خاص العهد
ملفات فساد بالجملة أمام القضاء..ولهذه الأسباب لا يبت بها
فاطمة سلامة
ألقى عضو كتلة "الوفاء" للمقاومة النائب حسن فضل الله خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الحجّة أمام كافة المعنيين بالبت بملفات الفساد. لجأ الى محكمة الرأي العام، بعد أن أودع القضاء ملفات دسمة بالوثائق والأدلة. ملفات بالجملة نامت بمعظمها في الأدراج ولم يجر البت بها منذ عامين حتى اليوم. المتهمون بهذه الملفات معروفون بالأسماء، ورغم ذلك لم يتمكّن القضاء من وضع فاسد واحد خلف القضبان. وفي هذا الصدد، ثمّة سؤال بديهي جداً يخطر على بال أي أحد: ما الذي يمنع القضاء من البت بهذه القضية أو تلك؟. نحن لا نتحدّث هنا عن شبهات فقط ورمي التهم جزافاً، بل نتحدّث عن ملفات صيغت على درجة عالية من الوضوح والدقة والمسؤولية. وللأمانة، لا بد من الإشارة الى أنّ القضاء اللبناني لا يخلو من قضاة نزيهين يعملون بضمير حي ومسؤولية، قُضاة عازمين على مكافحة الفساد، لكنّهم يصطدمون بعوائق عدة تحول دون إنجاز المهمة المطلوبة. فما الأسباب التي تحول دون إنجاز القضاء مهمته؟ وما دور التفتيش القضائي في هذا السياق؟.
سببان وراء عدم البت
مصادر سياسية تتابع عن كثب هذه القضية تدرج في حديث لموقع "العهد" الإخباري الأسباب ضمن إطارين؛ الحمايات السياسية التي تمنع المحاسبة وترسم الخطوط الحمراء وتستخدم التحريض الطائفي والمذهبي. تعطي المصادر مثالاً على ذلك، فملف الحسابات المالية وقطوعات الحسابات أكبر دليل على ما سبق. تُفرد الحمايات السياسية على مد العين والنظر لتمنع محاسبة المتهمين في هذه القضية. وأيضاً فإنّ ملف الهبات يدخل -وفق المصادر- بهذا الإطار. هذا الملف لا يزال عالقاً عند المصرف المركزي وحاكمه يمتنع عن رفع السرية للمتهمين.
من الحمايات السياسية التي تمنع المحاسبة، تنتقل المصادر الى الأسباب التقنية. توضح المصادر أنّه ورغم إنجاز بعض الملفات في قطاع الاتصالات مثلاً، إلا أنّ هناك ملفات أخرى رفعت فيها الدعاوى لكنها لا تزال عالقة. الانترنت غير الشرعي لا يزال عالقاً عند قاضي التحقيق في بعبدا. ملف شراء المحروقات الذي جرى الادعاء فيه على 10 شركات حُول الى قاضي التحقيق لكنه يحتاج الى متابعة.
وفيما تُشدد المصادر على أنّ مستندات الفساد التي قدمها فضل الله مؤخراً اطلع عليها الرأي العام، وبيّنت حجم الفساد المستشري في الدولة، تختم حديثها بالقول "فليدلنا أحد على طريق لمكافحة الفساد غير القضاء والضغط على القضاء".
عون: تأخر قضائي في البت بملفات الفساد
لدى سؤال عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون عن هذه القضية، وهو عضو في لجنة الادارة والعدل، يفضّل عدم الدخول في محكمة النوايا، لكنه لا ينفي أن ّهناك تأخراً قضائياً في البت بالملفات، فهذا هو الواقع. في الكثير من الأحيان نجد أن هناك بعض الملفات تبقى عالقة دون حسم، وهذا الأمر من مسؤولية القضاء متابعته للتسريع بالبت بالقضايا. برأي عون، على التفتيش القضائي التدقيق في هذه القضية والتحري لماذا هناك ملفات قضائية تأخذ كل هذا الوقت؟ لماذا هناك ملفات لا تزال في الأدراج؟. يرفض عون رمي التهم جزافاً لكنه لا ينكر هذا الواقع، فهناك مجموعة قضايا فساد وإخبارات مقدمة لم يتم البت بها، وهذا ما تداولناه في لجنة الادارة والعدل أمس الثلاثاء، وقد اشتكى بعض الزملاء من التقاعس القضائي، وانطلاقاً من هذا الأمر طُرحت فكرة الذهاب الى لجنة تحقيق برلمانية للبت بالملفات العالقة.
ويوضح عون أنّ مسؤوليتنا كنواب أن نتحرك كي لا تبقى ملفات الفساد عالقة، ومن هنا قد نذهب نحو لجنة تحقيق تعرض على الهيئة العامة التي يعود لها قرار البت بإنشائها. وهنا يُشدّد المتحدّث على ضرورة البت بمختلف ملفات الفساد. هذا الأمر أكثر من ضروري سواء براءة او اتهاما. فلا يجوز وفق عون أن تموت الملفات كل هذا الوقت أو تنام في الأدراج. تباطؤ البت بالملفات ينعكس على هيبة الدولة، فالقضاء اذا لم يسترجع هيبته ويشكل رادعا للجميع عبر استخدام ديدن المحاسبة لن تتمكّن الدولة من محاربة الفساد كما يجب.
يمين: الأسباب متنوعة
الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يؤكّد في حديث لموقعنا أنّ هناك أسباباً متعددة لتقاعس القضاء منها ما يتعلق بالحصانات لأن ملاحقة الموظفين تحتاج الى أذونات من مرؤوسيهم، مع إمكانية تجاوز الإذن في حالات وضمن شروط معينة. كما أن ملاحقة الوزراء بحسب الاجتهاد المتبع تحتاج الى اتهام يصدر بأغلبية الثلثين من الأعضاء الذين يتكون منهم البرلمان من أجل أن يحاكموا أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وهذا أمر في غاية الصعوبة. كما أنه وعندما يكون المشتبه به عضواً في مجلس النواب لا يجوز المباشرة بملاحقة جزائية بحقه عندما يكون البرلمان في دورة انعقاد الا بعد الحصول على اذن البرلمان، أي رفع الحصانة عنه، فيما عدا الجرم المشهود وهو أمر يستلزم اجراءات ووقتاً.
وفوق هذه الأسباب، يوضح يمين أن القضاء لا يزال يبحث عن استقلاليته خصوصاً أنّ بعض القضاة المعينين خلال عهود سابقة قد يكونون متأثرين بالمرجعيات التي زكّتهم في مواقعهم وهذا الأمر قد يكون مؤثراً في أدائهم لمهمتهم، فضلاً عن الاعتبارات الطائفية والمذهبية التي تضع بعض الأحيان خطوطاً حمراء أمام ملاحقة بعض الشخصيات.
ما المهام المنوطة بالتفتيش القضائي؟
أمام هذه الأسباب، ما المهام المنوطة بالتفتيش القضائي؟ يجيب يمين على هذا السؤال بالاشارة الى أنّ المادة 98 من قانون القضاء العدلي المعدلة وفقاً للمرسوم الاشتراعي 22 تاريخ 23/3/1985 والمعدلة وفقاً للقانون رقم 389 تاريخ 2001، تنص على أن تتولى هيئة التفتيش القضائي المهام الآتية:
1- مراقبة حسن سير القضاء وأعمال القضاة وموظفي الاقلام وسائر الاشخاص التابعين لها.
2- لفت نظر السلطات الى ما تراه من خلل في الاعمال وتقديم الاقتراحات الرامية الى اصلاحها.
3- الصلاحيات التأديبية المنصوص عنها في القانون تجاه القضاة وموظفي الاقلام والدوائر المركزية في وزارة العدل.
4- لفت نظر من يتناولهم التفتيش بما يظهر من خلل في سير أعمالهم.
5 توجيه التنبيه عند الاقتضاء الى القضاة والموظفين.
6 -الاقتراح على مجلس القضاء الأعلى اتخاذ التدبير المناسب بحق أي قاض.