معركة أولي البأس

خاص العهد

اليوم العالمي للتمريض.. ماذا تعني لك ممارسة المهنة في زمن
12/05/2020

اليوم العالمي للتمريض.. ماذا تعني لك ممارسة المهنة في زمن "الكورونا"؟

فاطمة سلامة

ثمّة جهود "مضاعفة" يبذلها الممرضون والممرضات هذه السنة. جهود لا تخرج عن أهداف المهنة النبيلة التي اختاروا أن يكونوا جنوداً فيها، لكنها حكماً جبارة. بطبيعة الحال، من يدخل الى هذا العالم، يعلم جيداً ما ينتظره، لكنّ الظروف القاسية التي فرضتها "كورونا" تجعل العامل في هذه المهنة بمثابة جندي الحرب.  يكفي أن نجيب عن السؤال التالي لنكتشف حجم التضحيات التي تُبذل: ماذا تعني ممارستك التمريض في زمن "الكورونا"؟. أن تكون ممرضاً / ممرضة في زمن الفيروس "المستجد"، يعني أن تضع سلامتك على كفّك وتجاهد في خط الدفاع الأول لمواجهة فيروس خبيث خادع قد يتسلّل اليك على حين غفلة. يعني أن تنسى نفسك في الكثير من الأوقات. يعني أن تضع كل حياتك الشخصية والعائلية جانباً، حتى تُصبح القبلة على جبين طفلك، خطوة يُحسب لها ألف حساب. يعني أن تضطر في أحيان كثيرة للسكن بمفردك اذا ما كان أحد أفراد أسرتك يعاني من مرض مزمن خوفاً على حياته. الحديث مع الممرضين والممرضات والظروف التي تحيط عملهم هذا العام، يجعلك تسرد الكثير من القصص والحكايات لهذا الكادر التمريضي الذي لا بد أن ترفع له القُبّعة في زمن "الكورونا". 

في اليوم العالمي للتمريض، نسمع الكثير من التقدير والثناء على جهود هذا الكادر الطبي وتضحياته، لكننا في المقابل نسمع أصواتاً من داخل هذا الكادر تدعو الى إنصافهم وسط التحديات الجمة التي يعيشونها اليوم. 

ممرضون يكافحون..

في اليوم العالمي للتمريض، تتحدّث سيلفانا حليحل -وهي الممرضة المسؤولة عن قسم العناية الفائقة لمرضى الكورونا في مستشفى رفيق الحريري- لموقع "العهد" الإخباري عن التحديات التي يواجهها الكادر التمريضي هذا العام. تحديات تتنوّع بين مادية واجتماعية ونفسية. تروي لنا بعضاً من يومياتها "المجبولة" بالتحديات. إنها الممرضة الأم التي تتجنّب تقبيل ولدها البكر خوفاً على سلامته. هذا الأمر يعني الكثير لأم لكنّه وعلى قدر صعوبته يهون أمام المسؤولية الوطنية التي تقدمها للوطن. تُخبرنا سيلفانا كيف تتم مساءلتها من قبل ولدها المتعلّق بها كثيراً لمجرد أنها لم تعد تقبله. أولادي اعتادوا تقبيلي لدى دخولي وخروجي من المنزل -تقول سيلفانا- أما اليوم فهذا الأمر أصبح من الممنوعات حفاظاً عليهم. رغم ذلك، تخبرنا حليحل كيف يتسلل ابنها البكر كي يقبلها حتى ولو كان الثمن اصابته بكورونا لا سمح الله. يقول لها  بصراحة هذا الكلام، فالمهم لديه عدم حرمانه من تلك العاطفة التي اعتاد عليها. "الكورونا" فرضت الكثير من التغييرات على الحياة العائلية، تقول سيلفانا، اذ إن الاتصال بات ثميناً وسط ضغوطات العمل، فولدها الذي اعتاد أن يهاتفها مراراً وتكراراً خلال النهار، لم يعد يستطيع ذلك. كلما اتصل بي أكون غير قادرة على الرد وسط ضغوطات العمل. إخوتي لم أرهم منذ زمن، وحماتي كذلك الأمر خوفاً على صحتها.  

لا تخفي حليحل أن "كورونا" فرضت ظروفاً للعمل صعبة شكلاً ومضموناً. من ناحية الشكل مثلاً، فإنّ فكرة ارتداء الثوب المخصص لمنع العدوى، والماسك على الوجه لمدة 12 ساعة، هذا الأمر بحد ذاته يحتاج الى تحمل جسدي ويتبعه تحمل نفسي. هذا الثوب يحتاج الى مجهود جبار، لا سيما في أيام الحر، ونحتاج الى قدرة تحمل كبيرة لهذا الثوب. حتى أن الحرية لأخذ فرصة استراحة خلال الدوام تصبح صعبة، فالثوب يقيّد كثيراً. 

أما في الشق الاجتماعي، فتسرد حليحل الكثير من المعاناة. المحيط يبدي في الكثير من الأوقات خشية لمجرد سماعه بالمهنة التي نعمل بها. هذا حقهم تقول سيلفانا التي تشير الى أن شعارها الدائم "حماية نفسها من الآخرين، وحمايتهم منها". 

وتسلّط سيلفانا الضوء على الممرضين الذين يعانون مع مستشفياتهم في هذه الظروف الصعبة لناحية إجبارهم على العمل وفق نصف دوام، فهذه الظروف بيّنت أنّ الأطباء والممرضين والعاملين في هذا الحقل، هم الوحيدون الذين نحتاجهم في معركة "الكورونا". تؤكّد سيلفانا أن هناك اجحافا وتقصيرا بحق الممرضين، فهؤلاء لا يزال البعض حتى اليوم لا يلتفت اليهم والى دورهم للأسف. حتى أن النظرة للممرض لا تزال مجحفة أيضاً، اذ لا يُنظر اليه على أنه ذاك الشخص المتعلّم والمثقف في مختلف المجالات. مهنة التمريض -برأيها- لم تعد مهنة يتم توارثها بل مهنة لها قواعدها التعليمية. كما تشير المتحدّثة الى نقطة تصفها بالمهمة. فالممرضة ومهما تقاضت أموالاً هناك شيء اسمه سهر الليالي لمدة 12 ساعة في اليوم. هناك شيء اسمه البعد عن العائلة. هذه الأمور وفق قناعات حليحل لا يتم تثمنيها بمال الدنيا. الممرضة تجد نفسها مضطرة لترك أولادها في المنزل والخروج الى العمل ليلاً حتى ولو كان الطفل مريضا ويبكي من الوجع. تتذكّر سيلفانا الكثير من المواقف حين كان ابنها صغيراً يبكي من الم أسنانه لكنها وجدت نفسها مضطرة لتركه مع أبيه. الموقف ليس سهلاً ولكن مع هذه المهنة لا يوجد مزاح، تقول حليحل. 

ولا تنسى حليحل قبل أن تختم حديثها أن تعايد نقيبة الممرضين والممرضات ميرنا ضومط، ورئيسة مصلحة التمريض في مستشفى الحريري وحيدة غلاييني التي عملت على وضع رؤية متكاملة لمواجهة كورونا قبل أن يتسلل الى لبنان، الأمر الذي أدى الى تحضيرنا علمياً ونفسياً وطبياً لمواجهة الفيروس المستجد. كما تعايد الفريق الذي تعمل برفقته والذي يقدم واجبا وطنيا مهماً في هذه الظروف الصعبة. 

نقيبة الممرضات والممرضين: "حقنا ناخد حقوقنا" 

نقيبة الممرضات والممرضين ​ميرنا ضومط تُشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ اليوم العالمي للتمريض يمر هذا العام وأبناء هذا القطاع يواجهون تحديات جمة سواء مادية، أو لناحية ظروف العمل غير الآمنة، وهذه التحديات محزنة -وفق ضومط- في هذا الوقت، خصوصاً أن الممرضين باتوا خط الدفاع الأول في زمن "الكورونا". وتلفت ضومط الى أنّ هؤلاء ليسوا فقط عاملين تحت وطأة "الكورونا"، بل إنّ حوالى 8000 آلاف انسان يدخل يومياً في لبنان الى المستشفيات، من يهتم بهم؟ تسأل ضومط التي تشير الى أنّ الجسم التمريضي يتوزّع أيضاً على مراكز الرعاية الصحية ودور الرعاية والمسنين، ودورنا لم يقتصر على الكورونا، فالعالم يحتاج الى 9 ملايين ممرض يومياً. 

 

اليوم العالمي للتمريض.. ماذا تعني لك ممارسة المهنة في زمن "الكورونا"؟

وفي معرض حديثها، تدعو ضومط الى المحافظة على القدرات اللبنانية التمريضية للمحافظة على صحتنا. لا تنكر ضومط أن هناك تقديراً حيال الممرضات والممرضين، لكنها توضح أنّ هذا التقدير لا تتم ترجمته على الأرض، وهذا يبدو واضحا في التقصير الذي يتعرّض له الكادر التمريضي من كافة الجهات. وتلفت الى أن ما يهمنا في هذا السياق ترجمة الأقوال والتقدير الى أفعال تحافظ على حقوق الممرضين والممرضات، وانطلاقاً من هذا المبدأ جعلنا الشعار لهذا العام "حقنا ناخد حقوقنا". 

وترفض ضومط وصف هؤلاء الممرضات والممرضين بملائكة الرحمة. بالنسبة اليها هم أبطال بكل ما للكلمة من معنى، فالبطل هو من يمتلك الشهامة والعزة والتضحية وهم كذلك خط الدفاع الأول لمواجهة الفيروس المستجد.  
وفي الختام، تعايد ضومط الكادر التمريضي في لبنان، وتتمنى أن يأتي العيد القادم ويحتفل فيه الممرضات والممرضون بحصولهم على حقوقهم كاملة. وتؤكّد أننا لن نوقف النضال لأجل حقوقهم، لكنها تشّدد في المقابل على ضرورة أن يناضل الكادر التمريضي بأكمله لأجل حقوقه فالحقوق تؤخذ ولا تعطى. لذلك، تدعوهم الى القيام بالتحركات المطلوبة لانتزاع حقوقهم وتعدهم بمساندتهم ودعمهم.

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: خاص العهد