معركة أولي البأس

خاص العهد

23/05/2020

"مناعة القطيع": ما هي؟ وهل لبنان جاهز لهذه الاستراتيجية؟ 

فاطمة سلامة 

لا يزال فيروس "كورونا" المستجد وبعد أشهر من ظهوره بمثابة أحجية ولغز لم تفك كافة رموزه. العلماء والباحثون وجميع العاملين على خط هذا الفيروس تمكّنوا من حل بعض الشيفرات، إلا أنهم لم يتمكّنوا من الوصول الى أجوبة شافية لكافة الأسئلة. لا لقاح ولا علاج جذري له حتى الآن، وسُرعة العدوى التي تطبع هذا الفيروس تكاد تكون علة العلل. ومن هنا، كان التأكيد مراراً وتكراراً أن لا سبيل لإيقاف عنقودية العدوى سوى بالوعي. كافة الاجراءات التي تتخذها الحكومات ليست كافية لقطع دابر العدوى. العبرة تكمن في الالتزام بالارشادات والتدابير. هذا الأمر كفيل بقطع "نسل" هذا الفيروس اذا صح التعبير. تطبيق الحجر المنزلي كان على رأس تلك التدابير. لكن مع الوقت، تركت هذه المسألة الضرورية ورغم أهميتها العديد من الانعكاسات على الوضع الاقتصادي المزري في الأصل. هذه الانعكاسات دفعت بالحكومة الى البدء بتطبيق خطة الفتح التدريجي على مراحل، بعد أن برزت مؤشرات عدة تشي بطول عمر هذا الفيروس، أي أنه سيبقى معنا لفترة ليست قصيرة. 

بموازاة هذا الواقع، عاد مصطلح "مناعة القطيع" الى الواجهة في لبنان. وزير الصحة الدكتور حمد حسن تحدّث عن استخدام هذه الاستراتيجية على اعتبار أنه لا يمكن أن يبقى البلد مقفلاً، لكنه لفت الى ما يسمى بـ"مناعة القطيع الناعمة". فماذا يعني مصطلح "مناعة القطيع"؟ وماذا يعني النموذج الناعم من هذه المناعة؟ وهل لبنان جاهز لخوض غمار هذه الاستراتيجية؟. 

ضومط: مناعة القطيع تستند على ممارسة الحياة بشكل طبيعي

وفق أمينة صندوق جمعية علماء لبنان لمكافحة كورونا والمتخصصة في علوم البيوكيمياء الجزئية الدكتورة ماري ضومط فإنّ استراتيجية مناعة القطيع تستند الى ممارسة الحياة بشكل طبيعي. بمعنى عندما تصاب نسبة كبيرة من أفراد المجتمع بالفيروس تتعرّف أجهزتهم المناعية عليه وتحاربه، وفي هذه الحالة يُكوّن هؤلاء الأشخاص أجساما مناعية مضادة لهذا الفيروس، وفي حال تعرضوا مرة ثانية له تكون أجسامهم محمية. بحسب ضومط، فإنّ هذه الطريقة كفيلة بكسر شوكة الفيروس وإضعاف انتشاره. على سبيل التبسيط، عندما تنتقل العدوى لشخص يمتلك مناعة قوية فإنّ المناعة تمكّنه من محاربة الفيروس، لتصبح العدوى التي ستنتقل الى الشخص اللاحق أخف. 

جذوره التاريخية 

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، تعود ضومط الى جذور مصطلح "مناعة القطيع" التاريخية. أول مرة تم التداول فيها بالمصطلح كانت عام 1923. حينها لاحظوا انتشار عدوى الحصبة بين الأطفال بشكل كبير، ومن ثمّ خفّت العدوى بعد فترة من الزمن. وقد عاد هذا المصطلح  للتداول في آذار عام 2020  عندما جرى اعتماد هذه الاستراتيجية في بريطانيا، لكنها باءت بالفشل وانهارت ولم تمكّن البريطانيين من السيطرة على الوباء. أما في السويد فقد جرى تطبيقها وكانت ايجابية بسبب التزامهم بالتباعد الاجتماعي والتدابير اللازمة لمنع انتقال الفيروس. 

"مناعة القطيع" الناعمة 

وتتحدّث ضومط عن الحالات التي تُطبّق فيها مناعة القطيع. وفق معلوماتها فإن هذه المناعة لا تطبق على جميع الأمراض؛ فقط على الأمراض السارية كالحصبة والجدري أي عندما يكون هناك اتصال جسدي على الشخص المصاب. إنما لا تطبّق على الأمراض المعدية التي تسببها الفيروسات والعدوى عبر الهواء، هنا تصبح السيطرة على العدوى صعبة. ومن هذا المنطلق، جرى استخدام مصطلح مناعة القطيع الناعمة. ما المقصود به؟. تلفت المتخصصة في علوم البيوكيمياء الجزئية الى أن مناعة القطيع الناعمة عبارة عن تطبيق لمناعة القطيع بموازاة التزام المواطنين بالارشادات والتدابير، أي فتح البلد مع الالتزام بالارشادات. وهنا توضح ضومط أنّ المسألة تتوقف على وعي الشعب اللبناني وعدم استهتاره كي لا ترتفع الاصابات كما حصل مؤخراً. وتلفت ضومط الى أننا ولو لم يحصل لدينا استهتار خلال فترة التعبئة العامة لكان لدينا أرقام رائعة نصل بموجبها الى صفر اصابات، خصوصاً أننا وصلنا الى حالات شفاء أكثر من 600. 

هل لبنان جاهز لخوض غمار هذه الاستراتيجية؟ تجيب ضومط على هذا السؤال بالاشارة الى أن الواقع في لبنان ضاغط. الوضع الاقتصادي سيئ، وهذا الأمر يجعلنا مضطرين لفتح البلد مع استخدام استراتيجية "مناعة القطيع" ولكن وضعها ضمن إطار بما يتوافق مع المجتمع اللبناني، أي ليست كما طبقت في بريطانيا حيث أدت الى كوارث. المواطنون صراحةً لم يعد باستطاعتهم تحمل عبء الاقفال، ولكن في المقابل لا بد من طرح الأسئلة حول وعي المواطنين، فالمسؤولية لا تقع فقط على وزارة الصحة، بل على وعي المواطن للالتزام بالتباعد الاجتماعي ولبس الكمامات والقفازات. برأي ضومط فإنّ نجاح هذه الاستراتيجية من عدمه يقع على عاتق أن يبدأ كل شخص من نفسه وأن يكون خفيراً عليها ويلتزم بالارشادات اللازمة. تعطي مثالاً على ذلك، التجربة الصينية التي نجحت بسبب الالتزام بالتدابير والارشادات. لكن ضومط تبدي مخاوف لناحية فهم الشعب اللبناني لهذه الاستراتيجية وتطبيقها بطريقة صحيحة لأنّه وفي حال فقدنا السيطرة على الفيروس في لبنان سندخل في مشكلة كبيرة خصوصاً أن المستشفيات لن تملك قدرة الاستيعاب في حال -لا سمح الله- برز لدينا اعداد كبيرة من الاصابات، تختم ضومط. 

مخباط: تمنع انتقال العدوى 

بدوره، المتخصّص بالأمراض الجرثومية البروفيسور جاك مخباط يؤكّد في حديث لموقع العهد الإخباري أن مناعة القطيع هو مصطلح يستخدم عندما يتعرّض جزء كبير من المجتمع للإصابة بالفيروس أو يلجأ الى اللقاح ويصبح لديه مناعة ضد الوباء. وفق قناعاته، عندما يصبح لدينا جزء كبير من المجتمع لديه مناعة، فهذا يعني أننا نرسم خطا قاطعا بين المصابين والسليمين والذين امتلكوا المناعة، بمعنى قطعنا طرق الانتقال. يتوسّع مخباط أكثر في الشرح فيُشبّه المسألة وكأن لدينا "جنزيرا" للانتقال، وفيه عدد من الحلقات المتمثلة بالأشخاص الذين لديهم المناعة، وعبر هذا الجنزير منعنا انتقال العدوى. 

النسبة تقدر بين 60 الى 75 بالمئة من الشعب

كم نسبة الناس في المجتمع التي يجب أن تمتلك المناعة؟ يسأل مخباط ويجيب على نفسه بالاشارة الى أنّ النسبة تقدر بين 60 الى 75 بالمئة من الشعب الذين يجب أن يمتلكوا المناعة لايقاف الوباء. ووفق مخباط، فإن نسبة الاصابات في لبنان قليلة جداً مقارنةً بباقي البلدان، أما فيما يتعلق بنسبة المناعة فلا تزال غير واضحة والعمل جار على إنجاز الدراسات في هذا الصدد عبر استخدام المضادات الحيوية لاكتشاف ما اذا كان هناك نسبة قد أصبح لديها مناعة ضد الفيروس. الا أنّ هذا الأمر غير كفيل -بحسب مخباط- للتأكيد على وجود المناعة، لأنّ وجود المضادات الحيوية لا يؤكّد الحماية من الاصابة. ما فائدة هذه الدراسات إذاً؟ يؤكّد مخباط أن هذه الدراسات في الوقت الحاضر تعطينا فكرة لناحية من الفئات التي تعرّضت للفيروس. تماماً كما تعطينا صورة ما اذا كنا قد وصلنا لمرحلة نستطيع معها القول إنه أصبح لدينا "مناعة القطيع". 

في حالة "الكورونا"..تعتمد على المناعة الطبيعية 

ويُشدّد مخباط على أنّ "مناعة القطيع" طبّقت في حالة الانفلونزا عبر اللقاح الذي يلجأ اليه الأشخاص كل عام. اما في حالة "الكورونا" وفي ظل عدم وجود لقاح فإنّ "مناعة القطيع" تطبّق تلقائياً وتعتمد على المناعة الطبيعية. كيف ذلك؟ يوضح مخباط أن تطبيقها يأتي عبر التزام المواطنين بالشروط والارشادات كي ينتهي الفيروس. يعطي مثالاً على ذلك ما يحصل اليوم في السويد حيث يعيش الناس حياة طبيعية أشبه بمناعة القطيع، وفي المقابل يلتزم الشعب السويدي بالقوانين من ألفها الى يائها. أما في لبنان، وفي ظل الاسهتار الحاصل، يرى مخباط أنه وفي حال فتحنا البلد كليا قد يتفاقم الوضع الى الأسوأ، وعليه لا بد من التشديد على الالتزام بالتدابير بموازاة عودة الحياة الى طبيعتها.

فيروس كوروناالدكتور حمد حسن

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل