خاص العهد
في موسم قطافها.. "العهد" في الموطن التاريخي للوردة الشامية
محمد عيد
مساع حكومية عديدة لرد الاعتبار للوردة الشامية التي تشكل بلدة المراح الواقعة في جبال القلمون الشرقية في ريف دمشق الموطن التاريخي لها.
نهاية العام الماضي شكلت الدبلوماسية الثقافية السورية نجاحًا لافتًا في إدراج الوردة الشامية ضمن قائمة التراث الإنساني غير المادي في منظمة اليونسكو. وجاء اهتمام السيدة الأولى بها من خلال الأمانة السورية للتنمية ليفتح آفاقا جديدة أمام تبوئها المكانة التي تستحقها كتراث سوري يمكن أن يبنى عليه الكثير ماديًا ومعنويًا.
بصمة بقاعية
اخترنا موسم القطاف للتوجه نحو بلدة المراح التي تشكل الموطن التاريخي للوردة الشامية، عبرنا الأتوستراد الدولي المتجه من دمشق نحو حمص لنشق طريقا فرعيًا فنتحول نحو البلدة الواقعة في جبال القلمون الشرقية.
كانت آلاف الدونومات المزروعة بالوردة الشامية تمر أمام أنظارنا على امتداد الأفق، وعبيرها يضفي على الجو المعتدل صيفًا بهجة خاصة.
على امتداد الطريق كان الأهالي يقطفون الموسم. اخترنا الوصول إلى بيت العم أبو مدين أمين حمزة البيطار رئيس جمعية الوردة الشامية في البلدة والذي حدثنا عن قصة مشوقة تركت آثارها الإيجابية على الضيعة ومحصولها من الوردة الشامية حتى اليوم.
يذكر أبو مدين أن رجالًا من البقاع اللبناني قدموا للصيد في جرود القلمون، طرقوا باب بيته يومًا يطلبون شربة ماء في يوم صيفي حار، وامتثالا لطبيعة الكرم داخل الرجل الريفي ألحّ أبو أمين على العابرين بالدخول لقضاء حق الضيافة تجاههم والتي كانت حينها عبارة عن زهورات شامية من منتجات الوردة الشامية، وأثناء تجاذب الحديث شكا أبو مدين من قلة مردود المحصول الذي كان مقتصرًا تصنيعه حينها على الزهورات التي كان يشتريها تجار محليون يقومون بنقلها إلى لبنان ومنه إلى فرنسا التي تعطيها قيمة مضافة من خلال عمليات التصنيع لتبيعها بأسعار فلكية باعتبارها عطورا فرنسية فاخرة.
في تلك اللحظة، اقترح الرجل اللبناني الذي لم يعد أبو مدين يتذكر اسمه عليه تحويل أوراق الوردة إلى ماء ورد شارحا له كيفية ذلك عبر عملية تقطير أوراق المحصول، حادثة قدر لها أن تشكل نقطة انعطاف مهمة في حياة أبو مدين وجمعيته المشكلة لاحقًا للغاية وفي حياة المزارعين في بلدة المراح وربما في سوريا بأكملها.
بدا الأمر بالنسبة لأبو مدين حلًّا خلاقًا يسمح بزيادة مدخول المزارعين بعد اعطائهم قيمة مضافة، وعليه فقد بدأ العمل شعبيًا قبل أن تحتضنه وزارة الزراعة السورية والأمانة السورية للتنمية بشخص السيدة أسماء الأسد التي زارت البلدة غير مرة واستمعت مليًّا لمتطلبات الأهالي وأوعزت بتلبيتها.
منتج طبيعي فاخر.. ماذا عن التسويق؟
هذا التحول الإيجابي أعطى زخمًا جديدًا للمزارعين مع قيام وزارة الزراعة باستصلاح آلاف الدونمات التابعة للفلاحين بشكل مجاني إضافة إلى توزيعها الغراس والمشاتل عليهم فضلا عن استجابتها لطلباتهم بحفر بئرين في القرية من أجل "الري التكميلي" الذي تحتاجه الوردة الشامية في حال حصول جفاف كما ذكر لموقع "العهد" الإخباري يوسف فرح رئيس دائرة الزراعة في مدينة النبك القريبة.
دخلنا إلى أحد معامل التقطير البسيطة في بلدة المراح حيث عكف صاحبه حمزة البيطار على انتاج زيت الوردة الشامية الذي يعد المنتج الإستراتيجي والأغلى للأهالي وللحكومة على السواء.
يشير حمزة لموقع "العهد" الإخباري الى أن كل أربعة أطنان من بتلات الوردة الشامية تنتج كيلو غرام واحداً من مادة الزيت العطري الباهظة الثمن والتي تعد أغلى من الذهب فضلا عن انتاج ماء الورد وزيت الورد الذي له استخداماته الطبية في المشافي واستخداماته العطرية كذلك التي تستخرج منها أجود العطور والكريمات الخاصة بالعناية بالبشرة.
التطور اللافت هو حصول حمزة على رخصة معمل في منطقة عدرا الصناعية ستسمح له ولغيره من المزارعين بعد كشف وزارة الصحة السورية على منتجاتهم وتثبيت كونها منتجات طبيعية بولوج عالم التسويق من أبواب متنوعة.
في العرف الشعبي إذًا تسمى الوردة الشامية بملكة الأزهار والمنجم الطبيعي الأغلى من الذهب والأبقى من النفط، وحيث نجح السوريون في إدراجها ضمن قائمة التراث الإنساني اللامادي في منظمة اليونسكو وإثبات أن قرية المراح هي المهد التاريخي لها بعد منافسة حضارية مع إيران فإن المساعي الحالية تذهب باتجاه فرضها منتجًا سوريًا يشق طريقه نحو الأسواق العالمية لانتزاع الصدارة من بلدان كبلغاريا وتركيا عرفت كيف تتفوق تسويقيا بشكل لافت رغم كونها لا تملك عراقة الحضور المتجذر للوردة الشامية في موطنها الأصلي سوريا.