خاص العهد
محطات الوقود خالية من المازوت.. أين الأطنان المستوردة؟
ياسمين مصطفى
أزمة قطاع المحروقات في لبنان قديمة - جديدة. كلّما لاح في الأفق حل مستدامٍ، تطالعنا عقبات تُفرمله. نفاد مادة "الديزل أويل" أو "المازوت" هو ما استجد منذ أيام. وبدلاً من استفادة المواطن اللبناني من انخفاض سعر المادة تبعا لانخفاض أسعار النفط عالميا، تحولت فرصته إلى أزمة. أمس رفعت شركتا "الأمانة" و"الأيتام" للمحروقات الصوت عاليا. الضجة الإعلامية والاجتماعية لفقدان مادة حيوية استدعت اجتماعًا ضم رئيس مجلس الوزراء حسان دياب ووزيري الطاقة ريمون غجر والاقتصاد راؤول نعمة، إلى جانب وفد من مستوردي المشتقات النفطية، وفي ختامه أوعز دياب بإجراء الفحوصات اللازمة وانتظار النتائج لتوزيع المازوت على الأسواق في غضون 24 ساعة.
بحسب الظاهر، فإن الأزمة الأخيرة تسلك طريقها للحل وفق بيان مجلس الوزراء أمس. لكن العارف بتعقيدات هذا القطاع وتعدد الأقطاب الفاعلة والمؤثرة فيه يدرك أن حقيقة الأمر عكس ذلك. أسباب الشح في المازوت توافق عليها كل من مدير عام محطة "الأمانة" للمحروقات أسامة عليق ومدير عام محطات "الأيتام" جمال مكي في حديثهما لموقع "العهد" الإخباري. أولها عزوف الشركات المستوردة للمحروقات عن التوزيع بكميات وفيرة، فهي تنتظر ارتفاع سعره مع ارتفاع أسعار النفط عالميا لتكسب أرباحا من بيعه بدلا من بيعه بأسعار منخفضة. موقفها أدى الى ارتفاع الطلب على المازوت الموجود في منشآت النفط في الزهراني ودير عمار، وصولا إلى إفراغها من مخزونها، ما عدا المخصص للجيش اللبناني. وجديد الأسباب عدم إجراء الفحوصات الرسمية اللازمة لفحص المازوت المحمل في البواخر الراسية على شاطئ لبنان تمهيدا لتفريغها في منشأتي "دير الزهراني" و"دير عمار". للمفارقة فإن هذه المهمة موكلة لعدد من الموظفين الذين لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة جلّهم موقوف لدى القضاء بتهمة "الفيول المغشوش" الشهيرة.
شركة "الأمانة" للمحروقات تعاني من الأزمة منذ شهر ونيّف. نسبة الـ50% التي توزعها الشركات المستوردة للنفط على الموزعين والمحطات لا يصل منها لـ"الأمانة" سوى 1% لاعتبارات لا يُخفى أنها سياسية. مدير الشركة يوضح لموقع "العهد" أن زبائنها كثر والطلب على المحروقات لديها كبير وبالتالي فالأزمة أثرت بشكل أكبر عليها من غيرها. يقول عليق إن "الشركة منذ أسبوعين تبيع المازوت بالسعر الذي تشتريه، هي تراكم خسائر بدل الأرباح لكن الضرورة تقتضي تلبية أهلنا والمستشفيات والمؤسسات الخاصة التي نتعامل معها وتعتمد علينا في هذا الخصوص".
أما الحل وفق رأي عليق فهو أن تأخذ الدولة مكانها الصحيح في هذا القطاع تماما كما سبق وقررت استيراد 10% من حاجة السوق المحلي من البنزين لمنع التلاعب بمصير هذا القطاع وكسر الاحتكارات والجشع الموجودين فيه. المفترض برأيه أن يكون ثمة برمجة لاستقدام البواخر بشكل منتظم، وأن تبيع المنشآت الحكومية مخزونها من المحروقات للتجار الصغار والموزعين وليس لشركات الاستيراد التي توظف ما تشتريه من الدولة وفق سعر الصرف الرسمي أي 1515 وتبيعه بسعر الصرف في السوق السوداء، كما تحتكره وتمنع صرفه حين تقتضي مصلحتها المالية ذلك.
"الأيتام"
مدير عام محطات "الأيتام" للمحروقات جمال مكي يتأسف في حديثه لموقع "العهد" لـ"كون بعض شركات استيراد المحروقات تخزن كميات ضخمة من المازوت لا تفرج عنها إلا لخاصة الخواص من محطات الوقود التابعة لها، أما ما تبقى من محطات وموزعين فمصيرهم الانتظار ريثما يرتفع سعر تنكة المازوت".
ما يحصل اليوم وفق مكي يهدد لأيام بقطع البلد من المادة الحيوية. يوضح أن "صدور نتائج فحوصات المازوت يحتاج لـ12 ساعة على الأقل، أما تفريغ حمولة البواخر في منشأتي الزهراني ودير عمار فيحتاج لـ24 ساعة". هذا يعني أنه خلال هذه المدة ستكون "الشمعة" ملجأ المواطن اللبناني، في ظل تقنين قاس للكهرباء من قبل كهرباء لبنان من جهة، وفقدان المازوت لدى أصحاب الاشتراكات الخاصة لتشغيل مولداتهم وإضاءة المنازل والمؤسسات.
لدى الصعود جنوبا تتوالى محطات الوقود المغلقة بفعل انتهاء مخزون صهاريجها في حين أن إحدى كبرى الشركات المستوردة للنفط تنام اليوم على 14 ألف طن من المازوت، وأخرى تخزن 8 آلاف طن أيضا. التلاعب بالوفر من هذه المادة الحيوية وفق مكي من شأنه أن يسقط مسؤولين حال حصل في الخارج. وهنا يسأل:" كيف سنزود المستشفيات بالمازوت؟ وأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة؟ وماذا عن سائقي الباصات العاملة على المازوت؟"
أما النقابات المعنية بشؤون القطاع، فيسأل مكي "لماذا لم تتحرك؟ من نقابة أصحاب المحطات إلى موزعي المحروقات"، يستغرب "مسايرة" هذه النقابات للشركات المستوردة للنفط، ويتوقع اشتداد الأزمة على المدى البعيد مستشرفا المستقبل، عبر العقوبات المفروضة على دول الجوار.
شكاوى المحطات حاولنا نقلها عبر اتصال هاتفي لنقيب الشركات المستوردة للمشتقات النفطية جورج فياض، لكنه سارع إلى إقفال الخط متهرّبًا من الإجابة.
ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا يحاذر في حديثه لموقعنا تحميل مسؤولية ما يحصل للشركات المستوردة للنفط، معتبرًا أن الأخيرة تعمل في ظروف صعبة لجهة فتح الاعتمادات وتفريغ البواخر. المسؤول الوحيد وفق رأيه هو الدولة، هي التي يتوجب عليها تأمين المحروقات في منشآتها النفطية، كما يؤكد أنه خلال 24 ساعة سيتم حل الأزمة عبر وصول المازوت إلى منشآت الدولة، التي ستوزعها بالتالي فور استلامها.
الأزمة المستجدة هي غيض من فيض مشكلات القطاع المأزوم منذ زمن، وليست سوى نموذج مصغّر عما ينتظر المواطن اللبناني في حال خضع لبنان لشروط صندوق النقد الدولي، والتي تتضمن من جملة ما تتضمنه رفع الدعم عن المحروقات، فهل نعود إلى عصر "الشمعة"؟
نقابة اصحاب محطات المحروقات في لبنانالشركات المستوردة للنفط في لبنانالمازوت