خاص العهد
بثينة علّيق تتحدّث لـ"العهد" عن كواليس مقابلة السيد
فاطمة سلامة
على قدر ظنوننا وثقتنا، جاء الحوار الذي أجرته الاعلامية في إذاعة النور بثينة علّيق مع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله. هي مقابلة ننتظرها نحن المستمعين لبرنامج "السياسة اليوم"، والعارفين بمهنية وجدارة بثينة منذ سنوات. لطالما سألتها وزميلاتي: متى المقابلة مع سماحة السيد؟ أما آن الأوان؟. الأمين العام لحزب الله شخصية استثنائية والمقابلات معه تحتاج إعلامية بحجم بثينة. من يعرفها على الصعيد الشخصي يدرك جيداً الكم الهائل من الثقافة التي تمتلكها والتي لا تغيب حتى عن يومياتها وأحاديثها العادية. لطالما كانت تأسرنا بحفظها عن ظهر قلب مختلف الأحداث التي مرّت على لبنان بالتواريخ. كنا في بعض الأحيان، وعلى سبيل المزاح، نختبر معلومات بثينة فنقول لها: أخبرينا ما الذي جرى في الشهر الفلاني والسنة الفلانية. سرعان ما تجيب بالدقة وتزودنا بالتفاصيل حتى ولو كان ذاك الحدث من القرن الثامن عشر. بثينة المثقّفة لطالما اهتمّت بالمضمون على حساب الشكليات و"الاتيكيت" وغيرها. تحرص على أن لا تفوتها مقابلة أو قراءة أي خبر. منذ سنوات يرافق بثينة كتاب تُسجّل عليه يوماً بيوم كل الأحداث التي تحصل، وهذا سر من أسرار نجاحها.
ما تقدّم من الحديث عن بثينة ليس من باب الاطراء والمجاملات، فهي لا تحتاج الى شهادات في المهنية، لكن ما تقدّم للإشارة الى نموذج مميّز في الاعلام ونادر ربما بعدما طغت النرجسية والأضواء والشهرة على أداء كثيرين. أمس اقتحمت بثينة التي لم تكن تُعرف لدى كثيرين سوى بالصوت، اقتحمت بإطلالتها الرصينة والهادئة منازل الجميع وقلوبهم وقدّمت حواراً مميزًا مع ضيف مميّز. طبعاً، لم يكن لدينا شك للحظة بأداء بثينة رغم التحدي الجديد الذي ستخوضه أمام الشاشة، لكن الحماسة التي واكبت المقابلة ما قبل انطلاقتها حوّلتها الى حدث بحد ذاته. فماذا تقول بثينة علّيق عن كواليس المقابلة مع سماحة السيد ولقاء العمر الأول؟.
أنتظر المقابلة منذ عشرين عاماً
عن سنوات الانتظار تتحدّث عليق لموقع "العهد" الإخباري. منذ عشرين عاماً أنتظر هذه المقابلة وهو التاريخ الذي بدأتُ به العمل المهني. في شباط عام 2000 دخلت بثينة العمل الاذاعي، ومنذ ذلك الحين تنتظر لقاءها بالسيد. المقابلة مع سماحته تستأهل كل هذا الانتظار فهي حلم يسعى اليه أي صحافي. تماماً كما أنها حلم الجميع على المستوى الشخصي. فعندما نتحدّث عن السيد، نحن نتحدّث عن شخصية تمتلك جميع مواصفات المحاوَر التي تعطي الحلقة الاذاعية أو التلفزيونية ثقلاً. نتحدّث عن شخصية تمتلك جميع المواصفات التي يطلبها الصحافي بأي شخص يجري معه مقابلة. سماحة السيد يطلق المواقف الهامة التي تترك أثراً داخلياً وخارجياً، وسماحته يعطي المعلومات الجديدة، والتحليل الذكي، وهو الضيف الذي تضمن استضافته الحصول على نسبة متابعة خيالية. تُشدّد بثينة على أنّه وبغض النظر عن الشق الشخصي المتعلق بعلاقتنا مع سماحته كأناس ننتمي الى بيئة المقاومة، -وهذه نقطة تعني لنا كثيراً-، لكن وعلى المستوى المهني فأي صحافي سواء في لبنان والعالم العربي أو حتى على المستوى العالمي حين يُسأل عن هذا الأمر، يعتبر أن المقابلة مع السيد نصر الله هي محطة أساسية ومفصلية في مسيرته المهنية.
عندما أبلغتُ بنبأ المقابلة "بكيت"..وهكذا استقبلنا السيد
تستعيد بثينة في ذاكرتها تلك اللحظة التي أُبلغت فيها أنها ستكون على موعد لمحاورة السيد. هذه اللحظة من أجمل لحظات حياتي. هي لحظة مهمة كثيراً في حياتنا الشخصية والمهنية. حينها بكيتُ تقول بثينة التي توضح أنها بقيت كل تلك الفترة ومنذ لحظة إبلاغها بالخبر السعيد تعيش هذه النعمة التي وهبها الله اياها. وفق قناعات بثينة، فإنّ هذه المقابلة هي منحة ورزق من الله، وهي من النعم الالهية. إنها فرصة يمنحنا اياها الله سبحانه وتعالى. ماذا عن كواليس اللقاء الأول بسماحته؟. تجيب بثينة على هذا السؤال بالاشارة الى أنّ من يلتقِ السيد عن قرب يكتشف أنه ليس زعيماً سياسياً بل قائد انساني، يتعاطى بكثير من التواضع بعيداً عن التصنع. 4 ساعات في حضرة السيد لم تشعر خلالها بالرهبة بل بالهيبة. الرهبة تحدث التوتر والخوف، والهيبة تبعث على الطمأنينة. منذ اللحظة الأولى للقاء تشعر بالهيبة والاطمئنان والسلام الداخلي الذي ينتابك لشدّة التواضع الذي يمتلكه السيد. لا تخفي علّيق أننا شعرنا لدى لقائنا السيد للمرة الأولى وكأننا نعرفه منذ زمن نظراً لأننا نراه دائماً على التلفزيون، وهذا أمر طبيعي. لكنّ الملفت أن السيد تعامل معنا أيضًا وكأنّه يعرفنا منذ زمن. هذا الأمر يتجلى في الطريقة التي يستقبل بها ضيوفه وفي الطريقة التي يحدّثنا بها والتي تُشعرنا براحة مطلقة. لا تخفي بثينة أنها سألت بعض الأشخاص الذين التقوا سماحته قبل الحلقة عن هذا الأمر، وجميعهم أجمعوا أن السيد يعطي اطمئنانا كبيرا جدا وبالفعل لمسته بشكل مباشر، وهذا انعكس راحة في الأداء خلال المقابلة.
منذ سنوات أدوّن أسئلة المقابلة مع سماحته على مفكرة صغيرة
لدى سؤالها عن المدة التي استغرقتها في التحضير للمقابلة مع سماحة السيد -وهي الحاضرة دوماً في أسئلتها-، توضح علّيق أنها ومنذ سنوات كثيرة تُدوّن الأسئلة الخاصة بمقابلة سماحة السيد على دفتر صغير تحسباً لحوار ما قد تجريه معه. كلما يخطر في بالها سؤال لسماحته تضيفه إلى الأجندة. هناك أسئلة تخطر في بالي عندما تحدث محطات مفصلية، أو عندما تجرى أي مقابلة مع سماحته وأشعر أنّ هناك أسئلة يجب أن تُسأل، كنت أسجّلها، تقول علّيق. طبعاً، هذه الأسئلة لم تعد بأكملها صالحة للتطورات، خصوصاً أننا وفي خضم التحضير لمقابلة شاملة مع شخصية جامعة تتحدّث بالمواضيع الاقليمية والدولية والمحلية، وخصوصاً أيضاً أنّ هناك الكثير من المستجدات على المستوى المحلي يرافقها الكثير من الأسئلة التي تتطلّب إجابات من سماحة السيد. هذا بالاضافة الى ذكرى التحرير والمعادلات. بمعنى، لدينا كم كبير من القضايا يتولد منها عدد كبير من الاسئلة وفي الوقت نفسه نحن محكومون بوقت محدد وبقضايا مستجدة يجب مواكبتها. لذلك فإنّ الأسئلة التي حضّرتها -تقول بثينة- لم أطرحها بأكملها. التحضير كان خلال الأسبوعين الماضيين وقد حاولنا خلاله إنجاز المحاور لتكون جامعة بين مناسبة التحرير وما يترتب عليها من معادلات، الوضع الداخلي، والاقليمي. ولا أخفي كان لدينا أسئلة أخرى تتعلّق بالوضع الدولي وأسئلة متفرقة ذات طابع وجداني وإنساني لم نتمكن من طرحها بسبب ضيق الوقت.
نسيت الكاميرا وركّزت على المضمون
بثينة التي تعد محاورة إذاعية من الطراز الأول بشهادة كل من تحاوره ويستمع اليها، لم تخض التجربة التلفزيونية سابقاً. إلا أنّه ولأهمية الحوار والمقابلة والمناسبة كان لا بد أن تُنقل المقابلة صوتاً وصورة. سألنا بثينة: هل أضافت الشاشة تحديا جديدا بالنسبة اليك؟ سرعان ما تجيب بثينة بتواضعها المعروف: نسيتُ أنني أمام شاشة وسأطل عبر التلفزيون. منذ بداية إعلامها بهذا الأمر، لا تنكر علّيق أن هناك معطى جديدا ومستجداً على الجو المهني والتقنيات التي تعمل بها، لكنّها قررت أن لا تفكّر بهذه النقطة كي لا تأخذ من جهدها، وكي يبقى التركيز على المضمون، وهذا ما حصل بحيث انصبّ كل التركيز على الإعداد والأسئلة. لا تخفي علّيق أنه وفي بعض الأحيان لا يستطيع الفرد أن يضبط هذا الأمر مئة بالمئة، لكنّها خلال الحلقة نسيت أنها أمام كاميرا الى حد بعيد، وشعرت بأنها تقوم بعملها كما تقوم به كل يوم في استديو الاذاعة من وراء المذياع.
استفدت من خبرتي الطويلة في هذه المقابلة الصعبة
بثينة التي استطاعت أن ترسي حالة اذاعية مهمة في الحوار السياسي، تؤكّد لموقعنا أنها لم تشعر بالغربة خلال حوارها بسماحة السيد، بل شعرت وكأنها تستفيد من الخبرة الطويلة في هذه المقابلة الصعبة. هي مقابلة مختلفة تماماً عن كل المقابلات السابقة، وهي مقابلة فريدة من نوعها لا تشبه المقابلات التي سبقتها. بماذا تختلف؟ الحوار مع سماحة السيد يختلف عن غيره بقدر موقع وقيمة سماحة السيد بالمشهد السياسي والوطني والاقليمي والدولي. هناك مواصفات بسماحة السيد لا تتوفّر بأي شخصية أخرى، فنحن أمام شخصية قيادية بالصراع مع العدو "الإسرائيلي"، مع شخصية مؤثرة بالوضع الاقليمي، مع شخصية يترك كلامها أثراً في الوضع العالمي، عن شخصية لها أثر كبير في الوضع الداخلي. كلنا يعلم أنه إذا أدلى سماحته بموقف فهذا له نتائج وانعكاسات على المشهد السياسي، اذا أعطى تحليلاً معيناً أو أفصح عن معلومة فهذا يترك أثراً وثقلاً على المشهد السياسي الممتد. الحوار مع سماحة السيد مختلف عن الحوارات الأخرى بقدر اختلاف سماحة السيد عن الضيوف الآخرين.
مقاطعة السيد تعني أنني أحرم المقابلة من موقف مهم
وأنت تستمع الى الحوار، لا بد أن تسجّل مجموعة ملاحظات على هامش الحلقة. ملاحظات صنعتها بثينة التي تمتلك كما هائلاً من الثقافة والمخزون الفكري، لكنّها لم تفعل كما يفعل آخرون. امتلكت فن الإصغاء، لم تقاطع السيد بل كانت تسأل وتنتظر بلباقة الفرصة المناسبة لطرح السؤال التالي. عن هذه النقطة تقول بثينة "المنطق يفترض أن أتصرّف بهذه الطريقة، فأنا أحاور شخصية لها رمزيتها وأهميتها الكبيرة، ومقاطعتها غير واردة بالتأكيد". برأيها، فإنّ سماحته ليس ضيفاً عادياً بإمكاننا مقاطعته ساعة نشاء. إنه ينطلق من فكرة ليصل الى فكرة أخرى، وأي كلمة يهم السيد بقولها ونقاطعه بها نكون قد حرمنا المشاهد أو المستمع والمقابلة بأكملها من موقف مهم. في قاموس بثينة، لا شيء اسمه أن يعتمد المحاور أو الصحفي نفس الأسلوب مع كافة الضيوف. برأي علّيق، من المنطلق المهني فإنّ لكل ضيف خصوصيته، ولهذه الأسباب عندما نحضّر للحوار مع أي ضيف نجري ما يشبه الدراسة عن هذا الضيف. لذلك فإنّ شخصية سماحة السيد ومدى تأثير ما يقوله وثقل ما يقوله ورمزيته الكبيرة تجعلك تعتمد تقنيات حوارية مختلفة عن الآخرين، فتقنيات محاورة محلل سياسي تختلف عن محاورة شخص يمثل جهة سياسية أو رئيس أو رجل دين. كل شريحة من الضيوف لها نمط أسئلة وأسلوب مختلف. تقول عليق ما سبق لتؤكّد أن ليس من الشطارة أو المهنية أن نقاطع أو نستفز أو نحصد سكوبا من خلال السيد. المهنية تقتضي أن نسمع كلامه لأن الفكرة التي يقولها تبدأ من مكان ويريدها أن تصل الى مكان وما بينهما لكل كلمة أهميتها.
في حضرة السيد..كل الأسئلة مرحّب بها
على هامش المقابلة، أكثر ما يلفت الجميع المهنية التي أبدتها بثينة. سألت بلسان حال الجميع. سألت بلسان الخصوم قبل الحلفاء. عن هذه النقطة، تؤكّد بثينة أنّ التجربة الاعلامية السابقة مع سماحة السيد تؤكّد أن لا مشكلة لديه في طرح أي سؤال. هذا الانطباع يجري تكوينه بشكل مباشر وواضح وجلي، لكن المهم -بنظرها- طريقة طرح السؤال. السؤال يجب أن يطرح بطريقة فيها الكثير من الدقة والجدية والاحترام، هذه هي الضابطة أما ما عدا ذلك، فمن الطبيعي أننا ذاهبون لاجراء حوار نسأل فيه اسئلة الناس، ونحن أمام سيد يمثل محط آمال الناس وملجأ الناس ومحبي المقاومة الذين لديهم تساؤلات، ومن الطبيعي أن تُطرح هذه الاسئلة، وهذا الأمر ليس جديداً على إعلام المقاومة وسبق أن طرح مع الشخصيات المختلفة في الحزب وكانت الإجابات بكل رحابة صدر.
شكر في الختام
في ختام حديثها، تبدي بثينة شكرها لكافة الآراء التي أبدت تقديرها للمقابلة. تبدي عليق ارتياحها للانطباعات التي واكبت المقابلة، ولا تخفي أنها كان لديها خوف فمن النادر أن تحوز المقابلات مع سماحة السيد على شبه إجماع. لكنّها في المقابل تصر على أن سماحة السيد هو الحدث وهو الأصل والأساس في هذا النوع من المقابلات، فنحن أمام شخصية استثنائية هي التي تضفي أهمية على الحوار. إنها القيمة العالية لأي حوار وتفرض نفسها على مختلف الصعد كما في المشهد السياسي والعسكري والاستراتيجي كذلك في المشهد الاعلامي. ولا تنسى علّيق أن تشكر جميع من واكب الحلقة من قنوات تلفزيونية واذاعية ومواقع اخبارية وتخص بالشكر موقع "العهد"، متمنيةً أن نقدم مستوى إعلاميا يليق بمستوى الأمين العام ومستوى مسيرة المقاومة وانجازاتها وتضحياتها.