خاص العهد
بعد تسجيل أكثر من 60 إصابة بـ"كورونا"..هل نحن أمام إعادة انتشار للوباء؟
فاطمة سلامة
في الآونة الأخيرة التي سبقت عودة الإصابات بفيروس "كورونا" الى الارتفاع، كانت الإصابات نادرة. حينها اقتصرت على إصابة، إصابتين أو أكثر بقليل، حتى أن بعض الأيام لم تسجّل أي إصابة. هذا الواقع "الممتاز" الذي وصل اليه لبنان نتيجة الاجراءات المهمة التي اتبعتها الحكومة اللبنانية، هذا الواقع دفع به الاستهتار الذي مورس من قبل المواطنين الى الوراء. صحيح أن الاصابات بدأت ترتفع مع بدء الحكومة اللبنانية بتطبيق خطة الفتح التدريجي، إلا أنّ الالتزام بأصول التباعد الاجتماعي الذي نادت به الحكومة ومعها وزارة الصحة مرارا وتكرار، هذا الالتزام لو أنه حصل كان كفيلا بالحفاظ على النتيجة المميزة التي وصل اليها لبنان. تلك النتيجة كان من المفترض أن تمهّد لصفر اصابات نهاية حزيران. إلا أنّ الاستهتار أعاد لبنان خطوات الى الوراء، فالرقم الذي سُجّل أمس الخميس جاء مفاجئاً. 63 إصابة سُجّلت وسجّلت معها الكثير من التساؤلات. هل نحن أمام موجة ثانية؟ هل نحن أمام إعادة انتشار للفيروس؟. وما التقييم الحالي لواقع الوباء في لبنان؟
مدير مستشفى الحريري: لسنا أمام إعادة انتشار
مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي الدكتور فراس الأبيض يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن تسجيل عدد إصابات مرتفع لا يعني أننا أمام موجة ثانية أو إعادة انتشار للوباء، بل إنّ هذه الحالات التي سجلت في أغلبها كانت إما مجموعة كبيرة قادمة من الخارج وتحديداً الكويت، أو هي حالات نعلم بها وأضيفت اليها حالات داخل الكتلة الواحدة. وهنا يوضح الأبيض أنّ ما حصل للأسف جاء نتيجة مخالطة غير مضبوطة أي نتيجة انتشار محلي وليس على صعيد البلد بأكمله. برأي الأبيض، هناك فرق بين أن نسجّل 60 حالة موزعة على كافة لبنان، و60 حالة محصورة بين 4 أماكن، إذ إن أغلبية الحالات أتت نتيجة مخالطين لأناس معروفين.
ولكن يبقى السؤال -وفق الأبيض- هل هذا الأمر يجب أن يشغل بالنا؟ يجيب بالتأكيد، فإذا بقيت الحالات تتزايد بهذه الطريقة الى أين سنصل؟. وفق قناعاته، سيغزو "كورونا" حينها البلد بأكمله. لكن ثمة سؤال آخر يطرحه الأبيض: هل ما سبق يعني أننا في الوقت نفسه يجب أن نحجر على الجميع في لبنان فقط لأن الوضع في مجدل عنجر غير مضبوط أو أن الوضع في البناية X التي تواجد فيها البنغلادشيون غير سليم؟ طبعا لا -يقول الأبيض- فهذا الأمر غير منطقي، ومن هنا اتخذت الدولة الاجراءات اللازمة عبر تتبع هذه الحالات وتطبيق إجراءات عزل شديدة وتكثيف الفحوصات لفهم القضية أكثر. وفي الوقت نفسه، علينا أن نراقب الوضع خلال الأسبوع القادم كي نتابع مسار الأمور وتطورها لنتصرف بناء على المعطيات.
الدولة تعمل كالجراح "الشاطر"
ويلفت مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي الى أنّنا نسعى جاهدين اليوم كي لا نعود لتطبيق الحل الأسهل على الدولة عبر الطلب من المواطنين الجلوس في المنازل. وفق قناعاته، فإنّ هذا الحل ليس بالضرورة أسهل على الاقتصاد في البلد والجوانب النفسية والاجتماعية. علينا أن نقيم توازنا بين الجانبين الصحي والاقتصادي، ومن هنا تعمل الدولة كالجراح "الشاطر" الذي يسعى لضبط المرض قبل أن يؤثر على الأعضاء الأخرى.
الأمور لا تزال تحت السيطرة
وفي الختام، يلفت الأبيض الى أننا اليوم في مرحلة حذر. الحذر واجب وجيد ومطلوب والانسان الذي لا يمتلك الحذر هو إنسان أهوج. يرفض القول إننا في مرحلة خوف، فالخوف أعمى. يرى مدير مستشفى الحريري أنّ الأمور لا تزال تحت السيطرة، لكن الموضوع يحتاج الى التشدد أكثر خصوصاً مع المخالفين. أولئك الذين يعلمون علم اليقين بأن من واجبهم الحجر لكنهم لا يتوانون عن إجراء المخالطات والحفلات. من يقوم بهذا الفعل لم يعد غير مسؤول بل أصبح مرتكباً.
حمية: الأرقام تطورت دراماتيكيا بسبب الاستهتار الاجتماعي
بدوره، نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) والمتخصّص في علوم الجزيئيّات الذرية والنانوتكنولوجي الدكتور محمد حمية يوصّف لموقع "العهد" الإخباري الواقع في لبنان اليوم بالإشارة الى أننا لا نعيش انتشاراً محلياً جديداً، بل استهتاراً نتج عنه زيادة في الأرقام، بحيث تطورت الأرقام دراماتيكيا بسبب الاستهتار الاجتماعي. ويلفت حمية الى أنّ الأرقام التي نتجت أمس الخميس يدخل عليها العامل الخارجي، لكن لنضع هذا العامل جانباً فهو موجود إلا أنه محصور. وفق حمية، اذا أردنا أن نتطلّع الى الأرقام التي تنتشر في لبنان مؤخراً، فهي أرقام تتراوح ما بين الـ20 الى الـ25 حالة. هل سنكمل بأرقام إصابات مرتفعة؟ يسأل حمية ويجيب على نفسه بالقول: سنكمل هكذا حتى الأربعة أيام المقبلة، ومن ثم سنشهد انخفاضاً كبيراً في أعداد الاصابات الأسبوع المقبل، وذلك بعد توقف عودة المغتربين، ومحاصرة قضية "البنغلادشيين" الذين نقلوا العدوى الى بعضهم البعض، وبعد محاصرة القرى التي شهدت انتقالا للعدوى. عندها سنشهد انخفاضاَ شديداً -يقول حمية- الذي يبدي عجباً كيف يهوّل الفرد اللبناني على نفسه عندما يرى ارتفاعاً في الإصابات، ولا يبديه من عودته للنزول الى الشارع وفكّ محظور التقارب الاجتماعي، ضارباً قضية التباعد الاجتماعي عرض الحائط. برأي حمية، علينا أن نتعجّب من أنفسنا حين لا نلتزم بمسألة الحجر المنزلي.
مرحلة ثبات جديدة في الاصابات الاسبوع المقبل
ما الذي حصل حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم بعد أن شهدنا شبه ثبات في الاصابات في الفترة الماضية؟ يعلّق حمية على هذا السؤال بالإشارة الى أنّنا كنا في ثبات رقمي، إلا أنه ونتيجة الاستهتار الذي مررنا به عدنا -بعد مضي 14 يوما- الى الارتفاع في عداد الاصابات ما يحملنا من مرحلة ثبات الى مرحلة ثبات جديدة، ولكن فترة الانتقال من هذا الثبات الى ذاك تبدو عمودية بالتصاعد، وهي المرحلة التي نعيشها اليوم وتستمر حتى الأربعة أيام المقبلة. يُطمئن حمية بأننا سنصل الى مرحلة ثبات جديدة، ولكن هذه المرحلة دفعنا ثمنها. ما الثمن؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، يقول حمية، لا بد من الاشارة الى بارقة الأمل التي ظهرت لدينا والمتمثلة بـ663 حالة شفاء حتى تاريخ اليوم. حالات الشفاء هذه لم تأت فجأة، فليعلم المجتمع اللبناني أن حالات الشفاء هذه هي حالات كانت موجودة دائماً لكن لم يعلن عنها فقط لأنها حالات شفاء طبيعية ولا بد من متابعتها للتأكد منها. ويعرض المتحدّث كيف ارتفعت نسب الشفاء حيث كانت 7 بالمئة، ومن ثمّ 15 بالمئة، بعدها 27 بالمئة، واليوم نحن أمام نسبة شفاء وصلت حد الـ55 بالمئة من العدد الاجمالي.
بارقة أمل تتجسد بحالات الشفاء التي تتصاعد بشكل كبير
ويسأل حمية: هل يعي المجتمع أنه لو لم يستهتر ويوصلنا الى قفزة جديدة من الاصابات لكنا لا نزال في ثبات رقمي وفي دائرة الـ900 حالة و663 حالة شفاء؟ وفق حمية، لو أن الارقام لا تزال على هذا النحو لكنا وصلنا الى 80 بالمئة من حالات الشفاء، وكنت قد أشرت سابقاً الى أنّ الثبات الرقمي سيوصلنا الى صفر اصابات في أواخر حزيران، يقول حمية الذي يلفت الى أنّ هذه القفزة التي أتت نتيجة استهتار المجتمع ستؤخر مسألة الصفر اصابات الى آخر تموز. وفق حسابات حمية، فإنّ الاستهتار الذي حصل لمدة 4 أيام جعل الاصابات تقفز وأجل مسالة الصفر اصابات. من يتحمّل مسؤولية ما حصل -وفق حمية- هو المجتمع اللبناني، رغم أن حالات الشفاء تعطي بارقة أمل للبنان جميلة جداً، وهي حالات ستبقى بالتصاعد بنفس الوتيرة لأن حالات الشفاء طبيعية في لبنان، ومن يملك المناعة الضعيفة، يجري علاجه بالمضادات الحيوية والمخبرية ويشفى أيضاً.
الخلايا البشرية الموجودة لدينا في لبنان تستقبل الفيروس بنسبة 7 بالمئة فقط
ويتوقّف حمية عند نقطة مهمة جداً تتجسّد بطبيعة المجتمع اللبناني الموجود في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن الخلايا البشرية الرئوية الموجودة لدينا تستقبل فيروس كورونا بنسبة 7 بالمئة فقط، بينما في الصين 39 بالمئة، أميركا 41 بالمئة، أوروبا 37 بالمئة. هذه حقيقة علمية يضاف اليها عامل جميل في لبنان أن عدد الاناث أكثر بقليل من عدد الذكور، وهذا الفيروس يصيب الذكور أكثر من الاناث. هذه العوامل المتعددة يجب أن نستغلها وأن لا نستهتر. ما المطلوب منا؟ برأي حمية، علينا أن لا نستهتر فالسبعة بالمئة قد تصبح 50 الف اصابة نتيجة الاستهتار. هل نحن نتحمل هذا الرقم؟ يسأل حمية ويوضح أننا في محيط الألف إصابة لا نزال في نعمة الهية كبيرة على اعتبار أن هناك عاملاً جينياً وهبنا الله إياه علينا بموازاته أن ننتظر حالات الشفاء لتتكاثر ونسجل صفر اصابات في آخر تموز.
لا حل سوى بتطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي
ما المطلوب منا اليوم؟ يعيد حمية السؤال ليقول "بما أن الخطأ حصل وحصلت القفزة العلمية، علينا العمل على تثبيت الارقام ولا سبيل لذلك سوى عبر طريقة واحدة وهي بأن يتحول كل فرد منا الى طبيب وخفير على نفسه وليس هناك من شيء مطلوب سوى التباعد الاجتماعي والوقاية ريثما نسجّل صفر إصابات". وهنا يشير المتحدث الى أنّ الاصابات التي تسجل في صفوف المغتربين ليست بالمشكلة، بل الخوف يتأتى من الداخل والاستهتار الذي أوصلنا الى تسجيل حالات إصابات بالجملة. وهنا يوضح حمية أنه وبعد تاريخ 25 أيار سوف تبدأ أعداد الاصابات بالانخفاض، خصوصا أن الدولة تستأنف حالة التعبئة العامة من 25 أيار حتى 7 حزيران. هذه الفترة لا بد منها لنتمكّن من ضبط الأرقام مجدداً، يختم حمية.