خاص العهد
حيلة "سوسيتيه جنرال" لسحب الدولارات..هكذا يُقنع زبائنه وهذا ما يقوله القضاء
فاطمة سلامة
لم يُوفّر بنك "سوسيتيه جنرال" حيلة أو وسيلة لسحب الدولارات من اللبنانيين وتحويلها الى الخارج. يُخبرنا أحد زبائنه أنّه وقبل بداية أزمة 17 تشرين الأول 2019 بفترة وجيزة تقارب الأسبوعين، جرى الاتصال به من قبل المصرف المذكور. عُرض على محدّثنا تحويل وديعته الموجودة بالدولار الى الليرة اللبنانية مقابل فائدة تصل حد الـ20 بالمئة. حينها -يقول المودع لموقعنا- ثار لديّ الشك حول هذا العرض الخيالي نوعاً ما، فمن المعروف أنّ قيمة الفوائد على الليرة اللبنانية تتفاوت بحسب المبالغ وقد تصل الى حدود الـ10 أو الـ11 بالمئة بشروط، وتلك الشروط لا تتوافر بالمودع المذكور الذي يُعد من صغار المودعين ولا يملك مبلغاً يخوّله تلقي هكذا عرض.
ما جرت روايته على لسان المودع، لا شك أنه تكرّر مع مروحة واسعة من الزبائن، وهو يُشكّل أسلوباً من الأساليب التي لجأ اليها هذا المصرف لجمع الدولارات من السوق اللبناني، أو لـ"شفطها" كما جرى التعبير على لسان شريحة واسعة من اللبنانيين. وهو الأمر الذي كشف عنه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة ليُلقي حجّة جديدة في بلد يتنفّس فساداً. لكن للأسف مرّت "خبرية" تورط صرافين بتجميع الدولارات لصالح أحد المصارف مرور الكرام على كثيرين. ولعلّ أكثر ما يُثير الريبة والتعجب في لبنان أنّ المتورطين معروفون بالأسماء لكنّهم محجوبون عن العقاب. المحاسبة لا تزال ممنوعة الى حد ما في بلد يغرق مِنَ الرَّأْس إلَى أَخمَص القدمِ في الفساد. العبث بالوطن لم يعد سراً، بل بات على المكشوف وبكل وقاحة، والعابث يشد ظهره بالمحميات السياسية، وهو ما يحصل اليوم في قضية التلاعب بالنقد الوطني، تلك الجريمة التي من المفترض أن يعاقب عليها القانون.
ابراهيم: التحقيقات مستمرة
لدى سؤال موقع "العهد" الإخباري المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم: أين أصبحت التحقيقات في قضية بنك "سوسييته جنرال"؟ يكتفي بالقول "إن شاء الله خير". ألا تريد التعليق على هذا الأمر؟ يجيب ابراهيم" بالتأكيد لا، فالتحقيقات لا تزال مستمرة، ولا أستطيع التكلم عن هذا الموضوع".
مصادر متابعة للقضية: احتمال توجيه سؤال للحكومة حول القضية
مصادر متابعة عن كثب لملف ضلوع بنك "سوسييته جنرال" في جمع الدولارات من السوق وتهريبها الى الخارج، تؤكّد لموقعنا أنه وفي ظل تقاعس الجهات المعنية عن القيام بدورها، تدرس جهة سياسية إمكانية توجيه سؤال للحكومة عبر وزيرة العدل ماري كلود نجم حول هذه القضية الخطيرة. وتُشدّد المصادر على أنّ لملف سحب الدولارات من السوق نقاطاً متشعّبة، موضحةً أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة متورّط بطريقة ما في هذا الملف. الشبهات تدور حول سلامة نتيجة التسهيلات الصادمة التي قدمها لرئيس مجلس إدارة بنك "سوسييته جنرال" SGBL أنطون صحناوي. البنك المركزي كان يؤمّن أكياساً من الليرات اللبنانية لصحناوي، والأخير كان يُزوّد الصرافين بها لشراء الدولار عبر اتباع شتى أنواع المضاربة. هذا التأمين هو تورط فعلي في هذه القضية التي أثّرت على كل شيء في لبنان، فجميعنا تضررنا من هذه السياسة التي عملت على سحب الدولارات من السوق بأي ثمن كان، تقول المصادر التي توضح أنه" عندما كان يتم تداول الدولار بسعر صرف 3000 ليرة، كانت شبكة الصرافين التي تعمل لدى صحناوي تعرضه بـ4000 ليرة". وهنا تشير المصادر لموقعنا الى أن ستة صرافين تورطوا في هذه القضية لصالح صحناوي، وقد جرى التحقيق معهم وجرى الاعتراف بكل هذه الحقائق.
جرى إقفال الملف في ليلة ليس فيها ضوء قمر
وتستغرب المصادر كيف أننا أمام ملف فساد كبير يتعلّق بالنقد الوطني وقد جرى التلاعب بالعملة الوطنية وقانون العقوبات يُحرّم هذا التلاعب. وفي المقابل يسود الصمت ديار كثيرين. تستغرب كيف أننا أمام ملف يمس الكبير والصغير في لبنان، وقد جرى كشفه بشكل رسمي والاعترافات مدونة في التحقيقات التي أجراها المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم مع الصرافين وغيرهم، ورغم جميع الاعترفات جرى إقفال الملف في ليلة ليس فيها ضوء قمر، وسط الحديث عن ضغوطات من قبل جهات قضائية عليا لطي هذا الملف، تضيف المصادر.
جهات سياسية وقضائية وإعلامية متورطة
وفي معرض حديثها، تتوقّف المصادر عند الشعارات التي ترفع بين الحين والآخر لجهة ضرورة
حماية البلد ومكافحة الفساد، وعندما يجد الجد تجري حماية الفاسد وتُمنع المحاسبة عنه، فيما البلد ينهار. وهنا تُشدّد المصادر على أنّ هناك جهات سياسية وقضائية وإعلامية متورطة في هذا الأمر. برأيها، فإنّ الفضيحة الكبرى تكمن في أن صحناوي "اشترى" العديد من الوسائل الاعلامية بالمال مقابل عدم التعرض له أو فضح قضيته.
الانهيار لا يحصل بين ليلة وضحاها ولهذه الأسباب طُلب التحقيق في الأموال المحولة منذ عام 2019
وحول الأرقام التي جرى جمعها من السوق، تُكرّر المصادر ما جرى كشفه على لسان النائب فضل الله لجهة تجميع المصرف عبر شبكة من الصرافين عشرات ملايين الدولارات منذ آب /أغسطس العام 2019 حتى 20 أيار/مايو الفائت. فهذه الفترة برأي المصادر طويلة، والسوق اللبناني يتداول يومياً بما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار في أسوأ الحالات. هذه الأرقام -وأكثر منها- كان يتم جمعها من السوق مباشرة لتهريبها الى الخارج. أما الأموال الموجودة في المصارف فكان يجري تحويلها الى الخارج مباشرةً. وهنا تلفت المصدر الى أنّ تفاقم الأزمة بشكل كبير دفع بجهات سياسية الى مناشدة الجهات المختصة التحقيق في الأموال المحولة الى الخارج منذ عام 2019، وذلك انطلاقاً من أن الانهيار لا يحصل بين ليلة وضحاها.
القانون يعاقب المتلاعبين بالنقد الوطني
وتضيء المصادر على مخاطر ما حصل لجهة التلاعب بالنقد الوطني. هذه القضية برأيها أرهقت البشر والحجر في لبنان، فيما مجرموها لا يزالون خارج المكان الصحيح أي السجن. وفق المصادر فإنّ قانون العقوبات يتناول صراحة قضية الجرائم المالية الواقعة على النقد الوطني وينص على معاقبة مرتكبيها. المادة 319 من قانون العقوبات تقول حرفياً: "من أذاع وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الاسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسماية الف ليرة الى مليوني ليرة، ويمكن فضلا عن ذلك أن يقضى بنشر الحكم". كما تنص المادة 320 على أنّه:" يستحق العقوبات نفسها كل شخص تذرع بالوسائل عينها لحض الجمهور: إما على سحب الاموال المودعة في المصارف والصناديق العامة، أو على بيع سندات الدولة وغيرها من السندات العامة أو على الإمساك عن شرائها".
وتختم المصادر حديثها بالتشديد على أن التلاعب بالنقد الوطني شكّل علّة العلل لما نحن عليه اليوم. مرتكبو هذه الجريمة باتوا معروفين باعترافات الجميع لدى القضاء. الأخير عليه أن يتحرّك بعيداً عن أي ضغوطات لمصلحة المواطن اللبناني قبل كل شيء.