأى ومسمع من العدو لكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً.
إنّ كلفة العدوان التي منعت العدو من شنّ الحرب طيلة المرحلة الماضية هي اليوم أعلى وأقسى وأشدّ، إن لم يكن العدو بالأمس قادراً على تحمّل أثمان الحرب فهو اليوم أكثر عجزاً عن تحمّلها.
إن حديث قادة العدو عن شنّ الحرب على طوال السنوات الماضية هو محاولة لإعادة التماسك، واستعادة شيء من الهيبة المفقودة، وتبديد العجز الذي ينهشهم. العدو أكثر من يعلم أن أي خطأ يرتكبه سيكون خطيئة كبرى مدمرة، وإن حسابات أي مواجهة - إن حصلت - ستكون حسابات غير معهودة وغير مرتقبة، لا على مستوى صورتها، ولا جغرافيتها ولا على مستوى عناصر وقوى هذه المواجهة.
العدو الاسرائيلي يرتعد اليوم من معادلة الصورايخ المدمرة التي ستُزرع على طول وعرض الكيان الغاصب كله، ومن معادلة الجليل التي لم يشهد العدو منذ نشأته مثيلاً لها والتي ستضع مصيره في مهب العاصفة، فضلًا عن المفاجآت الكبرى التي ستمرغ وجه العدو وموقعه في التراب.
إن استراتيجيّة المقاومة أثبتت أنها السّد المنيع في وجه طموحات وأهداف العدو، وأنّها الدرع الحصين الذي يحمي ويصون وجوده.
* ماذا عن التسديد الالهي في تموز 2006؟
- التسديد الإلهي كان حاضرًا في كل تفاصيل حرب تموز وما سبقها، منذ عمليّة الوعد الصادق ولحظات العدوان الأولى حتى لحظة اعلان الانتصار.
إنّ توقيت بدء العدوان فيه لطف وتسديد، فقد اضطرّ العدو لشّن عدوانه في التوقيت الخطأ الذي لم يستكمل فيه استعداداته بينما كانت المقاومة على أهبة الاستعداد وفي جهوزية عالية وبذلك يكون العدو قد خسر أهم عناصر الحرب وهو عنصر المفاجأة.
لقد أصاب الصاروخ "ساعر" في عرض البحر في لحظات أطفأ فيها العدو رادارته وأجهزته الحامية من الصورايخ.. من قال للقبطان أن يطفىء أجهزته في تلك الساعة؟
وسقطت مروحية العدو في "ياطر" في الوقت المقتل للعدو حيث كان يستعد لتوسيع وتغيير نمط العدوان فسقط تحت وطأة الإحباط.
وصواريخ الكاتيوشا العمياء تسقط في لحظة تجمع قوات المظليين في مستعمرة "كفرجلعادي" فيسقط عشرات الضباط والجنود الصهاينة بين قتيل وجريح.
إن السكينة في صدور المقاومين على طول خطوط المواجهة كانت لطفاً من الله. والله تعالى زرع حب المقاومة وسيدها في نفوس الناس في أصعب وأكثر الأيام سوادًا ودمًا.
ثبات الشعب الوفي الذي قدّم كل شيء، حيث كان يرى جنى عمره يحترق ويدمّر ولا تسمع منه الا كلمات الوفاء... هذا الثبات وهذا الوفاء كان تسديداً ولطفاً.
إن مسار الحرب كله كان تسديداً إلى الحد الذي اضطر فيه المقبور شيمون بيريز أن يعلن "لقد كان الله مع حزب الله أثناء الحرب".
* ما هي أهم استخلاصات حرب تموز 2006؟
- إن أهم استخلاصات هذه الحرب تكمن في سقوط عصر الانتصار الاسرائيلي، وأن انتصار تموز لا يزال مستمراً، وان العدو لا يزال يتلوى في قعر الهزيمة.
أدركنا في الحرب ضرورة أن نكون أقوياء في عالم تنهشه الذئاب، وتحكمه الوحوش.
أدركنا أنه يجب أن لا نتخلى عن سلاحنا وأن التخلي خيانة للوطن والأمة، وأن نحمي هذا السلاح بأسناننا وأظافرنا.
أدركنا وجوب تحقيق الجاهزية الدائمة لمواجهة العدو.
خلاصة هذه الحرب، أن العدو استعمل كل شيء واستنفد كل شيء حتى بات مهدداً بالسقوط المدوّي، وأن المقاومة أثبتت أنها قادرة بالتوكل على الله على تغيير مشهدية المنطقة ومسارها، وتحويل الأحلام إلى وقائع وحقائق.
حرب تموز 2006عدوان تموز 2006#زمن_النصر