معركة أولي البأس

خاص العهد

 القطاع السياحي في لبنان ينازع.. فهل ينتهي؟
03/06/2020

القطاع السياحي في لبنان ينازع.. فهل ينتهي؟

ياسمين مصطفى

لطالما كانت السياحة الدعامة الأولى للاقتصاد اللبناني، القائم على قطاع الخدمات مقابل تهميش للقطاعات الانتاجية، لكن الأزمات المتلاحقة أطاحت بالقطاع السياحي، حتى بات "مُحتضِرا".
1250 مطعمًا أغلق منذ العام الماضي وحتى اليوم، فضلا عن إغلاق عدد من الفنادق ما يرفع عدد المؤسسات السياحية المقفلة بفعل الأزمات إلى 1500، فيما تقدّر أعداد المصروفين منها بنحو 15000 موظف. مع التوجه لفتح البلد واعادة حركة الطيران من والى لبنان، هل يحافظ القطاع السياحي على استمراريته؟ ما هي أبرز مطالب القيمين على المؤسسات السياحية؟ وكيف ستستجيب الدولة لهم للحيلولة دون موت القطاع وإفلاس ما تبقى من مؤسساته؟

رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر يرى في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن القطاع السياحي ليس معزولًا عن واقع الدولة المالي والسياسي والاجتماعي: "صحيح أن لبنان يمتلك خصائص جغرافية ومناخية وآثارات دينية وتاريخية تجذب السياح، لكن هذه وحدها لا تكفي للنهوض بالقطاع"، وفق الأشقر.

قطاع في العناية الفائقة

شكاوى الأشقر في هذا الخصوص كثيرة، فالديون المتراكمة على أصحاب المؤسسات السياحية والفوائد المرتفعة باتت تثقل كاهلها، هي التي لا تُلام لعدم قدرتها على دفع متوجباتها للدولة من مستحقات للضمان الاجتماعي، وفواتير كهرباء وماء وسط فوضى الأزمات المتلاحقة.

يفنّد رئيس اتحاد النقابات السياحية الواقع الصعب الذي وصل إليه القطاع فيقول لموقعنا: "الفنادق مقفلة اليوم بنسبة 100%، الكثير منها أُغلق دون إحداث ضجة في الإعلام، 50% منها مقفلة بشكل جزئي، فكيف يستمر الفندق الذي يحوي 100 غرفة ويشغل فقط 5 منها دون خسائر وصولا إلى الإفلاس؟! ".

 القطاع السياحي في لبنان ينازع.. فهل ينتهي؟

رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر


30  ألف عائلة بلا مداخيل شهرية

مع اندلاع احتجاجات 17 تشرين انخفضت نسبة الإشغال في الفنادق إلى 10% بحسب الأشقر، ووصول فيروس كورونا إلى لبنان زاد الطين بلّة، إذ باتت الخسائر فادحة "لأننا كنا لا نزال ندفع رواتب الموظفين وفواتير الكهرباء حتى وصلت مداخيلنا إلى الصفر وبدأت موجة الإقفال تضرب الفنادق". اليوم، وفقًا للأشقر "تقبع 30 ألف عائلة من المستفيدين من وظائف الفنادق بلا مداخيل شهرية، أصحاب الفنادق عاجزون حتى عن دفع رواتب موظفيهم، ما استدعى إعطاء هؤلاء إجازات غير مدفوعة لأشهر، في انتظار الفرج".

بالأمس جرى اجتماع لرؤساء نقابات القطاع مع وزير السياحة رمزي المشرفية، يذكر الأشقر ذلك مشيرًا إلى تقديم المعنيين مطالبهم للوزير مسبقا، وهو بدوره رفعها إلى رئيسي الجمهورية والحكومة وكان ردهما إيجابيا، وما إن وصلت مطالبنا إلى مجلس الوزراء "حتى تمت فرملتها".

ما المطلوب؟

برأي الأشقر المطلوب أولا من الحكومة اللبنانية تأجيل سداد ديون المؤسسات السياحية سنة أو اثنتين بالحد الأدنى ليتمكن من تعويض خسائره، وثانيا الزام السواح الأجانب بالدفع بالدولار ما يسمح بدخول العملة الصعبة "الطازجة" أو fresh money وبهذه الطريقة نجيّر أزمة سعر الصرف لصالح لبنان، وثالثا النظر في تحسين وضع القطاع ماليا "فليس معقولًا أن نشتري على سعر الصرف 4000 ليرة ونبيع على سعر الـ1500، على الأقل سنكون قانعين بربح نسبته 10% بدلا من الربح الذي كنا نجنيه سابقا بقيمة 20%، أما عدا ذلك فالإغلاق هو المصير المحتوم"

السياحة الداخلية.. لن تنفع فـ"الناس طفرانة"

برأي الأشقر لن تؤثر السياحة الداخلية على النهوض في القطاع لأن "الناس طفرانة"، والقدرة الشرائية انخفضت إلى حدود النصف لدى معظم اللبنانيين، ومن يبحث عن مال لشراء دواء أو تأمين قوت يومه لن يخرج للتفسُّح.

في المقابل، يبدو مستشار وزير السياحة وعضو لجنة التدابير الوقائية لمكافحة فيروس كورونا مازن بو درغم متفائلًا بأن ثمة أملًا متبقيا في القطاع.

يوضح بو درغم أن "السياحة كانت أكثر المتضررين من أزمة كورونا فالعمود الفقري الرئيسي للدخل القومي كان يُدخل 10 مليارات دولار في السنة في العام 2010، وفي العام 2018 انخفض المدخول من السياحة كدخل قومي إلى حوالي 7 مليارات دولار. يزيد بو درغم بالقول إن "هذا القطاع يحوي 155 ألف عائلة عاملة إضافة إلى 55 ألف عائلة تعيش من العمل في القطاع في المواسم".

وعن التوقعات بعد انتهاء انتشار فيروس كورونا في لبنان، يقول بو درغم: "لا نتوقع أن يبقى أكثر من 2000 مؤسسة مطعمية فأغلب المستثمرين نفضوا يدهم من الاستثمار، القطاع ينازع".

بو درغم كما الأشقر يرى في السائح الخليجي عنصرًا ايجابيًا لقطاع السياحة في لبنان، لكنه تأثر بمنع بعض الدول الخليجية مواطنيها من القدوم الى لبنان لخلفيات سياسية.

خطة شاملة لوزارة السياحة

بكثير من التفاؤل يتحدث بو درغم عن خطة تنكب عليها وزارة السياحة لإنعاش السياحة الداخلية واستقطاب السياحة الخارجية من البلدان غير الموبوءة. يؤكد أن نجاح لبنان في إدارة أزمة فيروس كورونا على عكس العديد من كبرى دول العالم يؤسس لثقة لدى السياح تشجعهم على اختيار لبنان كوجهة سياحية رخيصة، ويضيف: "نحضر لكيفية وضع معايير السلامة العامة والأمان الصحي للوقاية من الفيروس الذي قد يحمله السياح من الخارج، سنحاول تخفيف المخاطر لأقل نسبة ممكنة فاللبناني اليوم أمام خيارين إما الموت من كورونا وإما الموت من الجوع، وما نعمل عليه اليوم في وزارة السياحة هو فتح البلد على السياح من الدول غير الموبوءة لتعزيز وصول الدولار الطازج من الخارج، في ظل ضوابط صارمة".

"ماذا ستفعلون لمساعدة القطاع السياحي المأزوم"؟يجيب بو درغم بالقول إن "وزارة السياحة تقدمت بورقة للحكومة اللبنانية تتضمن مشاريع إعفاءات ضريبية لمساعدة القطاع السياحي على الاستمرار، شريطة اقتران الأمر بالضرورة بفتح البلد أمام السياح، صحيح أن القطاع السياحي لا يطلب من الدولة دعما ماديا بل بعض الإعفاءات الضريبية، وقد تقدم بها الوزير المشرفية لمجلس الوزراء ضمن مجموعة مشاريع موزعة على الوزارات كل بحسب مهامها".
بالنسبة لبو درغم الحفاظ على السياحة في لبنان من المسلّمات، لذلك فخطة وزارة السياحة تتخطى القطاع لتعزيز الاقتصاد اللبناني ككل والنهوض به. وإذ يفضل أن يبقى جزء من الخطة طي الكتمان لإعلانه رسميا، يوضح أنها "تسويقية" تهدف للوصول إلى استقبال 10 ملايين سائح بعد أعوام.

نقطة أخرى يعزز بو درغم الخطة بها تكمن في جذب المؤسسات الناشئة في الخارج للاستثمار في لبنان، الذي بات برأيه "أرخص" للأجانب بفعل ارتفاع سعر الصرف.  

البلد غني ولكن منهوب

ولدى سؤاله عن كيفية جذب الاستثمارات الخارجية للمؤسسات الناشئة في ظل امتناع المصارف عن تحرير ودائع كبار التجار والمستثمرين، يقول بو درغم صراحة أن لبنان ما عاد يحمل المزيد من منع ضخ العملة الصعبة "الطازجة" Fresh money في قطاعاته وعليه لا يمكن للمصارف الاستمرار بالسياسة نفسها. وفي حين أن القطاع السياحي-وفق تأكيده- هو الوحيد القادر اليوم على توريد الدولارات الطازجة إلى الداخل اللبناني عبر جذب المستثمرين فإنه لا بد من توظيف أزمة سعر الصرف في إنعاش القطاع السياحي، بالنسبة للمستثمر الأجنبي فالإيجارات في لبنان أرخص واليد العاملة كذلك مقارنة بدبي مثلًا، ولذلك قد يكون فيروس كورونا خيرا على لبنان من هذه الزاوية إذ إن المؤسسات الناشئة ستكبر فيه وتصبح مداخيلها في قطاعاته.

يختم بالقول إن لبنان بلد غني لكنه منهوب، برأيه الأمل موجود في ازدهاره اقتصاديا واجتماعيا شريطة تكاتف جميع القوى السياسية لتطبيق الرؤية التي تصل به إلى بر الأمان.

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: خاص العهد