خاص العهد
"الكابيتال كونترول": ما هو؟ وما شروطه؟
فاطمة سلامة
قبل أشهر، بدأت المصارف اللبنانية بتطبيق سياسة "كابيتال كونترول" قاسية بحق المودعين. لم تترك صنفاً من صنوف التقييد على أموال الشعب اللبناني إلا واتبعته. القرش الأبيض الذي ادخروه ليومهم الأسود لم يعد كذلك، وشقاء عمرهم الذي ركنوه في المصارف لم يعد ملك يمينهم يستفيدون منه ساعة يشاؤون. وللأسف، فإنّ أروقة المصارف اللبنانية والكاميرات المنصوبة بداخلها شاهدة على الكثير من المواقف المحرجة التي تعرّض لها المودعون. أموالهم ترد اليهم بالقطارة وبسقوف منخفضة جداً. الأمر حدا ببعض المصارف الى وضع سقوف بقيمة مئة دولار كل أسبوعين. هذا ناهيك عن المعاناة التي تعرّض اليها الطلاب في الخارج، فيما مليارات الدولارات هُربت من المصارف اللبنانية الى الخارج دون أدنى تطبيق لسياسة "الكابيتال كونترول". هذه السياسة الجائرة التي نفّذتها المصارف دون وجه حق وبلا مسوّغ قانوني، نفّذتها متذرعةً بظروف صعبة تمر بها ونقص في السيولة. طبعاً، لا ننكر أن المصارف في وضع لا تحسد عليه لكن هذا لا يعني أن تحاصر صغار المودعين وتحرمهم ودائعهم، وفي المقابل، تسمح لكبار المودعين بتهريب وتحويل أموالهم الى الخارج.
أمام هذا الواقع، طرحت منذ أشهر قضية إقرار قانون "كابيتال كونترول" يضع ضوابط على العمليات المصرفية، إلا أنه سقط في حينها، ليعاد الحديث عن هذه القضية وطرحها اليوم من جديد. فما هو قانون "الكابيتال كونترول"؟ وما الركائز الأساسية التي يجب أن يبنى عليها؟ وهل شرعنة "الكابيتال كونترول" تنصف المودعين؟.
عكوش: "الكابيتال كونترول" ينظّم علاقة المودعين بالمصارف التجارية
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ قانون "الكابيتال كونترول" ببساطة هو قانون ينظّم علاقة المودعين بالمصارف التجارية ويقيّد حركة التحويلات الى الخارج، أي أنه عبارة عن قانون يضع القواعد للعلاقة بين المودعين والمصارف، ويضع شروطا للتحويل الى الخارج. ويلفت عكوش الى أنّ هناك تجارب سابقة لدول طبّقت قوانين "الكابيتال كونترول" كقبرص واليونان. في كل دول العالم وعندما تصل الدولة الى مرحلة تجد نفسها متعثرة عن سداد الدين العام تلجأ الى هذا القانون كي تعيد هيكلة القطاع المصرفي ككل، خاصة وضع السيولة، لأنها تصل الى مكان لا تملك فيه احتياطات من العملات الأجنبية وتعاني من خدمة دين كبيرة جداً، فتلجأ الى قانون "الكابيتال كونترول" كي تعيد صياغة العمل النقدي وتنظيم السيولة.
ركائز خمسة يجب أن يحتويها أي قانون
لكنّ المهم -برأي عكوش- أن يعتمد أي قانون "كابيتال كونترول" على ركائز أساسية، وإلا يفقد المعنى من وجوده، وهذه الركائز هي:
1- تنظيم العلاقة ما بين المودعين والمصارف، فأي قانون لا يلحظ مسألة التنظيم لن يقوم بالدور المناط به.
2- تنظيم التحويلات حسب قدرة المصارف. اليوم يُحكى عن تحديد الحد الأقصى للتحويلات الى الخارج خاصة لغرض التعليم والطبابة بـ50 الف دولار. المشكلة لدينا هي أن المصارف لا تقوى جميعها على دفع هذا المبلغ، فبعض المصارف الصغيرة قد لا تستطيع تلبية هذا السقف.
3- تنظيم العمل التجاري للتجار من ناحية حركة الاستيراد والتصدير، وبالنسبة لشركات إعادة التأمين. وفق عكوش، من المفترض أن ينظّم القانون هذا الشق لناحية إمكانية فتح الاعتمادات وحجمها وما اذا كانت جميع المصارف قادرة على هذا الأمر.
4- من المفترض أن ينفّذ القانون صياغة لمسألة الحسابات الجديدة التي من الممكن أن تفتح لدى المصارف. المصارف التجارية تعمل اليوم على جذب بعض المودعين الجدد، أو المودعين السابقين والذين لديهم أموال في المنازل، لذلك من المفترض أن ينجز القانون صياغة لهذا الأمر ضمن قانون ينظم العلاقة والوضعية الجديدة.
5- تنظيم علاقة الدولة مع الخارج من الناحية المصرفية خاصة من ناحية تسديد الدين كـ"اليوروبوند" وغيرها، وتنظيم العلاقة لناحية كيف ستتم عملية التسديد، وأيضا تنظيم قضية البعثات الدبلوماسة.
ويُشدد عكوش على أنّ هذه الركائز الخمس من المفترض أن يشملها قانون "الكابيتال كونترول" وينظمها، ولكن للأسف فالقانون الذي يتم تداوله في لبنان لا يشمل كل هذه الركائز. وفق قناعاته، فإنّ الركيزة الأولى لناحية تنظيم العلاقة ين المودع والمصرف غير موجودة، ولا تزال متروكة للاستنسابية المصرفية. تماماً كما أن قضية تنظيم العمل التجاري لم يجر تنظيمها كما يجب في القانون بل تم الاكتفاء بإصدار تعاميم حولها.
ويؤكّد عكوش أنّ القانون من المفترض أن ينص صراحة على الحد الأقصى لمسألة تنظيم العمل التجاري وتحديد الحد الأقصى للاستيراد من قيمة الرأسمال أو الموجودات من الاحتياطات الأجنبية، وفيما يتعلق بالحسابات الجديدة التي لم يلحظها القانون بشكل مفصّل، فمن المفترض أن يتوسّع في شرحها لطمأنة الناس. برأي عكوش، فإنّه ولكي نسترجع الثقة المفقودة بالقطاع المصرفي، لا بد من إرساء قواعد واضحة لخلق الثقة من جديد لتشجيع الناس على عدم إبقاء أموالهم في منازلهم، أو لتشجعيهم على إعادة العمل بالتحويلات الى الداخل اللبناني.
يجب أن لا نذهب الى التصديق بقانون معاق
ويُشدّد عكوش على ضرورة أن لا نذهب الى التصديق بقانون معاق، بل يجب دراسته بشكل صحيح، طالما تأخرنا وتأخرنا، فهذا القانون كان يجب أن ينجز في الشهر الأول من بداية الأزمة. ويلفت الخبير الاقتصادي الى أنّ التجارب السابقة مع هذا القانون نجحت في قبرص واليونان وخلال عام استعيدت الثقة بالقطاع المصرفي.
الكيك: أي عملية لقوننة "الكابيتال كونترول" يجب أن تترافق مع خطة الانقاذ
الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك تستهل حديثها بالاشارة الى أنّ سحب اقتراح القانون المعجّل المكرّر من الجلسة التشريعية الى اللجان هو أمر أساسي وضروري جدا لأننا اليوم وأمام أي قانون نضع فيه قيودا على تحويل رؤوس الأموال والملكية لا يجب أن يمر بصيغة معجل مكرر. وفق قناعاتها فإنّ هذا الموضوع يتناول نصوصاً قانونية متعددة، ولذلك يجب أن يكون مدروسا بشكل جيد.
أما من الناحية التنظيمية، فتوضح الكيك أن أي عملية لقوننة "الكابيتال كونترول" يجب أن تترافق مع خطة الانقاذ. عندما نضع قيودا على الملكية التي هي حق دستوري دون معرفة المدى الزمني لهذه القيود، معنى ذلك -برأي الكيك- أن هناك اعتباطية في الطرح. وهذا ما نستشفه من واقعنا، إذ إن الخطة لم تبدأ بعد، ولا نزال نتخبّط. وهنا توضح الكيك أنّ قوننة "الكابيتال كونترول" في الدول تترافق دائماً مع خطة انقاذية، وتعلن بوضوح عن المدى الزمني الذي ستستغرقه الخطة.
وتسجّل الكيك ملاحظاتها على الاقتراح الذي تم التداول به في الساعات الماضية. برأيها، فإنّ مسمى "الكابيتال كونترول" لا ينطبق على هذا الاقتراح لأنه لم يتناول مسألة تنظيم السحوبات النقدية والعمليات المصرفية. يتناول فقط قضية تحويل الأموال الى الخارج. وتسأل الكيك: ما الذي سيتغيّر لدى إقرار قانون اذا لم تطبقه المصارف، فيما هي تنفذ فعلياً سياسة الكابيتال كونترول منذ أشهر، وهي بهذه الحالة تخالف القوانين دون مساءلة أحد؟. برأيها، فإن إقرار قانون من هذا النوع من شأنه أن يكرس الاستنسابية وأن يشرع المخالفات لأنه سيترك سلطة تقديرية واسعة للمصارف ولمصرف لبنان، وفي ظل السرية المصرفية لا يمكن التأكد من تطبيقه بعدالة ومساواة على من يشملهم. وتسأل: ما هي آلية إلزام المصارف اللبنانية بتطبيق بنود هذا القانون بعد أن تعذّر إلزامها، اختيارياً وقضائياً، بكافة المبادئ الدستورية والقواعد القانونية المرعية الاجراء؟
قانون "الكابيتال كونترول" هو تجاوز للمبادئ الدستورية
وتشدّد الكيك على أن أي قانون "كابيتال كونترول" بالمطلق هو تجاوز للمبادئ الدستورية ولحق الملكية المكرسة بمقدمة الدستور اللبناني بالفقرة "و"، وهو تجاوز للاقتصاد الحر، واساءة لكافة حقوق الانسان المنصوص عليها في الاعلان العالمي والمكرسة بالدستور اللبناني. حتى ولو أقر القانون في مجلس النواب؟ تجيب الكيك بالقول: حتى ولو أقر فهو غير منصف بحق المودعين بشتى المعايير. وفق قناعاتها، فإن المودع قد يتقبل "الكابيتال كونترول" لبضعة أشهر في إطار خطة يثق بها، لكن المودع اليوم يخضع لسياسة "كابيتال كونترول" مفاجئة تحرم المودع من العمليات المصرفية للطبابة وغيرها. هذا الأمر فيه ضرب لكل حقوق الانسان، خصوصا أننا في بلد تحاصره الأزمات من كل ناحية، فإذا لم يستعمل المودع الاموال في هذه الظروف الصعبة متى سيستعملها؟ تختم الكيك.